نظرة على الانتخابات البرلمانية الإيرانية ودلالات نتائجها

نظرة على الانتخابات البرلمانية الإيرانية ودلالات نتائجها

2024-03-13
837 مشاهدة


بتاريخ 1 آذار/ مارس 2024 انعقدت دورة انتخابيّة مزدوجة في إيران، تتضمن انتخاب 290 عضواً مرشحاً للدورة البرلمانية الثانية عشرة في "الجمهورية الإيرانية الإسلامية" إلى جانب انتخاب 88 عضواً في مجلس خبراء القيادة -المسؤول عن تعيين المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية- في دورته السادسة.

أعلنت لجنة الانتخابات الإيرانية حسم نتائج الانتخابات البرلمانية في 198 دائرة انتخابية، في حين أن 16 دائرة أخرى ستشهد جولة ثانية، كما أن انتخابات مجلس خبراء القيادة لم تحسَم بعدُ، ولم يتم الإعلان عن أسماء الفائزين في محافظة طهران خاصة بشكل نهائي، علماً أن مجلس خبراء القيادة هو إحدى المؤسسات الأساسية في نظام الحكم الإيراني، ومهمته الأساسية انتخاب المرشد العامّ للجمهورية ومراقبة أدائه، وتنعقد دورته الانتخابية مرة كل ثماني سنوات عَبْر الاقتراع المباشر من قِبل الشعب، حيث عُقدت الجولة الخامسة لانتخابات مجلس خبراء القيادة في شباط/ فبراير 2016.

أكد وزير الداخلية الإيرانية "أحمد وحيدي" أن عدد المشاركين في الانتخابات وصل إلى 25 مليون شخص، أي ما يقارب 41% من 60 مليون شخص يحقّ لهم التصويت في هذه الانتخابات، وهي أدنى نسبة مشاركة في الانتخابات منذ إعلان نظام "الجمهورية الإسلامية"، كما تشير بيانات المشاركة إلى وجود مسار تنازُلي ملحوظ في نسبة المشاركة بعدما بلغت 42.57% في الانتخابات التشريعية السابقة عام 2020 التي نظمت مع بداية جائحة كورنا، وإذا ما أُخذت نسبة الأصوات الباطلة التي تتجاوز 10% بعين الاعتبار فإن ذلك سيوضّح أن نسبة المشاركة الحقيقية أقل مما أعلنته وزارة الداخلية.

من المؤكد أن الانتخابات في بعض الدوائر ستحتاج إلى جولة الثانية لإعادة التصويت، كما هو الحال في طهران -على سبيل المثال- فقد أشارت مصادر إيرانية إلى أن عدد المشاركين في انتخابات طهران لم يتجاوز 24% ممن يحقّ له الانتخاب، وبالتالي فإن أبرز مرشحي طهران لم يتمكنوا من الفوز بثلث الأصوات، حيث حصل صاحب أعلى نسبة من الأصوات في طهران على 6% فقط من أصوات الناخبين أي نحو 59000 صوت من أصل نحو 10 ملايين صوت يحقّ له المشاركة في الانتخابات، ومن المرجَّح أن تكون جولة الإعادة أواخر شهر نيسان/ إبريل 2024 أو مطلع أيار/ مايو نظراً للاستحقاقات الطلابية -الامتحانات الجامعية- خلال شهر نيسان المقبل.

تُعَدّ هذه العملية الانتخابية اختباراً للسلطة التنفيذية الحاكمة والنظام الإيراني ككل، فهي الانتخابات الأولى التي تجري في البلاد بعد اندلاع الحركة الاحتجاجية التي أعقبت وفاة الشابة مهسا أميني في أيلول/ سبتمبر 2022 بتهمة عدم امتثالها لقواعد اللباس الإسلامي في البلاد، ومما يُعَدّ مؤشراً على أهمية هذه الانتخابات مدار الجدل الواسع الذي ارتبط بها، وتحذير مرشد الثورة الإيرانية "آية الله علي خامنئي" الناجحين في مجلس الخبراء والبرلمان من إثارة الجدل والعداء والخلافات، وهي المرة الأولى التي يخاطب فيها خامنئي النوّاب الفائزين مباشرة بعد الانتخابات بهذه الصيغة والوضوح. 

بالرغم من ضعف المشاركة في الانتخابات إلا أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي رحّب بمستوى المشاركة مؤكداً أن خطة مقاطعة الانتخابات "دبَّرها أعداء الخارج" لكنها لم تنجح، كما "فشلت أعمال الشغب عام 2022".

تُعَدّ هذه التصريحات مؤشراً على عُمْق الخلاف السياسي الداخلي الذي تمر به البلاد منذ نجاح الرئيس الحالي، فقد طالبت جبهة الإصلاح -وهي الائتلاف الرئيسي للأحزاب الإصلاحية- بمقاطعة الانتخابات كما رفضت المشاركة فيها واصفة إياها بأنها "انتخابات لا معنى لها" وذلك بعد استبعاد العديد من مرشحيها من قائمة المرشحين، وتوازى ذلك بامتناع الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي -الشخصية الأكثر تأثيراً في المعسكر الإصلاحي- عن الإدلاء بصوته للمرة الأولى.

في الآن نفسه فقد حرصت التيارات الموالية للنظام الإيراني الحالي على المشاركة، وعلى رأسهم حسن الخميني حفيد مؤسس "الجمهورية الإسلامية في إيران" الخميني، والرئيس السابق حسن روحاني، والرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، ورئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، وغيرهم من الساسة والفاعلين على الساحة السياسية في البلاد.

نظراً للمقاطعة من جانب الإصلاحيين وارتفاع نسبة الأوراق البيضاء التي تجاوزت 8% من مجموع الأصوات، وكذلك ارتفاع نسبة الأصوات الباطلة، فإن ذلك يفسّر كون غالبيّة الناجحين الجُدُد من التيار المحافظ والمتشدِّد، وعليه فإن سياسات مجلس الشورى القادم ستكون موجَّهة نحو القضايا الدينية بشكل واضح، وهو ما يسوّغه المحافظون بأن البرلمان يجب أن يكون متجانساً وثوريّاً في الوقت ذاته، بهدف العمل على دعم النظام القائم، وبالتالي من الممكن أن يكون البرلمان الإيراني القادم الأكثر راديكاليّة مقارنةً بالدورات السابقة، وعليه ستتوجه بوصلته نحو التدخُّل في القضايا السياسية والعلاقات الخارجية بشكل أكبر لصالح دعم إستراتيجيات الحرس الثوري والمرشد الأعلى في الخارج، وترسيخ رؤى النظام الحالي في قضايا مثل الحجاب والسيطرة على الفضاء الإلكتروني في الداخل.

إن إحجام نحو 59% من الناخبين عن التصويت من جهة، واحتساب الأصوات البيضاء التي رفضت التصويت لأحد من جهة أخرى يؤكد أن نسبة المشاركة الشعبية لم تتجاوز 35% ، وفي هذا مؤشر واضح على مدى الاستياء الشعبي إزاء السياسات الداخلية الراهنة، ومن أبرز مظاهرها تصاعُد التضييق على الإصلاحيين، وتقييد الحريات الشخصية وتصاعُد التطرف السياسي لدى مناصري النظام والمعارضة على حدّ سواء وتقييد النشطاء. 

إلى جانب ذلك فإن الحكومات المتتالية لم تنجح في خفض التضخُّم ومكافحة البطالة والحفاظ على استقرار سعر صرف التومان الإيراني أمام العملات الأجنبية، وعجز البرلمان عن تلبية تطلُّعات الناس في تحقيق مزيد من حرية التعبير، وهو ما يبدو أنه انعكس على المواطنين الإيرانيين من خلال التعبير عنه بعدم المشاركة في صناديق الاقتراع لقناعتهم بفِقْدان أصواتهم الأثرَ الحقيقيَّ في عملية صُنع القرار في إدارة البلاد، وعدم تحقيق الوعود التي دأب المرشحون على إطلاقها في الانتخابات الماضية، وانعدام فعالية الأحزاب السياسية ما عدا مواسم الانتخابات.

من المؤكد أن استمرار المسار التنازُلي لنسبة المشاركة في الانتخابات في إيران يمثل إنذاراً للنظام الحاكم، وهو ما يوجب عليه القيام بإصلاحات جدية حقيقية تمتص غضب الشارع -في حال تقبّل ذلك أصلاً- ومنح المواطنين المزيد من الحقوق في حرية الرأي والتعبير.