logo
facebooktwitterinstagramyoutubelinkedintelegramthreads
مستقبل الدور السعودي والإماراتي في سوق الطاقة المتجدِّدة الدولية
ديسمبر 28, 2023
187
حجم الخط


تمهيد

تتوقع شركة "برايس ووترهاوس كوبر" البريطانية -وهي ثاني أكبر شركة خدمات في العالم- إمكانية اعتماد قارة إفريقيا على الطاقة المتجدِّدة بنسبة 100% بحلول عام 2050، كما تتوقع احتمالية تلبية احتياجات العالم من الطاقة بنسبة 95% من مصادر الطاقة المتجدِّدة مع حلول عام2050 [1]، وقد تجاوز الاستثمار في الطاقة المتجدِّدة أرقاماً غير متوقعة، فبحَسَب بلومبيرغ بلغت قيمة الاستثمارات في سوق الطاقة المتجدِّدة العالمية 358 مليار دولار في النصف الأول من عام2023  [2]، وتفسر هذه الأرقام سعي العديد من دول العالم للانتقال إلى استهلاك مصادر الطاقات المتجدِّدة والتي يكون مصدرها الطبيعة مثل: الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية، والطاقة الحرارية، والهيدروجين، وهي موارد غير قابلة للنفاد.

تُعتبر السعودية والإمارات إلى جانب العراق وإيران من أهمّ منتجي النفط على مستوى العالم، الأمر الذي منحهم نفوذاً كبيراً على سوق الطاقة الدولية، فضلاً عن مزايا سياسية واقتصادية، فالسعودية والإمارات استطاعتا تحقيق درجات مرتفعة من التنمية بالاعتماد على واردات النفط المالية إلى جانب لعبهم دوراً سياسياً واقتصادياً مهماً إقليمياً؛ لأن سلعة النفط تمنح الدولة التي تمتلكها أداة سياسية إستراتيجية تُسهم في صناعة سياستها الخارجية.

وبالحديث عن التوجُّه والخطط العالمية المستقبلية لتخفيض الاعتماد على النفط مقابل التوسُّع في إنتاج الطاقات المتجدِّدة، قد تعيش كل من السعودية والإمارات نكسات هذا الانتقال من حيث انخفاض قيمة الواردات المالية لصادرات النفط، وانطلاقاً من ذلك، من المحتمل أن تتوجه الدولتان للتوسُّع في تطوير البِنْية التحتية لإنتاج الطاقة المتجدِّدة من خلال استغلال الإمكانات المتاحة في الوقت الحالي، وهو ما نسلط عليه الضوء في هذا التقرير، ويتضمن ذلك محاولة استقصاء قُدرات الدولتين في إنتاج وتصدير الطاقات المتجدِّدة إلى جانب النفط، بما يسمح لهما بحجز حصة في سوق الطاقة الدولية المتجدِّدة، ربما لا تقلّ عن حصصهم في سوق النفط. 

أولاً: مصادر الطاقة المتجدِّدة

يتجه العالم بشكل متزايد للاعتماد على مصادر الطاقة المتجدِّدة والتي يتم استخلاصها من الطبيعة، وهي مصادر لا تنضب، ويمكنها أن تجدِّد نفسها باستمرار مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتتميز بأنها صديقة للبيئة، وعند الاستهلاك لا تطرح غاز ثاني أكسيد الكربون مثل الوقود الأحفوري الذي يشمل النفط، والفحم، إذ يترتب على استهلاكهما انبعاث كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون، ويأتي الغاز بعدهما بدرجة أقل، وتغطي مصادر الطاقة المتجدِّدة 35.4% من استهلاك الكهرباء في العالم بحسب تقديرات عام 2022 [3]. ويُعزَى السبب الرئيسي للتوجُّه نحو الطاقة المتجدِّدة لارتفاع عدد سكان العالم، وتزايُد الطلب على الطاقة، ومن جهة أخرى ظهر في السنوات الأخيرة توجُّه عالمي يحثّ على تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الذي أرجع العديد من العلماء إليه السبب الرئيسي في التغيُّرات المناخية.

نسلط الضوء في هذا القسم من التقرير على أهم مصادر الطاقة المتجدِّدة، كإطار مفاهيمي للدراسة، والذي يساعدنا على فهم مدى إمكانية كل من السعودية والإمارات في أن تكونا منتجين ومصدِّرين لموارد الطاقة المتجدِّدة في المستقبل.

1. 1 الطاقة الشمسية

يُعَدّ ضوء الشمس أحد موارد الطاقة الأكثر وفرة، حيث تكفي كمية الطاقة الشمسية التي تصل إلى سطح الأرض في ساعة واحدة لسدّ إجمالي احتياجات الأرض من الطاقة لمدة عام كامل، لكن وعلى الرغم من أن هذا الكمّ يبدو مصدراً مثالياً للطاقة المتجدِّدة، إلا أن كمية الطاقة الشمسية التي يمكننا استخدامها تختلف وفقاً للوقت من اليوم والموسم والسنة وكذلك الموقع الجغرافي، فتوفر الشمس في مناطق امتداد الصحراء العربية لا يُقارَن بتوفُّرها في القارة الأوروبية[4]، بمعنى أن الموقع الجغرافي والمناخ يلعبان دوراً كبيراً في إنتاج الطاقة الشمسية، فإذا قارنا فترات توفُّر الشمس خلال أيام السنة بين السعودية والمملكة المتحدة نجدها في السعودية أكثر بعشرات المرات من المملكة المتحدة، إذاً نحن أيضاً أمام ندرة في توفُّر الطاقة الشمسية في بعض البلدان.

1. 2 طاقة الرياح

تُعتبَر الرياح مصدراً وفيراً للطاقة، وعلى مدى السنوات الأخيرة فقد أصبحت مزارع الرياح تنتشر بشكل واسع في العديد من دول العالم، حيث تُسهم طاقة الرياح بشكل متزايد في إنتاج واستهلاك الكهرباء. ومن أجل توليد الكهرباء من طاقة الرياح يتم استخدام التوربينات لتشغيل المولِّدات التي تقوم بعد ذلك بتغذية الشبكة الوطنية بالكهرباء[5]، وتتوافر الرياح في كل مناطق العالم ولا تقتصر بين مكان وآخر إلا بمعايير بسيطة متفاوتة.

1. 3 الطاقة المائية

تُعتبر الطاقة المائية مصدراً من مصادر الطاقة المتجدِّدة، وهي واحدة من أكثر الموارد المتطوِّرة تجارياً. حيث تقوم على بناء السدود، حيث يتم استخدام خزان كبير لإنشاء تدفُّقِ مُتحكَّمٍ فيه للمياه من شأنه تشغيل التوربينات وتوليد الكهرباء. غالباً ما يكون مصدر الطاقة المائية الأكثر موثوقية من الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح حول العالم من حيث عملية التخزين، حيث يسمح بتخزين الكهرباء لاستخدامها عندما يصل الطلب إلى ذروته[6].

1. 4 الهيدروجين

الهيدروجين هو أحد مصادر الطاقة ذات الأهمية في العديد من الصناعات، إلا أنه غير متوفِّر بشكل مستقلّ، بل يُستخلص من موادّ أخرى مثل الفحم والغاز والماء، ويُعَدّ أحد أقوى بدائل النفط في حالة تطوير تقنيات استخلاصه، كما أنه من المتوقع أن يكون الوقود الرئيسي في المستقبل.

وعند الحديث عن كيفية إنتاج الهيدروجين ينبغي النظر إلى أمرين؛ الأول: هو المادة الخام التي سيُنتَج منها، والثاني: هو الوقود المستعمل في عملية الإنتاج؛ لأن الهيدروجين موجود في شكل جزيء أو داخل مادة أخرى مثل الماء، ولا بُدّ من استخلاصه منها حتى يتم استخدامه في الاستهلاك. وفي هذا التقرير نركز على الهيدروجين الأخضر الذي يُصنَّف كأهمّ مورد للطاقة المتجدِّدة النظيفة المستقبلية القابلة للتصدير، ونميزه عن الأنواع الأخرى من الهيدروجين منعاً لتداخُل المفاهيم.

- الهيدروجين الأخضر - المتجدِّد

مصدر الهيدروجين الأخضر هو الماء الذي يتكوَّن من عنصرَي الأكسجين والهيدروجين، وللحصول عليه لا بُدّ من عملية التفكيك لفصل الأكسجين عن الهيدروجين، ويتحقق ذلك من خلال عملية التحليل الكهربائي التي تتم بواسطة طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية، ويستخدم الهيدروجين الأخضر في الاستهلاك المنزلي، وفي وقود السيارات وفي المصانع، وهو طاقة قابلة للتخزين، حيث يتم ضغطه وتخزينه في خزانات مخصصة لفترات طويلة، وهو قابل للنقل أيضاً نظراً لكونه عنصراً خفيفاً جداً، ويحدث ذلك بعد ضغطه وتحويله إلى أمونيا زرقاء. ويعتبر إنتاج الهيدروجين الأخضر مرتفع التكلفة مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى؛ لأنه يعتمد في طريقة استخلاصه على الطاقة الشمسية والرياح، لكن مع مرور الزمن من المتوقع انخفاض تكلفة إنتاجه بسبب التطور العلمي المستمر، فوفقاً لتقرير نقله موقع الطاقة الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) يمكن أن تنخفض تكلفة منشآت استخلاص الهيدروجين الأخضر من 40٪ إلى 80٪ على المدى الطويل[7]، وأصدرت الوكالة ذاتها دراسة تخص سياسات الهيدروجين الأخضر بعنوان "دليل لصنع الهيدروجين الأخضر" حيث ذُكر فيها أنه من الممكن في المستقبل استخدام البِنْية التحتية لشبكات الغاز في عمليات النقل[8]، إلا أنه إلى الآن لم تُجْرَ تجربة عملية فيما يخصّ نقل الهيدروجين الأخضر عبر الأنابيب. ووفقاً لتقرير صدر في عام 2022 لمنظمة الدول العربية المصدِّرة للنفط "أوابك" تبين من خلاله أن احتمالية نقل الهيدروجين الأخضر عَبْر خطوط الغاز ممكنة وستُوفِّر تكلفة مالية كبيرة على الدول المصدِّرة[9].

وفي طَوْر محاولة دول الاتحاد الأوروبي إيجاد خُطُوات ملموسة لحل أزمة الطاقة وتقليل الاعتماد على الغاز الروسي، يتم العمل على تطوير طرق نقل الهيدروجين الأخضر عَبْر خطوط الغاز في إطار عملية تخزينه وتوزيعه، فدول الاتحاد الأوروبي تمتلك شبكة متشعبة وواسعة من خُطوط الغاز، والتي قد تكون خياراً جيداً لاستخدامها في نقل الهيدروجين. وفي هذا الخصوص أعدت مجموعة "ريدي فور هيدروجين"[10] دراسة لحساب تكلفة تطوير البِنْية التحتية للكهرباء، والتي خلصت إلى أن نقل الهيدروجين عَبْر خطوط الغاز الأوروبية يوفّر ما يُقدَّر بـ 41 مليار يورو سنوياً. وتوصلت الدراسة إلى هذه النتيجة بعدما تم المقارنة بين حجم استثمارات نقل الهيدروجين عَبْر خطوط الغاز وبين تطوير البِنْية التحتية للكهرباء بين عامَيْ 2031 و2050[11]. وطرحت بالفعل دول الاتحاد الأوروبي بقيادة ألمانيا وإيطاليا مشروع نقل الهيدروجين الأخضر من الصحراء الكبرى الإفريقية عَبْر خطوط أنابيب من الجزائر إلى أوروبا، وبالفعل وقعت الجزائر وإيطاليا في شهر يناير/ كانون الثاني 2023 اتفاقية لإنشاء خط أنابيب "غالسي" لنقل الهيدروجين، والذي من المتوقَّع أن يبدأ العمل فيه مع بداية عام 2030 [12].

- الهيدروجين الرمادي - غير المتجدِّد

يُستخلص هذا النوع من الهيدروجين من الغاز الطبيعي، الذي يحتوي على هيدروجين. حيث يتم استخدام الغاز الطبيعي كمادة خام لإنتاج الهيدروجين الرمادي من خلال التسخين الحراري، وهي الطريقة الأقل تكلفة والأكثر شيوعاً[13].

- الهيدروجين الأسود - غير المتجدِّد

يُستخرج هذا النوع من الهيدروجين من الفحم، وذلك من خلال تحويله إلى غاز، ومن ثَمّ يمكن استعماله في عملية الإنتاج، وهي الطريقة التي تُسبِّب تلوثاً كبيراً للبيئة[14].

ثانياً: مقوِّمات نجاح الاستثمار السعودي الإماراتي في سوق الطاقة الدولية المتجدِّدة

نناقش في هذا القسم من التقرير قدرات كل من السعودية والإمارات وإمكاناتهما التي تسمح لهما بإنتاج الطاقة المتجددة. وقبل الخوض في هذا القسم لا بد من لفت الانتباه إلى أن الشكل الذي ستصدر به كل من السعودية والإمارات موارد الطاقة المتجدِّدة مستقبلاً سيكون الهيدروجين الأخضر، وهو أحد أهم أشكال الطاقة النظيفة ذات الانبعاث الكربوني الصفري، وهو من الطاقات المستدامة، وهو الشكل الوحيد من مصادر الطاقة المتجدِّدة الذي يمكن تصديره حتى تاريخ كتابة هذا التقرير.

2. 1 المقوِّمات السعودية

 العوامل البيئية (توفّر مصادر الطاقة الشمسية والرياح) 

تُصنَّف الطاقة الشمسية كواحدة من أهمّ عوامل نجاح عملية إنتاج الهيدروجين الأخضر، والسعودية بمساحتها الشاسعة والتي تبلغ (مليونَيْ كم2)، والتي يغلب على معظم مساحتها تقريباً المناخ المشمس في معظم أيام السنة تمتلك ميزة في جدوى التوسُّع ببناء مشاريع طاقة شمسية في أماكن صالحة فنياً، ومحمية من العواصف الرملية، وتكون ذات جدوى اقتصادية.

وفيما يتعلق بإنتاج طاقة الرياح، لدى السعودية ميزة مهمة لجدوى بناء طاقة الرياح، وهي السواحل الممتدّة على طول البحر الأحمر، وسواحل الخليج العربي، إضافة إلى وجود مرتفعات جبلية في المنطقة الجنوبية والغربية من المملكة، ومن المعروف أن سرعة الرياح تكون أقوى في المرتفعات والسواحل مما يعطيها فاعلية أكبر لإنتاج الكهرباء.

القدرة على تمويل مشاريع إنتاج الطاقة المتجدِّدة مرتفعة التكلفة

تجهيز وبناء مشاريع الطاقة المتجدِّدة يحتاج إلى تمويل ليس بالقليل، لذلك لا بد من توفر القدرة المالية للبَدْء في هذا النوع من المشاريع، إذ تمتلك السعودية اقتصاداً هو الأكبر حالياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فقد تجاوز الناتج القومي الإجمالي 1.1 تريليون دولار لعام 2022 [15]، فضلاً عن امتلاكها صندوقاً سيادياً كبيراً يُقدَّر بحوالي 620 مليار دولار بحسب إحصائيات عام 2022، وهو من أكبر الصناديق السيادية في العالم. إمكانات السعودية المالية تُمكِّنها من تمويل مشاريع الطاقة المتجدِّدة وإنتاج الهيدروجين الأخضر دون أي معوِّقات مالية.

 البِنْية التحتية المتكاملة

تمتلك السعودية بِنْية تحتية ضخمة ومتطوِّرة لإنتاج النفط من خطوط أنابيب داخلية ووسائل نقل وموانئ مجهَّزة للتصدير، الأمر الذي قد يساعد في تسهيل عملية نقل الهيدروجين الأخضر مستقبَلاً بين مناطق الإنتاج والاستهلاك وبين مناطق الإنتاج وموانئ التصدير.

تعتمد السعودية بأغلب مشاريع الطاقة المتجدِّدة على شركة "أكوا باور" التي تم تأسيسها عام 2004، والشركة مملوكة بنسبة 50% لصندوق الاستثمارات العامة السعودي. ويركز عمل الشركة على توليد الطاقة الكهربائية وتوزيعها، وتحلية المياه، وتطوير وبناء مشاريع الطاقة المتجدِّدة. وتُعَدّ "أكوا باور" المطوِّر والمشغِّل لمشاريع الهيدروجين الأخضر داخلياً وخارجياً، ومن الجدير بالذكر أن الشركة تستحوذ على استثمارات في منطقة الشـرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب إفريقيا ومنطقة جنوب شرق آسيا، وتبلغ قيمة مجموع استثماراتها الداخلية والخارجية 79.4 مليار دولار أمريكي[16].

2. 2 المقوِّمات الإماراتية

 العوامل البيئية والجغرافية

وكما ورد سابقاً في الإطار المفاهيمي للدراسة أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من أهم مصادر الطاقة المتجدِّدة، ويرتبط إنتاجهما بالعوامل البيئية والجغرافية، فإنه يمكننا القول: إن الإمارات تتشابه مع السعودية في العوامل البيئية والجغرافية، إلا أنها تصغرها من حيث المساحة، إذ تبلغ مساحتها 83.600 كم2، وهي أصغر بـ 12 مرة من السعودية[17]. والمساحة الواسعة قد تُميز السعودية عن الإمارات من حيث إنتاج الطاقات المتجدِّدة، لكن ذلك لا يمنع أو يعرقل قيام مشاريع الطاقة ضمن المناطق الشمسية والسواحل البحرية والمرتفعات الجبلية لدولة الإمارات.

 توفُّر الإمكانات المالية لتمويل مشاريع الطاقة المتجدِّدة

تمتلك دولة الإمارات اقتصاداً متنوعاً ومتوازناً مقارنةً بدول الخليج العربي الأخرى، فهي تعتمد على صادرات النفط بنسبة 30٪ فقط من مجموع حجم اقتصادها، إلى جانب قطاع التجارة الخارجية وإعادة التصدير اللذين يُسهمان بجزء كبير من اقتصاد البلاد، كما تعتمد الدولة على قطاع الخدمات الذي يشمل السياحة بالدرجة الأولى، وقطاع العقارات. وفي عام 2022 سجل الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات 507.53 مليار دولار[18]، ووفقاً لإحصائيات البنك الدولي لعام 2021، تستحوذ الإمارات على احتياطيات من الذهب تبلغ قيمتها 131 مليار دولار[19]، وفيما يتعلق باحتياطيات النقد الأجنبي فبحسب البنك المركزي لدولة الإمارات بلغ احتياطي الدولة 96 مليار دولار بحسب إحصائيات عام 2020. بالإضافة إلى ذلك تمتلك الإمارات ثالث أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم بقيمة 708 مليارات دولار[20]. والقوة الاقتصادية التي تتميز بها الإمارات يجعلها في مقدمة دول منطقة الشرق الأوسط من حيث التطور في قطاع الطاقة المتجدِّدة ذات التكلفة المرتفعة.

 توفُّر البِنْية التحتية

الإمارات -كما السعودية- دولة نفطية تُنتج النفط منذ عقود، وتمتلك بِنْية تحتية متطوِّرة جداً، وتستمر بالتطوُّر في مجال إنتاج النفط والغاز إلى جانب الطاقات المتجدِّدة، ويمكن تصنيف الإمارات أكثر دولة متطورة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في البِنْية التحتية لإنتاج الطاقة المتجدِّدة، وبهذا فإن الإمارات تسبق السعودية في تقنيات إنتاج الطاقة المتجدِّدة على المستوى التقني.

وتعتمد الإمارات في صناعة الطاقة المتجدِّدة على شركة "مصدر" والتي تأسست في عام 2006، وتعود ملكية "مصدر" لثلاث شركات إماراتية هي (أدنوك، ومبادلة للاستثمار، وشركة أبوظبي للطاقة). وقد ساهمت الشركة في تطوير قطاع الطاقة المتجدِّدة في الإمارات والاستثمار عالمياً. وتجدر الإشارة هنا إلى أن وجود مثل هذه الشركات ذات الخبرات والنفوذ الاقتصادي الضخم يمنح الإمارات مكاناً مهماً في سوق الطاقة الدولية المتجدِّدة.

ثالثاً: إستراتيجية السعودية والإمارات حول التوسُّع في سوق الطاقة المتجدِّدة الدولية

الدخول في السوق الدولية للطاقة المتجدِّدة ليس بالأمر الهيِّن، بل يحتاج إلى سنوات من التطوير على مستويات متعددة، كما يحتاج إلى تمويل كبير، وتوجُّه عامّ لدى القطاع الخاص والحكومي. والسعودية والإمارات كل منهما وضعت الخطط التي تتناسب مع المعايير الفنية التي تتحكم بعملية التوسُّع في إنتاج الطاقات المتجدِّدة، لكن الخطوط العريضة للدولتين فيما يرتبط بدورهما بمستقبل سوق الطاقة الدولية متشابهة وتقوم على ثلاث إستراتيجيات:

الإستراتيجية الأولى داخلياً: التوسُّع في مشاريع الطاقة المتجدِّدة داخلياً، وتحقيق مستويات متقدِّمة من الاعتماد على الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية والرياح.

الإستراتيجية الثانية خارجياً: توقيع وتوسيع الاستثمار الدولي في مجال صناعة الطاقة المتجدِّدة. 

الإستراتيجية الثالثة: تصدير الهيدروجين الأخضر مستقبلاً، هذه الإستراتيجية بعيدة المدى، ويرتبط تحققها بإنتاج كميات كبيرة من الهيدروجين الأخضر وتصديره بطريقتين، الأولى بعد ضغطه وتصديره عَبْر السفن، والثانية من خلال خطوط الأنابيب التي سيتم العمل عليها مستقبلاً.

3. 1 الإستراتيجية السعودية الداخلية والخارجية

الإستراتيجية الأولى داخلياً - تطوير البِنْية التحتية لإنتاج الطاقة المتجدِّدة

حققت السعودية في السنوات الأخيرة طفرة في مجال إنتاج الطاقة الشمسية مقارنة بالفترات قبل عام 2016، وقد خاضت المملكة في عملية تصنيع الألواح والخلايا الشمسية بعد تأسيس مصنع الألواح الشمسية في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، كما أطلقت المملكة أيضاً في عام 2021، مشروعاً لأكبر مصنع للألواح الشمسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المدينة الصناعية بمدينة تبوك[21]. وبذلك تكون السعودية قد حققت الاكتفاء الذاتي من صناعة الألواح الشمسية، وتتجه الخطط الحالية إلى التصدير خارجياً، بعدما أعلنت شركة "تكنولوجيا الصحراء" السعودية في أيار/ مايو 2022 عن توجُّه قوي لتصدير منتجاتها إلى الأسواق الخارجية[22]. ومن الجدير بالذكر أن التوسع في بناء الطاقة الشمسية هو من ضِمن "رؤية المملكة 2030" التي تتبناها القيادة الحاكمة في السعودية[23]

وفيما يتعلق بإنتاج طاقة الرياح، وضعت الحكومة السعودية الخُطَط، وأسست المشاريع للوصول إلى إنتاج 16 ميغاواط من طاقة الرياح بحلول عام 2030، ومن المتوقَّع أن تكمل السعودية في عام 2025 تركيب 2.116 ألف عنفة[24]، وهو عدد كبير ويحتاج إلى تمويل ضخم، نظراً لتكلفة بناء العنفات والتوربينات باهظة الثمن مقارنة بتكلفة بناء مزارع ألواح الطاقة الشمسية التي تنتجها السعودية محلياً، فضلاً عن ذلك فإن تكلفة صيانة عنفات الرياح والتوربينات مرتفعة لذلك القدرة المالية مهمة في بناء وتطوير الطاقات المتجدِّدة. وقد افتتحت الرياض أكبر محطة لطاقة الرياح في منطقة الشرق الأوسط، إذ تبلغ قدرتها 400 ميغاواط باستثمار 500 مليون دولار، والمحطة قادرة على إمداد 70 ألف منزل بالكهرباء[25].

وبحسب رؤية 2030 تهدف السعودية لأن تصبح أكبر منتج للهيدروجين عالمياً بإنتاج سنوي يبلغ 2.9 مليون طن من الهيدروجين، وبحسب الرؤية ستصل الكمية المُنتَجة من الهيدروجين إلى 4 ملايين طنّ سنوياً في عام 2035، وهو رقم كبير مقارنة بخطة الصين لإنتاج ما بين 100 إلى 200 ألف طن من الهيدروجين سنوياً، وخطة أوروبا لإنتاج مليون طنّ من الهيدروجين سنوياً[26]، علاوة على ذلك، تعتزم الرياض أن تصبح المورد الرئيسي للهيدروجين على المدى الطويل. ووفقاً لهذه الرؤية فقد أعلنت السعودية عن مجموعة من المشاريع الداخلية الخاصة بإنتاج الهيدروجين الأخضر وهي من أكبر المشاريع على مستوى العالم.

ووقّعت شركة "إيربرودكتس" الأمريكية وشركة "أكوا باور" السعودية اتفاقية إنتاج بقيمة 5 مليارات دولار للاعتماد على الهيدروجين الأخضر كمصدر أساسي للطاقة في مدينة "نيوم"، ويعمل المشروع بسعة 4 جيجاواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية المتجدِّدة، ومن المقرر أن يصبح المشروع جاهزاً بحلول عام 2025، حيث يهدف إلى إنتاج 650 طناً من الهيدروجين الأخضر يومياً، و1.2 مليون طن من الأمونيا الزرقاء سنوياً، إلى جانب التصدير إلى الأسواق العالمية، ليكون أكبر مشروع للهيدروجين في العالم[27]. كما يعد المشروع خُطوة متقدِّمة للسعودية لجعل مدينة "نيوم" مركزاً عالمياً مهماً للطاقة المتجدِّدة والهيدروجين الأخضر بشكل خاصّ.

ووقَّعت السعودية اتفاقية شراكة مع شركة "مصدر" الإماراتية وشركة "إي دي إف رينوبلز"، وشركة "نسما" السعودية لتأسيس محطة طاقة شمسية ضخمة لتوليد الكهرباء النظيفة، يقوم بموجبها ائتلاف الشركات الثلاث بتطوير محطة طاقة شمسية بقدرة 1100 ميغاواط في السعودية، وتوفر المحطة الكهرباء لـ 190 ألف منزل، وتُقدَّر تكلفته بنحو مليار دولار، ومن المتوقَّع أن يدخل المشروع حيِّزَ التشغيل عام 2025، كما أنه سيصبح إحدى أكبر محطات الطاقة الشمسية في موقع واحد على مستوى العالم[28]. كما وقّعت السعودية مع الشركة اليابانية في 1 مارس/ آذار 2023، مذكرة تفاهُم لوضع إطار عمل لتطوير مشروع الهيدروجين النظيف في المملكة[29].

الإستراتيجية الثانية خارجياً - الاستثمار خارجياً في مجال الطاقة المتجدِّدة

تحاول السعودية التوسُّع في الاستثمار في مجال الطاقة المتجدِّدة عَبْر شركة "أكوا باور" في العديد من بلدان العالم كإستراتيجية لحجز حصة مهمة في سوق الطاقة المتجددة، وتنتشر الاستثمارات السعودية حول دول العالم كالتالي:

- مصر، تخطط شركة "أكوا باور" لضخّ استثماراتها في مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر وتحلية المياه في مصر بعد تبنِّي الأخيرة خُططاً للتوسُّع في مشروعات الطاقة المتجدِّدة ورفع مشاركتها إلى 42% لإنتاج الكهرباء بحلول عام 2035 [30].

- أذربيجان، وقّعت السعودية في 24 أيار/ مايو 2023، مذكرة تفاهُم مع أذربيجان لتعزيز علاقات التعاون المشترك بمجالات الطاقة المختلفة، وتشمل مجال الطاقة المتجدِّدة، حيث اتفقت الدولتان على استثمار شركة "أكوا باور" في مشروع محطة طاقة الرياح في أذربيجان، والتي بلغت تكلفتها 290 مليون دولار وبقدرة 240 ميغاواط، وتتضمن الاتفاقية التعاون في تطوير شركة "أكوا باور" لنظام تخزين البطاريات، إلى جانب اتفاقيات لتنفيذ محطتين لطاقة الرياح؛ الأُولى برية بسعة 1 غيغاواط، والثانية بحرية بسعة 1.5 غيغاواط.

- المغرب، تستثمر السعودية بخمسة مشاريع في إنتاج الطاقة المتجدِّدة الشمسية في المغرب والتي تُعَدّ من أبرز الدول في إنتاج الطاقة الشمسية في قارة إفريقيا.

- أوزبكستان، عقدت شركة "أكوا باور" اتفاقيات مع أوزبكستان لتطوير ثلاثة مشاريع للطاقة المتجدِّدة، وتسليمها للعمل في عام 2035.  

- الإمارات: تستثمر السعودية في مشروعين للطاقة المتجدِّدة في الإمارات.

3. 2 الإستراتيجية الإماراتية الداخلية والخارجية

الإستراتيجية الأولى داخلياً - تطوير البِنْية التحتية لإنتاج الطاقة المتجدِّدة

أعلنت الإمارات العربية المتحدة في عام 2017 عن إستراتيجية الطاقة 2050 والتي ترتكز على تعزيز ورفع حصة الطاقة النظيفة من إجمالي استهلاك الطاقة من 25% في الوقت الحالي إلى 50% بحلول عام 2050، والاعتماد على الطاقة النظيفة لتوليد الكهرباء بنسبة 70%، مما يوفر على الحكومة 190 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2050 [31].

وفيما يتعلق بمجال الطاقة الشمسية فقد طوَّرت الإمارات أكبر 3 محطات مستقلة في العالم:

المحطة الأولى، محطة "نور أبو ظبي" التي بدأت عملياتها التشغيلية في عام 2019 بإنتاج نحو 1 غيغاواط من الكهرباء[32].

المحطة الثانية، مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، والذي ستبلغ قدرته الإنتاجية 5 آلاف ميغاواط بحلول عام 2030، باستثمارات إجمالية تصل إلى 50 مليار درهم. وتبلغ قدرة مشاريع الطاقة الشمسية التي تمّ تشغيلها في المجمع 1.627 غيغاواط، بتقنية الألواح الشمسية الكهروضوئية.

المحطة الثالثة محطة الظفرة للطاقة الشمسية التي تعمل الإمارات على تأسيسها بسعة إنتاج 1.5 غيغاواط، ومن المتوقع أن تدخل محطة الظفرة للطاقة الشمسية في أبو ظبي حيِّز التشغيل الكامل خلال العام الجاري 2023، وستكون واحدة من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم، وبسعة إنتاج تبلغ 2.1 غيغاواط[33]. ووقّعت شركة أدنوك الحكومية اتفاقية تعاوُن إستراتيجية مع شركتَيْ "جون كوكريل للهيدروجين" و"ستراتا للتصنيع"، بهدف تصنيع "محلل كهربائي" لإنتاج الهيدروجين في الإمارات. ويُستعمل المحلل الكهربائي في إنتاج الهيدروجين الأخضر بالاعتماد على الطاقة المتجدِّدة. وبذلك وصل عدد مشروعات الطاقة المتجدِّدة في الإمارات -المُنجَزة والجاري إنشاؤها- إلى 11 مشروعاً لغاية عام 2022، وبقيمة 43.30 مليار دولار[34].

الإستراتيجية الثانية خارجياً - الاستثمار خارجياً في مجال الطاقة المتجدِّدة

على مستوى الاستثمارات الخارجية في مجال الطاقة المتجدِّدة شهدت الإمارات توسُّعاً وانتشاراً أكثر من السعودية، ويرجع ذلك لجهود شركة أبو ظبي لطاقة المستقبل "مصدر" والتي تُعَدّ واحدة من أسرع شركات الطاقة المتجدِّدة نمواً في العالم، إذ تنشط حالياً في أكثر من 40 دولة موزَّعة في ست قارات.

وفي ذات السياق شهد عام 2022 تدشين شركة "مصدر" لعدد من مشروعات الطاقة المتجدِّدة وتوقيع اتفاقيات لتطوير مشاريع مستقبلية في العديد من الدول مثل مصر وتركمانستان والأردن وأذربيجان وكازاخستان وأوزبكستان وإندونيسيا وقيرغستان وغيرها[35]، ومن أبرز المشاريع التي أعلنت عنها الإمارات في الفترة الأخيرة في شهر يناير/ كانون الثاني 2023 هي شراكتها مع الولايات المتحدة حول إطلاق المرحلة الأولى للشراكة الإستراتيجية بين الجانبين، لاستثمار 100 مليار دولار لتنفيذ مشروعات للطاقة النظيفة في مختلف أنحاء العالم. واشتملت المرحلة الأولى على تخصيص 20 مليار دولار لتمويل مشاريع تبلغ طاقتها الإنتاجية 15 غيغاواط في الولايات المتحدة قبل عام 2035 [36].

رابعاً: أهداف السعودية والإمارات من التحوُّل إلى إنتاج الطاقة المتجدِّدة - الهيدروجين الأخضر

 التمسُّك بالسوق الدولية للطاقة

كما أسلفنا القول في بداية التقرير إن العديد من دول العالم تسعى لتخفيض استهلاك الوقود الأحفوري (النفط، الفحم) بشكل تدريجي مقابل الاعتماد أكثر على مصادر الطاقة المتجدِّدة لأسباب اقتصادية وبيئية، فقد تصدرت دول الاتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة الأمريكية قائمة الدول الأكثر استثماراً في تمويل مشاريع إنتاج الطاقة المتجدِّدة، ولا يخفى أن هذا التوجُّه إذا استمر فسيؤدي بطبيعة الحال في المستقبل إلى انخفاض الطلب على النفط، وبهذا فإن صادرات الإمارات والسعودية النفطية ستنخفض، والأخيرة ستكون نسبة ضَرَرِها أكبر بسبب اعتمادها على النفط بشكل كبير في تمويل خزينة الدولة، وانطلاقاً من ذلك أطلقت الدولتان الخُطَط والمشاريع الضخمة الخاصة بالاستهلاك والإنتاج والتصدير والاستثمار بالطاقات المتجدِّدة مستغلين حجم الإمكانيات العالية التي تتمتعان بها. ويُوحي حجم المشاريع المتخصصة في إنتاج الطاقة المتجدِّدة في الدولتين بأنهما ستكونان جزءاً مهماً من سوق الطاقة الدولية المتجدِّدة لا سيما الهيدروجين الأخضر.

 التحوُّل إلى استهلاك الطاقة النظيفة وتخفيض استهلاك النفط

تستهلك كل من السعودية والإمارات يومياً الملايين من براميل النفط لتغطية حاجة الاستهلاك، فالسعودية تستهلك يومياً ما لا يقل عن أربعة ملايين برميل، وهي كمية كبيرة، ويعود ذلك لاستخدامها مشتقات النفط في توليد الكهرباء وفي تحلية المياه المالحة، فضلاً عن الوقود المستخدم في وسائل النقل، فيما تستهلك الإمارات يومياً ما لا يقل عن 1 مليون برميل. وقد أصبح جليّاً أن استخدام مشتقات النفط بكميات كبيرة يضع الدولتين أمام تحدِّييْنِ:

الأول: ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون، الذي يتسبب في ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة.

الثاني: تكليف الدولة عشرات المليارات سنوياً.

وبذلك يُشكِّل استخدام الطاقة المتجدِّدة نقلة نوعية في تخفيض استهلاك النفط ضِمن نطاق الدولتين، مما يسمح لهما بضخّ كميات أكبر من النفط للسوق الدولية لتوفير الموارد المالية اللازمة للتوسُّع في مشاريع الطاقة المتجدِّدة.

تحقيق نموّ وتنوُّع اقتصادي

تحاول دول الخليج بشكل عامّ -والسعودية بشكل خاصّ- تحقيق تنوُّع في اقتصادها بدلاً من الاعتماد على النفط بشكل كبير في ميزانية الدولة. ومما لا شَكّ فيه أن تطوير السعودية للبِنْية التحتية لإنتاج الطاقة المتجدِّدة سيساهم على المستوى الداخلي في تخفيض تكاليف إنتاج الطاقة التي تبلغ 4 ملايين برميل نفط يومياً، أما على المستوى الخارجي فالتوسُّع في الاستثمار بمشاريع الطاقة المتجدِّدة في العالم سيعود على الدولة بإيرادات مالية سنوية، وينطبق ذلك على الإمارات التي تسبق السعودية في مجال الاستثمار في الطاقة المتجدِّدة على المستوييْنِ الداخلي والخارجي.

الحفاظ على النفوذ في سوق الطاقة الدولية

تستحوذ كل من السعودية والإمارات على نفوذ مؤثِّر وكبير في السوق الدولية للنفط الذي يُصنَّف من أهمّ الأدوات السياسية والاقتصادية عالمياً، إلا أنه إذا استمر الزخم العالمي في التحوُّل نحو الطاقة المتجدِّدة سيتراجع نفوذ وتأثير الدولتين سياسياً واقتصادياً بشكل متفاوت بين الدولتين. وتُوحي منهجية وخُطط الدولتين التي تم طرحها في التقرير عن مواكبتهما لسوق الطاقة الدولية بالانتقال إلى الاستثمار في الطاقة المتجدِّدة وتوظيف البِنْية التحتية الضخمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره إلى الأسواق الدولية، بهدف الحفاظ على النفوذ في سوق الطاقة الدولية مستقبلاً من خلال الاستحواذ على استثمارات وتصدير نسب كبيرة من الهيدروجين الأخضر إلى السوق الدولية.

خاتمة

في هذا التقرير سلَّطْنا الضوء على واقع كل من الإمارات والسعودية ومستقبلهما في مجال الطاقة المتجدِّدة بالاستناد إلى المفاهيم العلمية لموارد الطاقة المتجدِّدة وإمكانات الدولتين والخُطط والمشاريع القائمة والمستقبلية التي أعلنوا عنها.

وتسعى كِلتا الدولتين لمواكبة تطوُّرات تكنولوجيا سوق الطاقة الدولية ومتطلباتها، ففي الوقت الذي تُصنَّف كِلتا الدولتين على أنها من أكثر الدول تأثيراً في ميزان العرض والطلب في السوق الدولية للنفط، تحاولان أيضاً الحفاظ على نفس الدور من حيث التأثير والقوة في سوق الطاقة المستقبلية (الهيدروجين الأخضر)، وذلك عَبْر استغلال المقومات التي تمتلكها الدولتان من المساحة الشاسعة، والطبيعة الجغرافية إضافة للقوة المالية. ووصلت الدولتان لمراحل متقدمة جداً في إنتاج الهيدروجين الأخضر عَبْر بناء العديد من المشاريع المتعلقة بالطاقة المتجدِّدة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

وفي ضوء ذلك سَعَتْ كل من السعودية والإمارات إلى رفع إنتاج الطاقة المتجدِّدة وتوسيعه في الفترة الأخيرة في إطار مواجهة تنامي الطلب على الطاقة، وارتفاع مستويات الانبعاثات الكربونية، فضلاً عن تعرُّض اقتصاداتهم لصعوبات بسبب التقلُّبات المستمرة في أسعار الموادّ الخام، فضلاً عن هدفهما بالمحافظة على أهميتهما الجيوستراتيجية، والتي تكسبهما أهمية على الساحة الدولية باعتبارهما مصدراً أساسياً لمصادر الطاقة المتنوعة.

وفي النتيجة ستبقى موارد الطاقة الأحفورية (النفط والغاز) المصدر الأساسي للاستهلاك العالمي في السنوات القادمة، وتخفيض الاعتماد عليهما يحتاج لسنوات قد تمتدّ إلى أكثر من 20 سنة، وقد يكون من الصعب الوصول إلى حياد كربوني صفريّ على المدى المتوسط والطويل، إلا أن الاعتماد على النفط من المتوقَّع أن ينخفض بشكل كبير على المدى المتوسط والطويل مقابل التوسُّع في استخدام الطاقة المتجدِّدة إلى جانب الغاز الذي يُعَدّ شِبه صديق للبيئة مقارنةً بالنفط والفحم، لذلك قد نشهد انطلاقة سعودية فيما يخصّ تطوير البِنْية التحتية لإنتاج الغاز إلى جانب الطاقة المتجدِّدة، وقد سبقت الإمارات السعودية في هذا الجانب وتستعدّ لتصدير الغاز في عام 2025 بكميات كبيرة.

وفي الختام من المتوقَّع أن تستحوذ منطقة الخليج العربي وشمال إفريقيا على جزء كبير من سوق الطاقة الدولية المتجدِّدة مستقبلاً، وعلى رأسها السعودية والإمارات اللتان انطلقتا بشكل واسع في تطوير البِنْية التحتية لإنتاج الطاقة المتجدِّدة مستغلتين كافة الإمكانيات المتاحة، وانطلاقاً من ذلك من المتوقَّع أن تحافظ كِلا الدولتين على النفوذ السياسي والاقتصادي في سوق الطاقة الدولية المتجدِّدة المستقبلية.

 

يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)


الهوامش:

[1] Marta Moses, Types of renewable energy, 2 July 2020, link.

[2] Meredith Annex, Renewable Energy Investment Hits record-breaking $358 billion in 1H 2023 (2023), BloombergNEF, 21 August  2023, link.

[3] Statistical review of world energy, energy Institute,link.

[4] Josh Hurst, what is Solar Energy & How Does It Work? 2023, EcoWatch,link.

[5] About wind power، ACWA POWER, link.

[6] What is renewable energy? United Nations,link.

[7] الهيدروجين في مزيج الطاقة. 10 تساؤُلات عن أنواعه واستخداماته وأهميته، منصّة الطاقة، 23 آذار/ مارس 2023، الرابط.

[8] المرجع السابق

[9] ناصر ياسر، بالأرقام تكلفة نقل الهيدروجين صادمة.. وهذه تفاصيل أول دراسة من نوعها، منصّة الطاقة، تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، الرابط.

[10] مجموعة تتألف من 90 شركة موزِّعة للغاز من 17 دولة أوروبية.

[11] Biogradlija, A. "Transition to hydrogen through gas distribution networks saves €41B," Green Hydrogen New, 2022, link.

[12] نصر ياسر، خط أنابيب غالسي، مشروع الجزائر لتصدير الهيدروجين إلى أوروبا، منصّة الطاقة، كانون الأول/ ديسمبر 2022، الرابط.

[13] التنمية المستدامة طريقنا لبناء مستقبل أفضل المستقبل الأخضر. 2023، الرابط.

[14] المصدر السابق.

[15] إجمالي الناتج المحلي (القيمة الحالية بالدولار الأمريكي)، البنك الدولي،الرابط.

[16] Introduction, ACWA POWER, link.

[17] النُّظُم البيئية في الدولة، البوابة الرسمية لحكومة الإمارات العربية المتحدة، الرابط.

[18] World Bank Open Data, link.

[19] Bevis John ve Prekshi Hana ve Yunzan Nishant, World Bank Open Data, Retrieved January 16,

2023, link.

[20] Central Intelligence Agency, United Arab Emirates,link.

[21] السعودية تبدأ في إنتاج ألواح شمسية في أكبر مصنع بالشرق الأوسط، العربية، 18 تشرين الثاني/ نوفمبر، الرابط..

[22]  أحمد بدر، ألواح الطاقة الشمسية في السعودية.. أفضل الأنواع والأسعار (تقرير) منصّة الطاقة. تشرين الأول/ أكتوبر 2022،الرابط.

[23] الطاقة والاستدامة، رؤية السعودية 2030، البيئة والطبيعة، الرابط.

[24] أحمد عبد الله، لإنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة المتجدِّدة السعودية تعزز موقعها في عالم الطاقة النظيفة بـ 5 مشروعات، الجزيرة نت، تشرين الأول - أكتوبر 2022،الرابط.

[25] بدء توليد الكهرباء من أول محطة لطاقة الرياح في السعودية. العربية، 8 آب/ أغسطس 2021، الرابط.

[26] الهيدروجين.. سباق عربي بمشروعات عملاقة، منصّة الطاقة، 28 كانون الأول/ ديسمبر، الرابط.

[27] أومود شوكري - ترجمة: نوار صبح، إنتاج الهيدروجين في السعودية يستعدّ للريادة الإقليمية، منصّة الطاقة، 8 كانون الثاني/ يناير 2023، الرابط..

[28]  ائتلاف "مصدر" و"إي دي أف رينوبلز" و"نسما" يفوز بعطاء تطوير مشروع طاقة شمسية بقدرة 1100 ميجاواط في المملكة العربية السعودية، مصدر،الرابط.

[29] إنتاج الهيدروجين النظيف في السعودية يحظى بدعم ياباني جديد، منصّة الطاقة، 2 آذار/ مارس، الرابط.

[30] Business and economic news Investing.com,link.

[31] Our strategy, Ministry of Energy and Infrastructure in UAE,link.

[32] Noor Abu Dhabi, Emirates Water and Electricity Company (EWEC),link.

[33] محطة الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية، EWEC،الرابط.

[34] إنتاج الهيدروجين في الإمارات ينتعش باتفاقية تصنيع المحلل الكهربائي، منصة الطاقة، 1 حزيران/ يونيو 2023، الرابط.

[35] المرجع السابق.

[36] الإمارات وأمريكا توقعان "شراكة إستراتيجية" بـ 100 مليار دولار للاستثمار في الطاقة النظيفة، "سي إن إن عربية"، 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، الرابط.

 

logo

مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية، مركز دراسات وتفكير، تأسس في لندن مطلع يناير 2020، بفريق من الباحثين والخبراء المختصِّين من مجموعة واسعة من دول منطقة الشرق الأوسط.

اتصل بنا

  • 00442036758971
  • info@dimensionscenter.net
  • Dimensions, The Mille, 1st floor, 1000 Great West Road, Brentford, TW8 9DW, GB
© 2024 مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية، جميع الحقوق محفوظة.
Powered with
by
lazemni.com