اتفاق غزة وتداعيات لم يتم الحديث عنها
2025-01-2380 مشاهدة
توصّلت أطراف الصراع في قطاع غزة لاتفاق وقف إطلاق النار منتصف كانون الثاني/ يناير 2025 بعد مفاوضات طويلة معقَّدة ووساطات إقليمية ودولية أبرزها الوساطة القطرية، لإنهاء حرب واسعة بدأتها إسرائيل على القطاع إثر الهجوم الذي تعرضت له في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
أدخل الوصولُ لوقف إطلاق النار القضيةَ الفلسطينية في مسار جديد ضِمن حسابات السياسات الدولية، انطلاقاً من أنَّ ما قبل حرب غزة ليس كما بعدها، وبما تحمله مضامين اتفاق وقف إطلاق النار الذي وصل إليه أطراف الصراع من التساؤُلات والتكهنات حول مستقبل القطاع بشكل خاصّ والقضية الفلسطينية بشكل عامّ، فضلاً عما بين السطور مما لم يُكتب في الاتفاق.
تفاصيل الاتفاق الذي سيُطبق على 3 مراحل نصت عليه 7 صفحات، وخلال التنفيذ قد يواجه الكثير من العراقيل، إلا أن مسألة إيقاف العمليات العسكرية هي الإنجاز الأبرز الذي استطاع الوسطاءُ الوصولَ إليه، بما يؤدي إلى إيقاف معاناة السكان، ثم الانتقال إلى مرحلة جديدة وهي العودة إلى الحياة.
بَيْد أن تل أبيب -ووَفْق موجة الاستقطاب السياسي التي تشهدها حكومة بنيامين نتنياهو حالياً- من الممكن ألَّا تنظر إلى الاتفاق على أنه مكسب كبير بالنسبة لها، ولذلك كان هناك مطالبات من قِبل تيار اليمين المتطرف بوجوب أن يتيح الاتفاق لإسرائيل إعادة تنشيط العمليات العسكرية إذا اقتضت الحاجة.
ربما تكون وجهة النظر الإسرائيلية الإستراتيجية غير المُعلَنة من إبرام هذا الاتفاق هو عدم عودة حركة حماس إلى المشهد في القطاع كما كانت في السابق، وبالتالي الانتقال إلى العمل الاستخباراتي لاستهداف قيادات الحركة أو ما بقي من البنى التحتية في كل مرة تستدعيها الحاجة. وهذا يخفف من التكاليف السياسية والاقتصادية التي يراكمها استمرار العمليات العسكرية البرية، لا سيما أن إسرائيل خاضت في حرب غزة الأخيرة أطول فترة حرب خاضتها مع حركة حماس وفصائل المقاومة على الإطلاق.
وبالتالي فإن صانع القرار في تل أبيب غير قادر على استيعاب حجم الخسائر التي دفعتها إسرائيل مقابل تقليل المخاطر القادمة من القطاع، وهم يبحثون في مضامين الاتفاق المبرم عن موازنة لهذه المعادلة بشكلٍ ما، ويسعون في الوقت ذاته إلى الاستفادة من الضغوطات التي تمارسها بعض الشخصيات في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل عدم عودة حركة حماس لحكم قطاع غزة.
أما بالنسبة لحركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية فهي تنظر تقريباً بالمنظور نفسه، بأنَّ المكاسب يجب أن تكون كبيرة مقابل التضحية التي قدمها القطاع وسُكّانه والمعاناة التي تكبدوها. خاصة أنَّ عودة الحياة إلى القطاع سوف تستغرق ما لا يقل عن 5 سنوات.
إن أحد الأهداف الرئيسية والإستراتيجية التي قد تكون مكسباً مهمّاً لفصائل المقاومة هو عملية إعادة إعمار غزة، بحيث تتخذ طابعاً جديداً يعقبه واقعٌ اجتماعيٌّ وسياسيٌّ جديدان؛ لأنه بعد كل حرب تحصل مرحلة انتعاش كبيرة للاقتصاد المحلي، وهذا يؤثر بدوره على طبيعة ديناميكيات الإدارة السياسية من أصغر مؤسسة إلى رأس الهرم.
يمكن القول: إن وقف إطلاق النار بدأ فعلاً في غزة لكن على الأرجح بدأت الحرب على المكاسب الإستراتيجية لكل طرف، وهذا ما لم تتضمنه أو تُعالجه بنود الاتفاق الرسمي الموقَّع عليه، ويبدو أن أطراف الوساطة دفعت باتجاه تأجيل هذا التدافع المحتمل إلى حين بناء أرضية ملائمة للانطلاق منها، والتي تبدأ في خُطوتها الأولى من وَقْف العمليات العسكرية.