قراءة في الهجوم غير المسبوق على القوات الأمريكية

قراءة في الهجوم غير المسبوق على القوات الأمريكية

2024-01-29
880 مشاهدة


تم الإعلان عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين في الأردن أو في التنف (حيث ينفي الأردن أن الهجوم وقع على أراضيه)، ولا شك أن هذا تطور مهم ونوعي في التراشقات والمناوشات بين الأمريكيين والإيرانيين.
على مرّ السنوات. هناك الكثير من الصدامات أو المناوشات الصغيرة بين الإيرانيين والأمريكيين، والعامل المشترك بين جميع الهجمات التي قامت بها إيران بشكل غير مباشر هو ما يسمى بسياسة الإنكار (plausible deniability)، حيث تتنصل
إيران من الهجمات.
وربما أول الهجمات التي يمكن استذكارها في هذا السياق هو الهجوم الانتحاري على القوات الأمريكية في
لبنان في عام 1983، الذي أسفر عن مقتل أكبر عدد من مشاة البحرية الأمريكية تاريخيًا، 241 جنديًا. وتنصلت إيران، كما فعل حزب الله، من هذا الهجوم، ولكن المؤشرات كانت تشير إلى تورطهم بشكل غير مباشر فيه.
تكررت هذه الحالة في هجوم الخبر، مثلاً في السعودية في عام 1995، حيث اتهمت الولايات المتحدة "حزب الله الحجاز" بالهجوم. وهناك هجمات أخرى في أفغانستان وغيرها. الفارق اليوم هو أن مستوى سياسة الإنكار قد تراجع نسبيًا، حيث أعلنت الميليشيات الوكيلة لإيران في العراق تبنيها للهجوم الأخير في رفع لمستوى التحدي الإيراني.
ولكن التحدي الإيراني يبقى دون المستوى الذي يمكن أن يؤدي إلى مواجهة واسعة مباشرة، خاصة مع دخول إدارة بايدن فيما يشبه وضعية (البطة العرجاء) مع اقتراب الموسم الانتخابي، وهو ما يجعلها غير مستعدة لتوسيع الصراع، وسيبقى الرد الأمريكي في إطار ما يسمى بالرد المتناسب (Proportionate response)، وبالتالي يتوقع أن يكون الرد على الميليشيات المهاجمة غالباً، وليس على الحرس الثوري الإيراني، أو القوات الرسمية الايرانية، وهو ما لم يثبت أنه يردع إيران ومليشياتها حتى الآن.

يقترح بعض الخبراء العسكريين الأمريكيين ضرورة القيام برد حاسم والقيام باستهداف داخل الأراضي الإيرانية، إلا أن ذلك غالباً يبقى ضمن المقترحات ضعيفة الاحتمال، وربما يدخل ضمن المناكفات الانتخابية، حيث يحاول خصوم بايدن إظهار ضعفه في مقابل ترامب.
ويبدو أن مسارعة الأمريكان للإعلان على الموضوع وحديث بايدن عنه بشكل خاص يستهدف أيضاً جزئياً إلى امتصاص التوترات الداخلية بعد الخلافات بين ولاية تكساس والحكومة الفيدرالية، ويمكن القول بأن هذا الموضوع أيضاً ملاحظ من الايرانيين، وربما كانت التوقعات من هذا الهجوم محسوبة منهم، بما في ذلك هذا الجانب، بمعنى ان للإيرانيين مصلحة في عدم احراج إدارة بايدن إحراجاً كبيراً يؤدي إلى سقوطه، لأن مصلحتهم هي في بقاء الديمقراطيين في سدة البيت الابيض، ولا مصلحة لديهم بتاتاً في قدوم الجمهوريين، وخاصه ترامب، والذي من المتوقع أن يُنفذ سياسة متشددة ضد ايران (وهو الذي قتل سليماني في 2020 في رد غير متناسب)، ولذلك ربما أحد النتائج المحسوبة لهذا الهجوم، أنه يمكن أن يفيد بايدن في تخفيف الاحتقان الداخلي ومحاولة توجيه بوصلة الأمريكيين نحو التهديد الخارجي، ويبقى الرد عليه من قبل بايدن أمراً محتملاً وقابلاً للتغاضي عنه أو احتماله من قبل الإيرانيين طالما أنه لن يُقوّض الأصول الأساسية للإيرانيين، وبالتالي قد يرد بايدن باستهداف قيادات المليشيات في العراق، وهو ما يحفظ ماء وجهه نسبياً.

يبقى من المهم القول بأن ضعف إدارة بايدن بات يتجلى بشكل واضح ليس في ضعف القدرة على الرد الرادع على إيران وأذرعها فقط، بل في عدم قدرته حتى الآن على إيقاف جنون نتنياهو وحكومة حربه التي باتت تجر الولايات المتحدة إلى مستنقع الشرق الأوسط، بشكل مغاير لاستراتيجتها التي تقتضي التخفف من أعبائها في الشرق الأوسط للتركيز على مواجهة المارد الصيني.