في ذكرى مقتل سليماني.. ما الذي يريده تنظيم داعش من إيران؟
2024-01-051019 مشاهدة
عصر يوم الأربعاء 3 كانون الثاني/ يناير 2024 وقع انفجاران متتاليان في مدينة كرمان، بالقرب من قبر قائد ميليشيا الحرس الثوري الإيراني السابق "قاسم سليماني" أثناء احتشاد جماهير غفيرة للاحتفال بفعاليات الذكرى الرابعة لمقتله، وقد أسفر الانفجاران عن مقتل 103 أشخاص من المدنيين، وإصابة أكثر من 280 شخصاً على الأقل نظراً للازدحام الكبير في المنطقة.
كثرت التخمينات حول الجهة المسؤولة عن مجزرة "الأربعاء الدامي" في إيران، إلا أن تبنّي تنظيم الدولة للعملية في بيان رسمي، صدم المحللين والمتابعين لتحرُّكاته، فما الذي يريده التنظيم من إيران في هذا الوقت؟
إيران وتنظيم الدولة.. هل ثَمّة اتفاقات مُخادَمة؟
من المعلوم للمتابعين أن إيران تمتلك رؤية معينة في تسهيل تحرُّك قيادات عُليا من تنظيم القاعدة في أرضها لتحقيق مصالح متبادَلة للطرفين، حيث وضعت محمد صلاح زيدان الملقَّب بـ "سيف العدل" منذ عام 2003 قيد الإقامة الجبرية في إيران إلى جانب عدد من القيادات الرفيعة في تنظيم القاعدة بينهم حمزة بن لادن، وقد أفضت صفقة التبادل بين القاعدة وإيران عام 2010 إلى الإفراج عن الدبلوماسي الإيراني، حشمت الله زادة الذي اختُطف شمال باكستان عام 2008، مقابل الإفراج عن حمزة وعثمان ومحمد أبناء أسامة بن لادن، مع أمهم "خيرية صابر" وناصر الوحيشي وقيادات أخرى.
في تلك الأثناء وصلت إيران إلى اتفاق مع سيف العدل بالعمل لصالح القاعدة مقابل عدم المسّ بأمن إيران، ورغم وقوع صفقة تبادُل أخرى عام 2015 تتضمن الإفراج عن الدبلوماسي الإيراني نور أحمد نكباخت المختطَف في اليمن عام 2013 إلا أن سيف العدل -رغم وصوله للحدود- أعلن رغبته في البقاء داخل إيران والعمل منها ضدّ المصالح الغربية، وما زال سيف العدل يحظى اليوم بقدرة على التنقل بين أفغانستان وإيران، ويُعتبَر الزعيم الفعلي للقاعدة بعد مقتل الظواهري، بالرغم من عدم الإعلان عن ذلك رسميّاً، نظراً لخلافات حول شخصه وعلاقاته مع إيران.
هذا السرد يؤكد قدرة إيران على التعامل مع التنظيمات الجهادية المحظورة وغير المحظورة، فقد دعمت طالبان أثناء حربها مع الولايات المتحدة رغم التبايُن الفكري والمذهبي، وذلك يعود لتقدير إيران لاحتياجاتها السياسية في إيجاد أوراق قوة داخل هذه الجماعات تمنعها -على الأقل- من شنّ هجمات في أراضيها، وتُحقِّق لها نوعاً من التوازُن الأمني والاقتصادي.
بالمثل فقد ذكر العديد من الباحثين وجود علاقة بين إيران وتنظيم الدولة، تمثّلت بعدم استهداف مصالحها وتنفيذها هجمات تضر بمصالح خصومها وتفيد إيران في واقع الحال؛ إلا أن هذا الاستدلال لا يعبّر عن وقائع حقيقية، بقدر ما يعبّر عن انطباعات لدى معظم هؤلاء الباحثين، ويدعم هذا التوجُّهَ منهم رفضُهم الاعترافَ بالعداء المتبادَل بين الطرفين، والهجمات المستمرة ضد تشكيلات الميليشيات الولائية والحرس الثوري في العراق وإيران والاستهدافات المتكررة من قِبل التنظيم لأجهزة أو مواقع مدنية داخل إيران.
ليست المرة الأولى؟
لم يكن الهجوم الانتحاري الأخير في إيران بعيداً عن سلوك تنظيم الدولة تجاهها من جهة، وتجاه ميليشياتها في سورية والعراق -على وجه الخصوص- من جهة أخرى، فقد نفذ التنظيم في إيران بدءاً 8 تموز/ يوليو 2023 حتى 15 كانون الأول/ ديسمبر من العام ذاته 7 هجمات متفرقة، في مدن زاهدان، وسيستان، وشيراز، ومدينتَيْ بامبور وراسك في بلوشستان، ونور آباد في محافظة فارس.
كان الهجوم الأعنف من بين هذه الهجمات عملية استهداف أحد مزار شاه جراغ في شيراز، حيث أدى لمقتل 6 مدنيين وإصابة 4 آخرين، في حين أن بقية الهجمات استهدفت سيارات شرطة متوقفة في الطرق في مناطق متفرقة.
هذا السياق يؤكد أن تنظيم الدولة يمتلك خلايا داخل إيران، ليس بالضرورة أن تكون متمركزة في مكان معين، وإنما وافدة إليها من أماكن انتشار التنظيم في الدول المجاورة، مما يجعل فرضية وصول التنظيم إليها أمراً غير مستبعَد.
كيف يستطيع التنظيم دخول إيران؟
كما أشرت آنِفاً، فإن التنظيم يمتلك حضوراً واضحاً في مناطق حدودية لثلاث دول مجاورة لإيران، وهذه التحرُّكات تزيد من فرضية تمكُّن التنظيم دخول إيران، وتنفيذ عمليات فيها.
يتمثل الخطر الأكبر من قِبل خلايا التنظيم المتمركزة في باكستان، حيث تنتشر مجموعات عديدة للتنظيم في محافظة بلوشستان الحدودية مع إيران، تليها أفغانستان، حيث ظهرت تحرُّكات مستمرة للتنظيم في عدة ولايات حدودية مع باكستان وإيران، مثل: هَرات، وجوزجان، وبدخشان، وكُنُر، وفراه، وهي ولايات شهدت عمليات متنوعة خلال 2023، في السياق ذاته، احتجّت إيران مراراً لحكومة طالبان حول عدم قدرتها على ضبط الحدود ومنع تدفُّق اللاجئين الأفغان ودخولهم غير الشرعي إلى أراضيها.
إلى جانب ذلك فإن العراق يمتلك منافذ يمكن للتنظيم من خلالها الوصول إلى إيران بصورة غير شرعية، انطلاقاً من محافظة ديالى -ناحية جلولاء حيث تنتشر مجموعات عديدة للتنظيم- وصولاً إلى محافظتَيْ كرمانشاه وكردستان غربي إيران.
سياق الأحداث في غزة.. هل من مُسوِّغ؟
بثَّت مؤسسة الفرقان يوم الخميس 4 كانون الثاني/ يناير 2024 كلمة صوتية للمتحدث الرسمي باسم تنظيم الدولة "أبو حذيفة الأنصاري" تحت عنوان "واقتُلوهم حيث ثَقِفتمُوهم" أعلن فيها عن موقفٍ صريح من إيران والميليشيات الشيعية، ودعا فيها الفصائل الفلسطينية وجميع التنظيمات إلى قطع علاقتها مع إيران، و"الثأر" لدماء المسلمين الذين قتلتهم ميليشياتها في العراق وسورية واليمن.
في الوقت ذاته، أطلق التنظيم سلسلة جديدة من العمليات تحت عنوان الكلمة، وحتى وقت كتابة هذا المقال تبنَّى التنظيم ما لا يقل عن 30 عملية حول العالم كجزء من هذه الحملة، أبرزها تبنّيه لعملية مدينة كرمان عَبْر تفجيرين انتحاريين متتالييْنِ وسط الحشود المجتمِعة.
إن سياسة التنظيم في إعلان سلاسل الغزوات تعود إلى عام 2012 حين أعلن سلسلة عمليات عسكرية في العراق تحت مسمى "هدم الأسوار" وفي عام 2019 أعلن عن سلسلة "واقتُلوهم حيث ثَقِفتمُوهم" ثم سلسلة عمليات "غزوة الاستنزاف" في معظم مناطق انتشاره عام 2020، ثم سلسلة عمليات "الثأر للشيخين" عام 2022.
في الخطاب الأخير قرن المتحدث بين الدعوة لاستهداف المصالح الغربية والإسرائيلية في مختلف مدن العالم باستهداف إيران، مما يُعَدّ مؤشراً لوجود عمليات مُعَدَّة لاستهداف مواقع مدنية بعبوات ناسفة أو عَبْر عمليات الطعن والتفجيرات الانتحارية، في تصعيد عالمي محتمل ضدّ هذه الدول "بسبب موقفها من دماء أهل غزة"، وهو ما يؤكده سياق العمليات الأمنية في كلٍّ من ألمانيا وهولندا والنمسا والدنمارك وفرنسا منذ 24 كانون الأول/ ديسمبر 2023 حيث اعتُقل ما يزيد عن 15 شخصاً في هذه الدول، بتهمة التجهيز لعمليات استهداف لاحتفالات أعياد رأس السنة بدفع وتخطيط من تنظيم الدولة الإسلامية.
في ختام المَطاف، لا بد من التذكير، أن تبنِّي التنظيم للعملية الأخيرة في إيران -على الأرجح- نابع من واقع قدرة التنظيم على اختراق الحدود الإيرانية، وتنفيذ عمليات فيها، إضافة إلى أن العملية المتبنَّاة تتوافق مع إعلان التنظيم -منذ تأسيسه- تكفير المذاهب الشيعية، ودعوته لمواجهتها بالسلاح انتقاماً من انتهاكاتها في حق أبناء المناطق السُّنّية في العراق وسورية.
لقد توافقت هذه العملية مع دعوات التنظيم لتنفيذ هجمات فردية في مختلف الأماكن في العالم، تحت نداء "نصرة أهل غزة" بدءاً من داعمي الاحتلال، وصولاً لإيران التي تستثمر في دماء الفلسطينيين لصالح مشاريعها التوسعيّة في المنطقة، مما يؤكد نظرة التنظيم لها ولغيرها من الأنظمة السياسية والتنظيمات كافة، على أنها مجرد وجوه متعددة لحقيقة واحدة، وأن لا حلّ معها إلا العنف فقط.