مبادرة "الرباعية الدولية" حول السودان وفرص نجاحها في ظلّ التصعيد الميداني

مبادرة "الرباعية الدولية" حول السودان وفرص نجاحها في ظلّ التصعيد الميداني

2025-11-06
204 مشاهدة
Download PDF

مقدمة  

في ظلّ وَقْع استمرار الحرب بين قوات الجيش والدعم السريع  في السودان، سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر أواخر أكتوبر 2025، بعد حصار استمر قُرابة عام ونصف، ليكون سقوطها بيد الدعم السريع هو التطوُّر الميداني الأبرز في الحرب السودانية منذ سيطرة الجيش على كامل العاصمة الخرطوم في مايو من العام ذاته.  

بالتوازي مع المواجهات التي أفضت إلى سقوط الفاشر، عقدت المجموعة الرباعية التي تضمّ الولايات المتحدة و السعودية والإمارات ومصر جولتها التفاوضية مع وفدَي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 24 أكتوبر 2025 في واشنطن لمناقشة المبادرة المتكاملة لحلّ الأزمة السودانية، التي تدعو إلى وضع آلية عملية لوقف إطلاق النار وبناء مفاوضات سياسية داخلية تُفضي إلى الحكم المدني التوافقي.  

وبالرغم من أن مبادرة "الرباعية الدولية" شكلت ديناميكية جديدة لا يمكن تجاهلها في رسم مستقبل الحلّ السياسي والجهود الرامية لوقف الحرب المستمرة منذ منتصف إبريل 2023، فإنه من المرجَّح أن يعترض نجاحها حالة التصدع السياسي والقبلي والصراع العسكري العنيف داخل السودان. لذا يحاول التقرير الإجابة على سؤال رئيسي مفاده: ما سيناريوهات حلّ الأزمة السودانية في ظلّ مفاوضات مبادرة "الرباعية الدولية" في واشنطن؟  

أولاً سياق مبادرة الرباعية الدولية لإنهاء الحرب في السودان:  

بدعم من هيئة الأمم المتحدة ومنظمة الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (الإيغاد)، أصدر وزراء خارجية المجموعة الرباعية بياناً في 11 سبتمبر 2025 لإنهاء الحرب في السودان، مما يمنح البيان قيمة دبلوماسية بصفته وثيقة مرجعية أساسية لا يمكن تجاهلها، بما تضمنه من التمسك المبدئي الثابت بوحدة الدولة السودانية واستقلاليتها وسيادتها، ورفض أي حلّ عسكري والعمل على إيجاد حلّ سياسي لهذه الأزمة.  

أيضاً دعا البيان إلى هدنة ثلاثة أشهر بين مختلف الفرقاء من أجل توفير المساعدات الإنسانية العاجلة للمتضررين من السكان المدنيين، على أن يتم إطلاق عملية انتقال سياسي سلمي للسلطة لمدة تسعة أشهر تُفضي إلى قيام حكومة مدنية شرعية تحصل على ثقة المواطنين السودانيين [1] .  

وتعكس الجولة الجديدة من مفاوضات المجموعة الرباعية محاولة القُوى الإقليمية والدولية وقف التصعيد العسكري الراهن والعودة للمسار السياسي، في ظلّ ارتفاع منسوب التوتُّر على صدى المواجهات في دارفور وكردفان، وتحديداً في الفاشر والأبيض.  

من جهة أخرى، يتفاقم سُوء الأوضاع الإنسانية في السودان، فوَفْقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يواجه السودان واحدة من أشدّ حالات الطوارئ في العالم، حيث يحتاج أكثر من 30 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية، بما في ذلك أكثر من 9,6 مليون نازح داخلياً وحوالَيْ 15 مليون طفل. بينما عاد حوالَيْ 2,6 مليون شخص إلى ديارهم مع تراجُع حِدّة القتال في الخرطوم وأجزاء أخرى من البلاد، يجد الكثيرون منازلهم وأحياءهم متضررة أو مدمرة ويفتقرون إلى الخدمات الأساسية.  

ازدادت الأوضاع الإنسانية والميدانية سوءاً بعد سيطرة الدعم السريع على الفاشر، مما دفع الآلاف من السكان لمغادرة المدينة التي باتت تُصنَّف ضِمن المناطق المنكوبة.  

بيان الرباعية، واحتضان واشنطن لجولة مباحثات للدول الراعية للمسار، يشير إلى اهتمام إدارة ترامب بالملف السوداني، حيث تم تكليف مستشار ترامب للشؤون الإفريقية مسعد بولس بإجراء حوارات مع الأطراف اليمنية، والدول الفاعلة من أجل صياغة خريطة طريق للحلّ، ويبدو أن التركيز الأمريكي على السودان سيزداد مع دخول اتفاق غزة في فلسطين حيِّز التنفيذ، في ظلّ عدم إخفاء إدارة ترامب رغبتها بإنهاء الصراعات في المنطقة للتفرُّغ لأولويات أخرى [2] .  

يُبدي المجتمع الدولي و"الرباعية الدولية" اهتماماً متزايداً باستقرار السودان، حيث إن استمراره في حالة الفوضى يُشكِّل تهديدًا مباشراً لأمن منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر. كما لا يمكن عزل اهتمام واشنطن بالأزمة السودانية بمعزل عن الماراثون "الأمريكي - الصيني" للحصول على الموارد والنفوذ.  

ثانيا ً إمكانات نجاح مبادرة "الرباعية الدولية" لحلّ الأزمة السودانية:  

بالرغم من أن القبول بمرجعية "الرباعية الدولية" قد يمثل أساساً لحلّ الأزمة السودانية، فإن هناك العديد من العوامل التي تحدّ من إمكاناتها، تتمثل فيما يَلِي:  

العامل الأول: موقف مجلس السيادة    

أعلن رئيس مجلس "السيادة" أنه لن يُفرض على المجلس سلام أو حكومة أو شخص رفضه الشعب في 18 أكتوبر 2025، على الرغم من القبول بمرجعية "الرباعية الدولية" خلال لقائه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة [3] ، أي رفض التفاوض بمنطق خطوط السيطرة بين قوتين متحاربتين، وإنما بمنطق الدولة التي نجحت في استعادة السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد والقضاء على ميليشيا متمردة.  

وهو ما يهدف لإعادة ترتيب الملفين الأمني والعسكري كأولوية قُصوى لنجاح أيّ انتقال سياسي، على أساس دمج وتسريع الميليشيات والحركات المسلحة وتجميع عناصرها في مواقع عسكرية تابعة للجيش الوطني. وإقصاء الحكومة الموازية "تأسيس" غير المعترَف بها من أي ترتيبات أو مقترحات ذات صلة بتسوية الأزمة السودانية، وهو ما أعربت عنه الأمانة التنفيذية لمؤتمر دول البحيرات العظمى بأن ذلك يُشكِّل تطوُّراً خَطِراً يتحدى سيادة السودان ويهدد سلامة ووحدة أراضيه وقد يعوق الجهود الإقليمية والدولية الجارية نحو السلام والحوار [4] ، وأكده وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي برفض بلاده لأي دعوات تشكيل أُطُر موازية للإطار القائم في السودان [5] .  

يتمسَّك مجلس "السيادة" بالإشراف على العملية السياسية بالرغم من أن بيان "المبادرة الرباعية" نصّ على أن مستقبل حكم السودان لا يخضع لسيطرة أيّ طرف متحارب. مع رفض عودة عبد الله حمدوك رئيس تحالف "صمود" المدني في المشهد السياسي، في ضوء عدم الثقة به؛ إذ يمثل تكراراً لنموذج "ائتلاف الحرية والتغيير" الذي دفع البلاد لحالة الاقتتال الحالية في ضوء تمسُّكه بالاتفاق الإطاري مدعوماً بأطراف إقليمية ودولية [6] .  

العامل الثاني: الأوضاع الميدانية    

على الرغم من بيان الرباعية الدولية وجهود الوساطة، لكن لم ينتج عن الحراك وقف المواجهات الميدانية، حيث تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على الفاشر في 25 أكتوبر 2025، كما كثف الجيش السوداني من هجماته في كردفان لتعزيز موقفه العسكري، ومن المحتمل أن تؤثر هذه المواجهات على المسار السياسي.  

العامل الثالث: المخاوف من الهيمنة الخارجية    
قد تخشى بعض القُوى السياسية السودانية من أن تؤدي تسوية "الرباعية الدولية" إلى إعادة إنتاج نموذج الهيمنة الدولية أو المصالح الإقليمية مما يقوض وحدة الصفّ السوداني. وهو ما عكسه اتهام المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية تامي بروس الجيش السوداني باستخدام أسلحة كيميائية خلال حربه مع  قوات الدعم السريع [7] . من جانبها، وصفت الحكومة السودانية الادعاءات الأمريكية بـ "الكاذبة" معتبراً أنها استهدفت الجيش السوداني مجدداً بعد إنجازات ميدانية غيرت واقع المعركة، وبعد تعيين رئيس للوزراء [8] . بَيْدَ أن القرار الأمريكي له دوافع سياسية تتمثل في محاولة للضغط على الحكومة حتى تتجه للمفاوضات والتسوية السلمية، خاصة بعد عزوف رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان عن المشاركة في مفاوضات سويسرا سبتمبر 2024.  

ثالثاً سيناريوهات حلّ الأزمة السودانية في ظلّ مسار "الرباعية الدولية":  

كسرت تحرُّكات "المجموعة الرباعية" في واشنطن الجمود في العملية السياسية، وفي خُطوة تهدف إلى بَلْوَرة رؤية وطنية مشتركة، أعلنت 29 من المكونات السياسية والعسكرية المسانِدة للجيش عن بيانها الختامي في 20 أكتوبر 2025 بمدينة  بورتسودان ، عن توافُقها على مشروع وطني للحوار السياسي والتحول الديمقراطي. مؤكداً على ضرورة تهيئة المناخ السياسي لضمان نجاح الحوار، بما يشمل تشكيل لجنة للتواصل السياسي بين مختلف الأطراف، وأن الرؤية الوطنية للسلام والتحوُّل الديمقراطي التي تم التوافق عليها تظلّ مفتوحة أمام جميع القوى السياسية، داعياً كافة المكونات الوطنية إلى الانضمام والمشاركة الفاعلة [9] .  

لذا ثَمة ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل الأوضاع في السودان:  

السيناريو الأول : فشل التسوية واستمرار الحرب، خاصة مع غياب الثقة بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتصدُّع القوى المدنية، واستمرار النزاعات القبلية والإثنية، في ضوء عدم وجود أدوات دولية وإقليمية ضاغطة على طرفَي الصراع، ما سيقود تدريجياً إلى تآكُل مؤسسات الدولة، وربما بروز مراكز نفوذ متصارعة تتقاسم الجغرافيا والثروة، بما يحول السودان إلى ساحة مفتوحة لتنافُس القوى الخارجية، في إعادة إنتاج نموذج ليبيا أو الصومال [10] .  

السيناريو الثاني : تحقيق التوازن بين الضغوط الدولية والمصالح الوطنية، وتمثل "المبادرة الرباعية" إطاراً عملياً لهذا الاتجاه، متوقفاً على إعطاء الأطراف المحلية حوافز واقعية لوقف القتال وتوسيع المشاركة لتشمل الاتحاد الإفريقي و"إيغاد" لضمان شرعية إقليمية متوازنة. لكن يظلّ هشّاً أمام أيّ تصعيد عسكري مفاجئ أو تدخُّل خارجي غير منضبط.  

السيناريو الثالث : فرض تسوية تُبنى على توافُق داخلي بين المكونات العسكرية والمدنية والقَبَلية السودانية، وما يترتب عليها من قيام نظام سياسي جديد يعيد تعريف الدولة الوطنية، فيما يتوقف ذلك على نضوج طبقة سياسية جديدة تتجاوز منطق الغلبة إلى منطق العقد الاجتماعي، وتؤسس لشرعية مدنية حقيقية.  

الخُلاصة  

ولدت مبادرة "المجموعة الرباعية" قوة دفع أساسية للحلّ السلمي الداخلي في السودان، إذ تضمّ دولاً ذات ثِقَل دولي، ويستطيع السودان الاستفادة من وزنها للحصول على أفضل معادلة للسلام تضمن شراكات منتِجة تساعد في إعادة بناء الدولة وضمان مستقبل أفضل للشعب السوداني.ما سبق مرهون باستعداد الفاعلين السودانيين لقبول صيغة توازُن بين الضمانات الدولية والمصالحة الوطنية، وهو ما يتطلب أن تستند "الرباعية الدولية" إلى شراكة وطنية حقيقية تعيد بناء الثقة بين المكونات السودانية، متجاوزاً المُقارَبات الجزئية والتي اكتفت بترتيبات سياسية أو أمنية مؤقتة؛ لأن البديل الوحيد هو تحويل السودان إلى جغرافيا للصراع المفتوح.  

   

 

[1] "نص البيان المشترك الصادر عن المجموعة الرباعية حول السودان"، السودان نيوز، 13 سبتمبر 2025.  

https://www.sudanakhbar.com/1693483  

[2] تحرُّك أمريكي لإنهاء حرب السودان، وكالة الأناضول، 27 أكتوبر 2025،      https://n9.cl/vvrpr4  

[3] "البرهان يتحدى "الرباعية" ويضع شروطاً للتفاوض لإنهاء الحرب"، السودان تريبيون، 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2025.  

https://sudantribune.net/article/306138  

[4] جمال عبد القادر، "الرفض الإقليمي والدولي يهدد مصير الحكومة الموازية بالسودان"، إندبندنت عربية، 6 آذار/ مارس 2025.  

https://2u.pw/uEBebD  

[5] أحمد إمبابي، ""حكومة موازية في السودان"... ما الموقف المصري؟"، جريدة الشرق الأوسط، 21 شباط/ فبراير 2025.  

[6] ضياء نوح، "فرص نجاح "الرباعية" في إنهاء الأزمة السودانية"، القاهرة الإخبارية، 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2025.  

https://2u.pw/gF2VqU  

[7] Simon Lewis and  Daphne Psaledakis , "US to impose sanctions on Sudan after finding government used chemical weapons", Reuters, 23 May 2025.  

https://www.reuters.com/world/africa/us-imposes-sanctions-sudan-over-chemical-weapons-use-2025-05-22/  

[8] "السودان يستنكر الاتهامات الأمريكية والجيش يستعيد السيطرة على "الدبيبات""، جريدة الأهرام، ع 50573، 24 أيار/ مايو 2025.  

[9] "سعي في السودان للتوافق الداخلي ورفض الحلول الخارجية"، الجزيرة نت، 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2025.  

https://2u.pw/tTYnWd  

[10] منى عبد الفتاح، "إنهاء حرب السودان.. رهن تقارب الممكن والمستحيل"، إندبندنت عربية، 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2025.  

https://2u.pw/NTl7kd