المشهد الفلسطيني في عهد إدارة بايدن
2021-01-223934 مشاهدة
تمهيد
يستلم جو بايدن موقعه في البيت الأبيض بعد أربع سنوات أدخل فيها الرئيس المغادر دونالد ترامب الكثير من التغييرات على السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية وغيرها.
وفي الوقت الذي يتوقع أن يُكرر بايدن سياسة شبيهة بسياسة أوباما تجاه القضية الفلسطينية، فإن هناك تشاؤماً عاماً من إمكانية تحقيقه إنجازٍ يذكر لصالح حقوق الشعب الفلسطيني من خلال الضغط على إسرائيل، خاصة مع تعهد بايدن بابقاء السفارة الأمريكية في القدس.
أثر إدارة ترامب على المشهد الفلسطيني
لطالما عانى الفلسطينيون من انحياز الإدارات الأمريكية لجانب الاحتلال الإسرائيلي، لكن مع قدوم دونالد ترامب وفريقه الذي يضم أفراد مثل جاريد كوشنر وديفيد فريدمان وغيرهم الذين يعتبرون صهاينة أكثر من نتنياهو نفسه، تمهّدت الطريق أمام موقف أمريكي لا يكترث مطلقاً بحقوق الفلسطينين إلى درجة تجاهلهم تماماً.
وقد كان أعلن ترامب القرار الذي لم يجرؤ أي رئيس أمريكي سابق على فعله وهو قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في كانون الأول/ديسمبر 2017، وبناء على ذلك قَطعت السلطةُ الفلسطينية علاقاتها مع الإدارة الأمريكية، وقامت الإدارة الأمريكية بدورها بعد ذلك في أيلول/سبتمبر 2018 بإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، والذي تم تأسيسه في عام 1994.[1]
ومع اعتراف ترامب بالقدس كعاصمة لإسرائيل فقد أنهى أي مبرر للفلسطينيين بالتمسك بعملية التفاوض حول حل الدولتين.
في مطلع عام 2020 أعلن ترامب عن "خطة صفقة القرن"، والتي أعلن عنها كخطة سلام، بالرغم من رفض الجانب الفلسطيني لها وعدم مشاركته فيها، والتي تعتبر خطة لتصفية القضية الفلسطينية، حيث تضمنت خطة ضم 30% من أراضي الضفة الغربية.
وقد جلبت هذه الخطة العديد من الدول العربية من الإمارات والبحرين والسودان وصولاً إلى المغرب إلى مربع التطبيع مع إسرائيل، مقابل تعليق نتنياهو لعملية ضم أجزاء من الضفة الغربية، وهو مقابل مشكوك فيه بناء على بعض التصريحات الاسرائيلية الرسمية. ولكن هذا الواقع الذي ساهم فيه ترامب بدرجة كبيرة أدى إلى خلخلة العمق العربي للقضية الفلسطينية بدرجة كبيرة، بعد توافق الدول العربية لأكثر 7 عقود على عدم تقديم اعتراف عربي عام بإسرائيل قبل أن تقوم الأخيرة بالاعتراف بدولة فلسطينية.
وعلى مستوى الاجرائي فقد أوقف ترامب المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية في فبراير 2019 وهي تقدر بنحو 844 مليون دولار سنويا. بعد أن أوقف في أغسطس 2018 تمويل واشنطن لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) التي تقدم الدعم لخمسة ملايين لاجىء فلسطيني في الشرق الأوسط.[2]
وقد عبرت السلطة الفلسطينية بشكل رسمي عن رغبتها في خسارة ترامب حيث قال نبيل شعث، مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس إنه "لم يكن هناك أسوأ من ترمب، وأي إنسان هو أفضل منه".[3]
ربما تجدر الإشارة هنا إلى أن فترة ترامب حملت نوعاً من الإيجابية في بُعد من الأبعاد، وهي أنها أشعرت كافة الأطراف الفلسطينية أن القضية الفلسطينية تمر بأخطر مراحلها مما يستدعي ضرورة التضامن فيما بينها وتحقيق المصالحة الوطنية، وبالفعل بدأ الفصائل الفلسطينية خطوات عملية منذ لقاء الأمناء العامين للفصائل في بيروت ثم محادثات إسطنبول بين حركتي فتح وحماس والتي فتحت المجال للتقدم نحو انتخابات تشريعية ورئاسية ولمنظمة التحرير الفلسطينية خلال عام 2021.
أولاً: محددات الأطراف الفلسطينية تجاه إدارة بايدن
بالنسبة للسلطة الفلسطينية هناك عدة محددات أو طلبات مرتقبة من إدارة بايدن وعلى رأسها:
-
الاعتراف بحل الدولتين، وإعادة الاعتبار له.
-
إلغاء دمج السفارة الأمريكية بالقنصلية الأمريكية في القدس.
-
إعادة الاتصالات مع منظمة التحرير وفتح مكتب المنظمة في واشنطن.
-
إعادة تقديم المساعدات لوكالة الغوث (الأونروا).
-
دعم السلطة الفلسطينية ماليا.
-
الضغط على اسرائيل فيما يتعلق بالاستيطان.
يتوقع أن يُخفف بايدن من الضغط الذي فرضه ترامب على السلطة الفلسطينية، وسيكون من السهل إعادة فتح مكتب منظمة التحرير، وإعادة المساعدات المالية، ولكن النقطة الأهم هي قدرة بايدن على إعادة عملية المفاوضات حول حل الدولتين ووضعها في سياق الإنجاز وهو أمر لا زالت تحوم حوله العديد من علامات الاستفهام.
وفي هذا السياق فقد ذكر المستشار الرئاسي نبيل شعت رأيه حول بايدن: "لا أضمن شيئاً، ولا أعرف كم سيكون أفضل من ترامب، وما هي مواقفه الجديدة، أو كم يحتاج من الوقت ليصلح ما أفسده ترامب". ورأى أن "المطلوب منا كفلسطينيين، شعباً وقيادة، أن نبقى جاهزين وصامدين، وأن نعمل على تمتين جبهتنا الداخلية بالوحدة".[4]
وعلى كل حال بدأت السلطة في محادثات مع فريق بايدن حيث فتحت قنوات اتصال، مبكراً، مع بايدن وفريقه عبر رجال أعمال فلسطينيين وشخصيات من الجالية الفلسطينية والعربية في الولايات المتحدة، وهي قنوات تعمل على إحداث تواصل مباشر ما بين القيادة الفلسطينية ومستشاري بايدن".[5]
أما فيما يتعلق بموقف الفصائل الأخرى وخاصة حركة حماس والجهاد الإسلامي فإن التخلص من دعم ترامب لليمين الصهيوني يُعد شيئاً جيداً، لكن ذلك لا يعني أن قدوم بايدن سيكون جيداً للقضية الفلسطينية، حيث إن موضوع دعم اسرائيل وتفوقها في المنطقة هو موضع مشترك بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة. بمعنى أن الرؤية السياسية لبايدن تجاه القضية الفلسطينية سوف تكون مشابهة لإدارة أوباما، وهنا لابد من تذكر أن إسرائيل شنت 3 حروب مُدمرة على غزة في عهد أوباما في 2009 و2012 و2014.
وبالرغم من ذلك قام رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية بتوجيه دعوة للرئيس المنتخب جو بايدن دعاه فيها إلى تصحيح تاريخي لمسار السياسات الأمريكية الظالمة للشعب الفلسطيني والتي جعلت من الولايات المتحدة شريكاً في الظلم والعدوان، وأضرت بحالة الاستقرار في المنطقة والعالم، وحالت دون القدرة الأمريكية أن تكون طرفاً مركزياً في حل النزاعات، كما دعا هنية إلى "إنهاء كل القرارات المتعلقة بمحاولات تصفية قضية اللاجئين خاصة تقليص الدعم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في محاولة إنهائها".
كما دعا هنية أيضا الإدارة الأمريكية إلى "احترام إرادة الشعب الفلسطيني وخياراته الديمقراطية ومساره الكفاحي، وكذلك التوقف عن ممارسة الضغوط على دول وشعوب المنطقة من أجل فرض التطبيع مع الاحتلال".[6]
وفيما تحمل دعوة هنية لبايدن توضيحاً لموقف حركة حماس، التي تعتبرها الإدارة الأمريكية حركة إرهابية، فإن المطالب التي عرضها هنية تحمل أيضا نقاط التقاطع في مواقف حماس والسلطة الفلسطينية وتشير إلى رغبة حماس في الانخراط بشكل أكبر في النظام الفلسطيني القادم.
ثانياً: محددات إدارة بايدن تجاه القضية الفلسطينية
لعله من المهم الانتظار لرؤية خطوات بايدن العملية وإلى أي منطقة من العالم سيتوجه تركيز إدارته، ولكن إذا أردنا أن نحلل خطاب بايدن وفريق بايدن فقد أصدر بايدن، في 29 أغسطس/ آب 2020، برنامجًا شاملاً يحدّد خطته للشراكة مع المجتمع العربي الأميركي، تضمن سياسته الخارجية تجاه مجموعة من قضايا المنطقة العربية، بما فيها القضية الفلسطينية. وأوضح البرنامج الذي حمل عنوان "جو بايدن والمجتمع العربي الأميركي: خطة للشراكة"[7] كما كانت نائبه كمالا هاريس قد أشارت بوضوح في أحد تصريحاتها إلى موقف الإدارة المحتمل من القضية الفلسطينية ويمكن أن نلخص هذه السياسات في النقاط التالية:
-
إعادة الإدارة الديمقراطية العلاقات مع الفلسطينيين.
-
افتتاح مقر بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن من جديد.
-
خطوات فورية لإعادة المساعدات الاقتصادية والإنسانية للفلسطينيين.
-
معالجة الأزمة الإنسانية في غزة.
-
إعادة فتح القنصلية الأمريكية في الشطر الشرقي من القدس المحتلة.
-
معارضة الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب التي تقوض حل الدولتين.
-
معارضة الضم والتوسع الاستيطاني.[8]
تتقاطع هذه المواقف مع توقعات ومطالب السلطة الفلسطينية وتشير هذه النقاط إلى إعادة تكرار موقف إدارة أوباما، لكن مع ضرورة التنبيه إلى أن هاريس لم تتطرق إلى إعادة السفارة الأمريكية إلى تل أبيب. وهذا ينسجم بالطبع مع تعهد بايدن بإبقاء السفارة في موقعها الجديد في القدس.
ثالثاً: الأثر المتوقع لانتخاب بايدن على القضية الفلسطينية
هناك أثر مباشر لبايدن على القضية الفلسطينية، وهناك أثر غير مباشر، حيث يتمثل الأثر المباشر بمدى فعالية دور واشنطن في الضغط لإنجاز اتفاق منطقي من جهة وبعلاقة بايدن مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، أما الأثر غير المباشر فهو علاقة إدارة بايدن مع القوى الإقليمية الأساسية في المنطقة مثل السعودية ومصر وتركيا وإيران.
يتمثل الأثر المباشر في تخفيف الضغط على السلطة الفلسطينية التي أوصلها ترامب إلى حالة من الفشل وصلت إلى تهديد بقاءها حيث كانت السلطة قد قامت على فكرة حل الدولتين ولكن ترامب أطلق عليها رصاصة الرحمة من خلال إعلان صفقة القرن. وبالتالي ستتنفس السلطة الصعداء سياسيا وماليا ولكن دون المبالغة في توقع الاندماج في صيغ عملية تدخل لرصيدها. حيث أن هناك نقطة مهمة وهي صعود اليمين في إسرائيل والذي يريد تحقيق مزيد من التغول على الحقوق الفلسطينية وهو ما ترفضه السلطة الفلسطينية فضلا عن بقية الفصائل. كما ستستفيد السلطة من ضعف الانسجام بين بايدن ونتنياهو مقارنة بعلاقة نتنياهو وترامب ولكن هذا الأمر لن يكون ذو أهمية كبيرة في حال أدت الانتخابات القادمة في مارس تقريبا إلى خروج نتنياهو من اللعبة السياسية إلى السجن على الأرجح. وسيبقى انتظار معرفة من هو الشخص القادم في رئاسة وزراء دولة الاحتلال مهما لتحديد طبيعة التفاهم بينه وبين بايدن مع وجود محددات ثابتة في العلاقة بين الطرفين لا تتأثر كثيرا بتغير الأشخاص.
أما الأثر غير المباشر فهو علاقة بايدن مع الدول العربية وغير العربية الفاعلة والتي ترتبط بعلاقات جيدة مع مكونات الشعب الفلسطيني وهذا بدوره سينعكس على المواقف والسلوك الفلسطيني، وقد أيد بايدن بهذا الخصوص عمليات التطبيع الأخيرة، ولكن بالطبع ستكون السياسة القادمة ضمن حالة التعقيد التي تشوب كل ملفات المنطقة ومن المهم الانتظار حتى رؤية كيف ستتشكل خارطة طريق تعامل واشنطن مع المنطقة.
ولعله من المهم أن نضيف هنا أن قدرة بايدن على التغيير فيما تم تطبيقه على الأرض كأمر واقع قد تكون ضعيفة أو معدومة كما هو في موضوع نقل السفارة، أما في المواضيع التي لم يتم تنفيذها فقد يحاول وضع عراقيل أمامها مثل موضوع ضم أجزاء من الضفة الغربية وتوسيع الاستيطان.
خلاصة
لدى بايدن أولويات متعددة تعتبر أعلى في سلم أولوياته من القضية الفلسطينية، كما أن التجربة المعروفة عن بايدن وفريقه أنه أيضا داعم لإسرائيل وقد قال ذلك بنفسه في أكثر من مناسبة، وبالتالي سيكون أقصى ما يمكن لبايدن فعله من ضغوطات على إسرائيل شكليا ولن يتعدى عدم استخدام الفيتو لصالح اسرائيل كما فعل أوباما في آخر أيامه. وبالتالي سيكون التموضع الأمريكي على الأرجح تكرارا لتموضع إدارة أوباما مع مزيد من التعقيد والصعوبة في ظل صعود اليمين وقدرة نتنياهو على النجاح في التطبيع مع مجموعة من الدول العربية.
أما على الصعيد الفلسطيني فسوف تتجه السلطة إلى طرق باب التسوية من جديد حتى مع إداركها بصعوبة تحقيق أي تقدم، ولكن التجربة من عهد إدارة ترامب تحتم على الفلسطينيين العمل على تكريس موقف موحد مبني على حقوق الشعب الفلسطيني مع تجنب صيغ الإلهاء الإسرائيلية والتي ساعدتها فيها الإدارة الأمريكية على قضم المزيد من حقوق الشعب الفلسطيني. وربما تكون الانتخابات الفلسطينية التي تلوح في الأفق خطوة إيجابية إذا كانت مبنية على قاعدة الشراكة الوطنية وليس على قاعدة المناورة السياسية الداخلية على التمثيل والشرعية.
[1] الخارجية الأمريكية تعلن إغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، بي بي سي، 10 سبتمبر 2018:
https://www.bbc.com/arabic/world-45473987
[2] الخارجية الأمريكية تعلن إغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، بي بي سي، 10 سبتمبر 2018، https://www.bbc.com/arabic/world-45473987
[3] شعث: لم يكن هناك أسوأ من عهد ترامب والخلاص منه مكسب، وكالة الأناضول، 7 نوفمبر 2020:
[4] السلطة الفلسطينية ورئاسيات أميركا: تواصل مع بايدن وتحسب لبقاء ترامب، صحيفة العربي الجديد، 28 أكتوبر 2020: https://bit.ly/39HbXVh
[5] المرجع السابق.
[6] هنية يطالب إدارة بايدن المنتخبة بالتراجع عن "صفقة القرن"، وكالة الأناضول، 7 نوفمبر 2020، https://bit.ly/3szxTdp
[7] إيهاب محارمة، العربي الجديد، ما يعنيه بايدن للقضية الفلسطينية، 21 سبتمبر 2020:
[8] Kamala Harris: We will restore aid to Palestinians, renew ties, JJerusalem post, 3 Nov. 2020: