منح الثقة لحكومة الكاظمي

منح الثقة لحكومة الكاظمي

2020-06-08
4399 مشاهدة

تمهيد

صوّت البرلمان العراقي فجر الخميس 07/05/2020 على منح الثقة لحكومة رئيس المخابرات مصطفى الكاظمي، بعد خمسة أشهر من أزمة حكومية بدأت باستقالة عادل عبد المهدي تحت ضغط الحراك الشعبي وبضغط غير معلن من المرجعية الشيعية. ومنذ استقالة الأخير، دخلت الكتل الشيعية في جولات عديدة من المفاوضات وتداولت الكثير من الأسماء، وكان الكاظمي حاضراً في معظمها.

وكان محمد توفيق علاوي وزير الاتصالات السابق أول من وقع عليه اختيار هذه الكتل لتكليفه بتشكيل الحكومة، لكنه فشل في حشد الدعم الكافي من سائر الكتل البرلمانية. وبعد اعتذاره ومع ضغط المهلة الدستورية لم تتمكن القوى الشيعية من تسمية مرشحها الجديد، ليقوم رئيس الجمهورية برهم صالح بممارسة صلاحياته وتسمية عدنان الزرفي محافظ النجف السابق، باعتباره أحد الأسماء التي كانت الكتل الشيعية تتفاوض لاختيار أحدها. وكسابقه، فشل الزرفي في حشد الدعم الكافي لتمرير حكومته، بالتزامن مع معارضة تكليفه بشدة من قبل كتلة الفتح بزعامة هادي العامري، ثاني كبرى الكتل البرلمانية.

وباعتذار الزرفي، فتح الباب على مصراعيه أمام الكاظمي، وجرى تكليفه وسط ما يشبه الإجماع بين القوى السياسية على شخصه، لكن عملية تشكيل الحكومة واختيار الوزراء والمحاصصات التي أصرت عليها الأحزاب شكلت عقبات في طريقه تمكن من التغلب على أكثرها في نهاية المطاف، وتحييد بعضها جانباً.

أولاً: تشكيلة الحكومة

منح البرلمان الثقة لرئيس الوزراء ومعه 15 وزيراً، فيما رفض منح الثقة لخمسة وزراء آخرين. ولم يُقدّم الكاظمي أصلاً مرشحين لوزارتي النفط والخارجية.

وقد قام الكاظمي بتقديم وزارته دون مرشحين لهاتين الوزارتين لأن مفاوضاته مع الأطراف المختلفة، وخاصة مع الأكراد والكتل الشيعية وصلت إلى طريق مسدود، وبالتالي فإنّه اختار أن يتقدم بتشكيلته المكتملة، حتى يحصل على الثقة (والتي يحصل عليها إن مرّ نصف أعضاء الوزارة على الأقل في البرلمان)، ليصبح بعدها رئيس وزراء على رأس عمله، ويبدأ بممارسة مهامه ريثما يعمل على استكمال بقية المناصب.

ويلاحظ أن غالبية الوزراء الذين تضمنتهم التشكيلة التي عرضها الكاظمي على البرلمان اختصاصيون جاؤوا من خلفيات أكاديمية أو مهنية أو بيروقراطية متصلة باختصاص وزاراتهم، بحسب سيرهم الذاتية التي نشرها الإعلام المحلي والتي تضمنها المنهاج الوزاري.

chart1-1
 

ثانياً: جلسة منح الثقة

أ. ملابسات عقد الجلسة

دعا رئيس البرلمان محمد الحلبوسي النواب للحضور إلى مقر المجلس في الساعة التاسعة مساء لعقد الجلسة، لكنها تأخرت أكثر من 3 ساعات عن موعدها بسبب تأخر حضور العدد اللازم لاكتمال نصاب عقد الجلسة، وأيضاً بسبب اعتراضات برزت من بعض القوى السياسية في اللحظات الأخيرة، حيث انسحب بعضها من قاعة الجلسات لوجود معترضين على بعض الوزراء.

ورغم ذلك، أجرى الكاظمي والكتل السياسية المعترضة مفاوضات حتى اللحظات الأخيرة، بهدف ضمان تمرير الحكومة، وتم على إثر هذه المفاوضات تغيير مرشحي وزارات العمل والزراعة والعدل.

وبرز لبعض الوقت احتمال تأجيل الجلسة إلى اليوم التالي بسبب الخشية من عدم اكتمال النصاب، لكن الكاظمي تمكن في النهاية من حسم الموقف لصالحه.

شارك في التصويت 255 نائباً من أصل 329، وصوت أغلب الحاضرون بالثقة على 15 وزيرا من أصل 20 قدمهم الكاظمي، وتم الاتفاق على التصويت على مرشحي وزارتي الخارجية والنفط، والمرشحين البدلاء للوزارات التي لم يحصل وزراءها على الثقة.

ب. مواقف أعضاء المجلس

حصلت الحكومة على موافقة البرلمان برفع الأيدي في جلسة علنية. حيث حصلت الحكومة على الثقة من كتل: سائرون (مقتدى الصدر)، والنصر (حيدر العبادي)، وتحالف القوى العراقية (الحلبوسي)، والحزب الديمقراطي الكردستاني (بارزاني)، وتيار الحكمة (الحكيم)، والحزب الوطني الكردستاني (طالباني).

فيما حجبت الثقة كتل: ائتلاف الوطنية (إياد علاوي)، وحزب الحل (محمد الكربولي)، والقرار العراقي (أسامة النجيفي)، والجبهة التركمانية.

وقاطعت كتلة دولة القانون (نوري المالكي) التصويت، وقامت كتلة الفتح (هادي العامري) بمنح الثقة لبعض الوزراء وحجبها عن البعض الآخر.

Chart2-1
 

ثالثاً: الرابحون والخاسرون

أ. الرابحون

1- الكاظمي

يعد رئيس الحكومة الجديد مصطفى الكاظمي أبرز الرابحين على الإطلاق، فقد تمكن من تمرير حكومته والتصويت عليها بالثقة في البرلمان العراقي، على الرغم من حجب الثقة عن 5 وزراء من أصل 20. والكاظمي الذي كان ينظر إليه على الدوام بوصفه شخصية توافقية إلى حد كبير كان معرضاً لهدر هذا الرصيد لو فشل في مهمة حشد الدعم اللازم لتمرير حكومته، إلا أنه استعمل بكفاءة وإتقان كل إمكانياته للنجاح في هذه المهمة مع المحافظة على كسب دعم العديد من الجهات المتناقضة فيما بينها حتى على المستوى الخارجي.

وسيكون الكاظمي من الآن فصاعداً قادراً على استخدام هذا النجاح على مستوى العلاقات الخارجية لبلاده وعلى المستوى الإقليمي، من خلال محاولة أداء دور غير تقليدي في الصراع السعودي-الإيراني.

وكان الكاظمي قد تلقى اتصالاً من ولي العهد السعودي بعيد حصوله على الثقة، وتمّت دعوته في الاتصال لزيارة السعودية، في إشارة على ترحيب السعودية بانتخابه، ورغبتها في تأسيس علاقة إيجابية معه.

2- الكتل الشيعية المؤيدة للكاظمي

من الواضح أن أبرز الكتل والقوى السياسية التي تصنف على أنها رابحة من تمرير حكومة الكاظمي هي القوى الشيعية التي دعمته على طول الخط، ابتداءاً بالتوافق على تسميته، ومروراً بتكليفه وحصولها على حصصها الوزارية، ووصولاً إلى التصويت في البرلمان. وفي مقدمة هذه القوى "سائرون" و"تيار الحكمة" و"تحالف النصر".

3- كتلة تحالف القوى السنية

بالإضافة إلى القوى الشيعية الرابحة من تمرير حكومة الكاظمي، فإن غالبية القوى السنية، وعلى رأسها تحالف القوى العراقية بزعامة رئيس البرلمان الحلبوسي تعد الأكثر استفادة من هذا الإنجاز، أولاً لأنها حصلت على حصتها التي طالبت بها في الحكومة، وثانياً لأن الكاظمي أول رئيس حكومة عراقية في مرحلة ما بعد 2003 لا يأتي من الأحزاب الدينية الشيعية التي تحمل مشاعر انتقام بشكل عام من السنة بوصفهم حاضنة نظام صدام حسين، كما أن الكاظمي يوصف بأنه شيعي علماني، ولطالما كانت شخصية بهذه المواصفات مطلباً سنياً.

4- الحراك الشعبي

على الرغم من أن الحراك الشعبي الذي انطلق في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019 قد ينظر إليه على أنه أحد الأطراف الخاسرة من مجمل العملية، بحكم تحييدها عن صنع القرار ومسار العملية ككل، وأيضاً بسبب تصنيف بعض المتحدثين باسم الحراك الكاظمي على أنه خيار الطبقة السياسية الفاسدة وبالتالي ليس الخيار الذي ينشدونه، إلا أن التغيير الذي حدث بترؤس الكاظمي للحكومة كشخصية علمانية بعيدة عن عبارة الأحزاب الدينية الشيعية التي تهيمن عليها إيران فتح الباب على مصراعيه أمام حقبة سياسية جديدة في العراق.

كما سيكون من بين مهام حكومة الكاظمي تنظيم انتخابات مبكرة، بعد عام واحد من تشكيلهاـ وهذه الانتخابات في حال جرت في موعدها ستكون مكسباً إضافياً للشارع، يضاف إلى مكسب إبعاد حكومة العبادي مع بعض عناصر الهيمنة الإيرانية في حكومة الأخير.

ب. الخاسرون

1. الفصائل الموالية لإيران

على الرغم من أن كتلة تحالف الفتح البرلمانية التي أيدت بمعظمها حكومة الكاظمي تعد المظلة السياسية للفصائل والمبليشيات الموالية لإيران، فإن بروز الانقسام داخل الكتلة تجاه منح الثقة لرئيس الحكومة الجديد، بالإضافة موقف كتائب حزب الله الأقرب إيران المعارض والرافض للكاظمي يدفع للاعتقاد بأن تمرير حكومته شكلت خسارة لهذه المليشيات.

وفي أول رد فعل معلن على تمرير حكومة الكاظمي، جددت ميليشيات كتائب حزب الله موقفها الرافض للكاظمي، بعدما أصدرت عدة بيانات وتصريحات منذ طرح اسمه تتهمه فيها بالضلوع في عملية اغتيال قاسم سليماني ونائب قائد الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس.

2. ائتلاف دولة القانون المالكي

يُجمع المراقبون على أن المالكي الذي يرتبط موقفه دوماً بموقف المليشيات الموالية لإيران، والذي تربطه علاقات متينة جداً بطهران، يعد الخاسر الأكبر من تمرير حكومة الكاظمي، ليس لأنها بعيده عن ميوله واتجاهاته ابتداءً فحسب، بل أيضاً لفشل محاولاته فرض مرشحين من بينهم نسيبه ياسر صخيل لتولي حقيبة الداخلية، ما أدى إلى حسم قرار دولة القانون بعدم المشاركة في عملية التصويت على منح الثقة للحكومة.

3. الأكراد

رغم منح الكاظمي للأكراد حصة 3 وزراء في الحكومة كما جرت عليه العادة في الحكومات السابقة، فإن الكتل الكردية طالبت هذه المرة بـ4 وزارات، كما أنها تشبثت بتسمية فؤاد حسين لمنصب وزير المالية، الذي اتهم من قبل كتل شيعية بالفساد ومحاباة إقليم كردستان في منصبه، الأمر الذي انتهى باتخاذ الكاظمي قراراً بإسناد المالية للشيعة، وإعادة الخارجية للأكراد، وهو ما رفضته الكتل الكردية حتى اللحظات الأخيرة، والتي كانت تهدد بحجب الثقة عن كامل الحكومة ما لم تتضمن إسناد المالية لفؤاد حسين، لكن مفاوضات الكاظمي معهم أقنعهم على ما يبدو بقبول الخارجية والنظر في مرشحهم لهذا المنصب لاحقاً.

4. إيران

رغم توافق إيران والولايات المتحدة على دعم حكومة الكاظمي والترحيب بها، إلا أنه لا يمكن إنكار أن موافقة إيران عليه جاءت على مضض، ولإدراكها لعدم إمكانية مرشح ضمن شروطها. فالكاظمي ليس الخيار الأمثل بالنسبة لها، ويعد بعيداً تماماً عن دائرة النفوذ والتبعية لها في العراق، وله علاقات واتصالات قوية خارجياً مع خصوم ومنافسين مثل الولايات المتحدة والسعودية، وذلك بحكم طبيعة عملية كرئيس للمخابرات.

وعليه لا يمكن النظر إلى إيران على أنه أحد الرابحين انطلاقاً من موقفها المعلن المؤيد للكاظمي، بل تعد أحد الخاسرين للأسباب المذكورة، وقد تكون الخسارة أكبر على المدى التوسط.