جمهورية السنغال.. بين تهديد الانقلاب وشبح الجماعات الجهادية
2024-02-22806 مشاهدة
مطلع شباط/ فبراير 2024 أعلن الرئيس السنغالي المنتهية ولايته ماكي سال تأجيل الانتخابات الرئاسية المقرّر عقدها في 25 من الشهر الجاري، كان وَقْع القرار المفاجئ صاخباً، فقد رفضت أحزاب عديدة في المعارضة القرار، واندلعت مظاهرات شعبية احتجاجية ضد التمديد للرئيس السنغالي، إلا أن البرلمان أجاز لاحقاً تمديد ولاية الرئيس عشرة أشهر أخرى، بعد أن كان مقرراً أن يغادر السلطة في نيسان/ إبريل المقبل، وهي الجلسة التي استغلها نواب المعارضة للتنديد بسياسة الرئيس الحالي، مما أدى لإخراجهم بالقوة من المجلس.
بالرغم من أن السنغال تُعرف بأنها أرسخ الدول الإفريقية ديمقراطية منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، إلا أن هذه الأزمة تهدد هذا "الاستقرار الديمقراطي"، وتزيد من احتمال تدخُّل العسكريين في مسارها، الأمر الذي لم يسبق حدوثه في السنغال.
ترجع جذور الأزمة السياسية الحالية في البلاد إلى التعديلات الدستورية التي تمت الموافقة عليها عام 2016، وبموجبها تم تقليص الولاية الرئاسية إلى ولايتين فقط، علماً أن الولاية الأولى للرئيس بدأت عام 2012، واعتبر أن ولايته قبل التعديلات الدستورية لا تُعتبر ضِمن الولايات المعدودة بعد التعديلات.
انتخابات السنغال ورحلة البحث عن خليفة
رفضت مفوضية الانتخابات ترشيح شخصين بارزيْنِ من المعارضة السنغالية، هما كريم عبد الله واد -نجل الرئيس السابق عبد الله واد- على خلفية اتهامه بعض قضاة المحكمة العليا بالفساد، والمعارض المعتَقَل عثمان سونكو الذي تلتفّ حوله الحركات الشبابية والنقابية.
من المحتمل في هذا السياق، أن مهلة الشهور العشرة قد تُعدِّل مسار الحسم الرئاسي وتتيح للرئيس اختيار مرشحٍ مقرَّب من فرنسا قادر على حسم السباق الرئاسي من الجولة الأولى، خاصة بعد ظهور إشاعات حول خلافات عميقة بدأت تظهر بين الرئيس ومرشحه أمادو باه، كما أن الوزير الأول السابق محمد عبد الله ديون، ووزير الداخلية السابق علي نغوي ندياي، أعلنا عن ترشُّحهما، وهم من الرموز المنشقة عن ركب الرئيس السنغالي.
يشتبه المحللون السياسيون في أن الرئيس يخشى من فوز المعارضة، حيث إن مرشحه أمادو باه متخلف في استطلاعات الرأي، ومن ثَمّ فإن خياره الأمثل، هو التنسيق مع كريم واد لقُرْبه من مؤسسات الدولة العميقة في البلاد، وكونه مدعوماً من قِبل فرنسا.
تحدِّيَات السياسة والاقتصاد
تسببت جائحة كورونا عام 2020 بتفاقُم أزمات التضخم والديون والبطالة، وكان الغزو الروسي لأوكرانيا سبباً في نقص المواد الغذائية في البلاد، وارتفاع تكاليف الكهرباء، وتزايُد الاستياء من الرئيس سال وحكومته، كما كشف البنك الدولي أن معدل الفقر تزايد في السنغال منذ 2022 ليصل إلى 38٪ مع ارتفاع التضخم والرسوم المعيشية والصحية وأسعار السلع الغذائية التي لم تستطع الحكومة ضبطها بعدُ.
يواجه الاقتصاد السنغالي تحدِّيات حادة مع اضطرابات سياسية تعصف بالبلاد منذ آذار/ مارس 2021، وبالرغم من تطوير قطاعَي النفط والغاز والبَدْء بإنتاجهما في البلاد أواخر 2023، إلا أن البلاد بحاجة ماسّة لتطوير قطاع الصناعة فيها وتهيئة البِنْية التحتية اللازمة لدعمه، خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب عام 2023 إلى نسبة 20% وهي النسبة الأعلى منذ 2006، كما يساهم تغيُّر المناخ أيضاً في تزايُد الفيضانات الساحلية والجفاف الداخلي، مما يهدد أهم مقومات المعيشة في الاقتصاد المحلي، حيث يكسب 75% من الناس رزقهم من مهنة صيد الأسماك والزراعة.
تُعتبر السنغال شريكاً رئيسيّاً للولايات المتحدة في غرب إفريقيا، فثَمة اتفاقية دفاع تسمح لعدد من الجنود الأمريكيين بحضور دائم في إطار الحرب ضد الإرهاب منذ أيار/ مايو 2016، حيث تُعَدّ السنغال واحدة من أكثر الديمقراطيات استقراراً في إفريقيا، وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تأجيل الانتخابات منذ حصولها على الاستقلال في عام 1960، وتمتلك واحداً من أكثر الجيوش الإفريقية احترافية وبُعْداً عن السياسة، وقد دفعت هذه الخصائص الولايات المتحدة إلى تطوير علاقات عسكرية ودولية وثيقة مع البلاد، بدءاً من اتفاقية الدفاع عن السنغال، وصولاً لإجراء تدريبات مشتركة مع القوات الأمريكية في إفريقيا.
في حزيران/ يونيو ،2023 أدان القضاء منافس الرئيس السنغالي الأول، "عثمان سونكو" بتهم تشهير وإفساد للشباب مما منعه من خوض الانتخابات، كما قام النظام بحل حزب سونكو المعارض في تموز/ يوليو 2023.
في هذا السياق، فإن تأجيل الانتخابات، وتراجُع الأجواء الديمقراطية في البلاد، قد يدفع إلى ظهور أجواء مشابهة لمسار الانقلابات في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، فبالرغم من عدم وجود مؤشرات على انقلاب بوركينا فاسو عام 2022 إلا أن الانقلاب الأول تلقى دعماً شعبيّاً واسع النطاق بعد ظاهرة انعدام الأمن والفساد، وقد تزايدت المشاعر المؤيدة للجيش في مالي وبوركينا فاسو بعد أن قامت الدولتان بإنشاء مجالس عسكرية لإدارة المرحلة الانتقالية فيها، وقد استغل قادة المجلس العسكري في بوركينا فاسو ومالي والنيجر المشاعر المناهضة لفرنسا والمعادية للغرب لتعزيز دعمهم الشعبي من خلال الخطابات التي تؤكد النِّدِّيّة في العلاقات مع فرنسا والغرب لصالح زيادة التعاون مع روسيا وتركيا التي قدمت كل واحدة منهما نفسها شريكاً أمنيّاً وعسكريّاً واقتصاديّاً بديلاً.
من الواضح أن المشاعر المعادية لفرنسا تتصاعد منذ بَدْء عام 2021 حيث اعتقل رئيس أكبر أحزاب المعارضة فيها عثمان سونكو، وإثر الإفراج عنه -قبل اعتقاله وحلّ حزبه لاحقاً في 2023- ظهر تأييد واسع له في النقابات الشبابية والعمالية المناهِضة لفرنسا.
القاعدة ومحاولة التمدُّد إلى السنغال
منذ عام 2015 حاولت القاعدة التمدُّد عَبْر جماعاتها الموالية لها في مالي إلى السنغال عدة مرات، وبلغ عدد المعتقلين في كانون الثاني/ يناير 2016 نحو 900 مشتبه بتعاوُنه مع القاعدة في عموم البلاد، مما يعني أن القاعدة لا تُفوِّت فرصة التغلغل في هذا البلد ذي الموقع الإستراتيجي في غرب إفريقيا.
كشف مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023 أن العمليات الجهادية "الإرهابية" في منطقة الساحل بلغت نسبة 43٪ من مجمل العمليات الجهادية في العالم، وهي النسبة الأعلى على مستوى العالم، وكانت مالي المحاذية للسنغال من الشرق رابع أعلى دولة في العالم في قائمة الدول الأكثر تضرُّراً من هذه العمليات وجاءت بوركينا فاسو ثانياً.
بالتأكيد فإن هذه التنظيمات لن تظل حبيسة دول شرق السنغال، وهي التي تؤمن بوجوب التمدُّد لنشر معتقداتها، خاصة أن ظروف التململ والانتقاد والاحتجاج بيئة مثالية لإيجاد مناصرين لها في الساحة السنغالية، وهي العوامل ذاتها التي استفادت منها هذه التنظيمات في دول الساحل، حيث الثغرات الحدودية وتصاعُد الفساد، وضعف سيادة القانون، والتدهور البيئي والاقتصادي.
يمكن لأعضاء جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المتمركزين غرب مالي الاستفادة من عدم الاستقرار في السنغال لإنشاء موطئ قدم لهم في شرق البلاد، فقد عززت الجماعة مواقعها منذ عام 2020 غرب مالي، وتضاعفت هجماتها في 2023 في مقاطعة كايس غرب مالي 300% مقارَنةً بعملياتها في المنطقة ذاتها عام 2020 ، علماً أنها لا تبعد أكثر من 300 كم عن الحدود الشرقية للسنغال.
في السياق نفسه، أعلنت الأجهزة الأمنية السنغالية تفكيك خلية لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين قرب الحدود مع مالي عام 2021، مما يشير إلى الرغبة في إنشاء قاعدة دعم خلفية على الأقل في السنغال.
ومن جملة المؤشرات على سعي الجماعة للعمل في شرق السنغال، قيام عناصر من الجماعة بالإشراف على طريق التهريب بين البلدين في المنطقة المذكورة، كما أنهم يقومون ببيع الماشية التي يجمعونها عَبْر الزكاة والإتاوات إلى الجانب السنغالي من الحدود، إلى جانب وجود عناصر سنغالية في صفوف المقاتلين، مما يزيد خطرَ إنشاء خلايا سنغالية محلية.
بالتأكيد فإن توسُّع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في السنغال سيكون سبباً ممهِّداً لفرص تعاوُن روسيا مع السنغال بهدف تعزيز العلاقات الأمنية مع السنغال، كما فعلت مع دول أخرى في غرب إفريقيا، فهل سنرى أرض السنغال ميداناً جديداً للتنظيمات الجهادية والإستراتيجية الروسية عما قريب؟