إلى أيّ مدى يُهدّد الحوثيون الملاحة في باب المندب؟

إلى أيّ مدى يُهدّد الحوثيون الملاحة في باب المندب؟

2023-12-06
963 مشاهدة


أعلنت ثلاث سفن تجارية كانت قد مرت من مضيق باب المندب عن وقوع أضرار مادية فيها نتيجة هجمات مصدرها الشواطئ اليمنية، ليؤكد هذا ما كانت قد أعلنته الولايات المتحدة في يوم الأحد الماضي 3 كانون الأول/ ديسمبر عن وقوع 4 هجمات على 3 سفن تجارية كانت تبحر بشكل منفصل في المياه الدولية جنوب البحر الأحمر، مفيدةً بأن مدمرة أمريكية قامت بتدمير ثلاث طائرات مسيّرة في استجابة لنداءات استغاثة من السفن المُستهدَفة.

جاءت هذه الهجمات بعد إعلان الحوثيين أنهم استهدفوا سفينتين إسرائيليتين في مضيق باب المندب، الممرّ البحري الإستراتيجي الذي يربط بين البحر الأحمر وخليج عدن.

بناءً على المعلومات الواردة أعلاه، لا يبدو أن هنالك تطابُقاً بين ما أعلنه الحوثيون وما أفادت به الأنباء المتقاطعة، حيث تحمل السفن الثلاث أعلام كل من بنما وجزر البهاماس، وتحدثت بعض الأنباء بأن السفينة التي تحمل علم البهاماس هي سفينة بريطانية، في ظل نفي إسرائيلي لتَبَعِيّة السفن لها.

وكان الحوثيون قد أعلنوا الشهر الماضي أنهم اختطفوا سفينة إسرائيلية، لكن الإسرائيليين قالوا بأنها مملوكة لشركة بريطانية وتشغلها شركة يابانية، وليست إسرائيلية، وليس عليها بحارة إسرائيليون.

بدوره، أكد معمر الإرياني، وزير الإعلام في الحكومة اليمنية الشرعية أن السفينة المختطفة هي حاملة المركبات "غالاكسي ليدر" التي تديرها شركة "نيبون يوسن" اليابانية، وأنه تم اختطافها أثناء إبحارها في المياه الدولية بالبحر الأحمر قُبالة السواحل اليمنية في رحلة تجارية اعتيادية بين تركيا والهند وعلى متنها طاقم بحارة غالبيتهم من الجنسية التركية، وهو ما يتقاطع مع ما ذكرته المعلومات الرسمية الإسرائيلية، ويُشكِّك بشكل كبير في رواية الحوثيين.

حدود التأثير العسكري الحوثي

على الرغم من قُدُرات الحوثيين العسكرية وخطورة استهداف السفن التجارية، إلا إن هناك حدوداً واضحة لتأثيرهم العسكري. بدايةً فإن سفن الشحن تُعتبر أهدافًا متحركة تسير بسرعة تصل إلى 40 كيلومترًا في الساعة، مما يحدّ من خيارات استهدافها بأسلحة عادية.

وبحسب خبراء عسكريين، فإن معظم الطائرات بدون طيار، التابعة للحوثيين صغيرة الحجم، وذات قدرات محدودة على تنفيذ هجمات كبيرة. كما أنها تستخدم نظام GPS لتحديد الأهداف، إلا أنه غير مناسب لاستهداف الأهداف المتحركة، كما أن السفن، إذا أُغلقت أجهزة الإرسال وسارت بشكل متعرج، لا يمكن رصدها إلا بمراقبة مستمرة واتصال بصري.

علاوةً على ذلك تُصمَّم السفن التجارية في البحر الأحمر لتكون قادرة على تحمُّل العواصف الشديدة والاستمرار في الإبحار حتى بعد تعرُّضها للأضرار، وعلى الرغم من ضعف دقته، يُعتبر القصف الصاروخي الخيار الأخطر الذي يمثله الحوثيون.

الاختطاف والقرصنة، تهديدات قديمة متجددة

يبقى الاستيلاء على السفن خيارًا معقدًا يتطلب معلومات استخباراتية دقيقة ومراقبة طويلة للسفينة، لكنه يمثل أحد أكبر تخوُّفات السفن التجارية، وعلى الرغم من كونه تهديداً كلاسيكياً في البحر الأحمر تاريخياً من قِبل العديد من مجموعات القرصنة التي كانت تنشط أو تَخفِت بحسب عوامل عديدة، إلا أن دخول الحوثيين عليها بوصفهم ذراعاً إيرانية يمثل تهديداً إضافياً، حيث يشكلون أداة تتحكم بها إيران، ويبدو أنها تقوم حالياً بهذه الأنشطة لأهداف دعائية أولاً في انسجام مع ما تقوم به إيران عموماً من الاستثمار في المشهد، ويتضح هذا من تفاعُل العديد من وسائل الإعلام والنُّخَب مع الممارسات الحوثية ودعمها باعتبارها مناصرة لغزة وأنها من "أعمال المقاومة"، ويُضاف إلى ذلك ما تريده إيران من تنفيذ تصعيد محسوب ضدّ الولايات المتحدة في المنطقة، متزامِن مع ما يحدث في سورية والعراق، في محاولة لإظهار إيران كفاعل وندّ للولايات المتحدة في المنطقة، وبهدف كسب إيران لنقاط في أيّ تفاهُمات أو مفاوضات إيرانية أمريكية على العديد من الملفات.

من ناحية التأثير على الملاحة، يمكن أن ترتفع تكاليف الشحنات نتيجة ارتفاع التأمين على السفن، أو تفضيل السفن تغيير مساراتها لتأخذ مسارات أطول وأكثر كلفة.

تُذكّر الهجمات الحوثية الأخيرة بأنشطة الحوثيين العسكرية خلال الفترة بين 2015 و2018، والتي استهدفت العديد من السفن وناقلات النفط السعودية، وهو ما دفع السعودية وقتها لإيقاف تصدير النفط الخام من خلال السفن عَبْر باب المندب مرات عديدة، وفي هذا السياق، لا يتوقع أن تعود أنشطة الحوثيين بذات الكثافة لاختلاف السياق، حيث كان الحوثيون في ذلك الوقت في ذروة اشتباكهم مع السعودية، وهو ما يبدو مختلفاً مع مناخ التصعيد المحدود والمحسوب اليوم بين إيران والولايات المتحدة في ظل وجود إدارة بايدن الديمقراطية الميّالة للحلول الدبلوماسية مع إيران، وهو ما كان محل انتقاد من العديد من الشخصيات في الأوساط السياسية الأمريكية، منتقدين رخاوته في الردّ على الحوثيين، وهو ما يمكن وضعه أيضاً في سياق المناكفات الحزبية والسياسية التي تزداد وتيرتها مع الانتخابات الأمريكية.