قد تؤثر وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على السياسة الإيرانية لعقود قادمة
2024-05-23867 مشاهدة
تنذر وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بفترة من الاضطراب في بلد جعل من نفسه مركزاً لصراعات متعدّدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وبغياب الرجل المرشَّح الأبرز لخلافة خامنئي, يزداد تعقيد هذا الملفّ تحديداً.
نص الترجمة:
انتهى مشوار الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، أحد المتشددين الذين ساهموا في قيادة إيران إلى مواجهة أعمق مع كل من إسرائيل والغرب منذ انتخابه في عام 2021، بعد أن اختفت مروحيته بعد فترة وجيزة من إقلاعها، عقب اجتماع مع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف عند الحدود بين البلدين.
كانت المشاهد القادمة من المنطقة التي تحطمت فيها مروحية تُقِلّ الرئيس الإيراني ووزير خارجيته وبعض الأفراد الآخرين في شمال غرب إيران، وفقدان فِرَق الهلال الأحمر الإيراني الاتصال بثلاثة من رجال الإنقاذ التابعين لها خلال الجهود التي شارك فيها 65 فريقاً للوصول إلى موقع تحطُّم المروحية مؤشراً جعل القيادة الإيرانية تعترف بحلول الليل، أن إبراهيم رئيسي ومَن معه ماتوا.
وبحسب ما ورد، كان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان على متن المروحية نفسها، إلى جانب مسؤولين كبار آخرين ورجال دين، وكانت المروحية واحدة من ثلاث طائرات سافرت في قافلة إلى الحدود الأذربيجانية للاحتفال بافتتاح سدّ على نهر آراس Aras الذي يفصل بين البلدين. حيث كان مشروع السد جزءاً من محاولة لتحسين العلاقات بين إيران وأذربيجان، والتي توترت بسبب علاقة أذربيجان الوثيقة مع إسرائيل.
إذا كانت الصور التي نشرتها وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية دقيقة، فإن رئيسي كان يحلق على متن طائرة هليكوبتر أمريكية الصنع من طراز Bell 212، والتي من المحتمل أن تكون قد تم شراؤها قبل الثورة الإسلامية عام 1979، ولقد جعلت العقوبات الغربية ضد إيران من الصعب على النظام شراء قطع تبديل جديدة لأسطوله القديم من طائرات الهليكوبتر.
إن وفاة السيد رئيسي من شأنها أن تقلب السياسة الإيرانية رأساً على عقب، ليس فقط في الأمد القريب ــ مع تولّي النائب الأول للرئيس محمد مخبر Mohammad Mokhber مهامه بشكل مؤقت إلى أن يتم اختيار خليفة للرئيس الراحل ــ بل وأيضاً لعقود مقبلة، فقد كان يُنظر إلى إبراهيم رئيسي على أنه المرشح الأبرز لخلافة المرشد الأعلى للبلاد، آية الله علي خامنئي، البالغ من العمر 85 عاماً.
وقالت مسيح علي نجاد Masih Alinejad، الصحافية الإيرانية المولد والناشطة في مجال حقوق المرأة والتي تعيش الآن في الولايات المتحدة: “إن وفاة رئيسي ستزيد من فوضى القيادة في الجمهورية الإسلامية”. وأضافت أنه مع خروج السيد رئيسي من الصورة، “لا يوجد مرشَّح واضح ليحلّ محلّ خامنئي حالياً”.
المرشد يلجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي في محاولة لبثّ حالة من الاستقرار
رغم قيام المرشد الأعلى للثورة الإيرانية بنشر تغريدة عَبْر حسابه المعتمد على منصة X يقول فيها: “يجب على الجميع أن يدعو من أجل صحة هؤلاء الأشخاص الذين يخدمون الأمة الإيرانية، لا داعي للقلق أو التوتر؛ لأن إدارة البلاد لن تتعطل مطلقاً في الوقت الحالي"، إلا أن حالة من القلق والريبة انتشرت ضِمن وسائل الإعلام الرسمية.
في الحقيقة إن لوفاة إبراهيم رئيسي تأثيراً لا يمكن التنبؤ به على الصراع الدائر في جميع أنحاء الشرق الأوسط الأوسع، ففي إشارة إلى وجود حالة من التأهب لدى جميع المهتمين في المنطقة، صدر بيان عن البيت الأبيض يقول إن الرئيس الأمريكي جو بايدن اطّلع على الوضع يوم الأحد ويراقب الأمور عن كثب.
إيران هي الداعم الأجنبي الرئيسي لحركة حماس، التي تخوض حرباً مع إسرائيل منذ هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، حيث أفادت التقارير بأن القتال أسفر عن مقتل أكثر من 35 ألف فلسطيني و1400 إسرائيلي. وتقوم طهران أيضاً بتمويل الميليشيات في لبنان والعراق واليمن التي ساعدت في زعزعة استقرار البلدان الثلاثة في السنوات الأخيرة. كما شنت تلك القوات الوكيلة هجمات على إسرائيل خلال الحرب في غزّة، وبعد غياب شخصية مثل رئيسي، لا بد أن هناك اضطراباً سيحدث.
وتبادلت إيران وإسرائيل ضربات مباشرة غير مسبوقة في الأشهر الأخيرة، حيث شنّت إسرائيل غارة جوية في الأول من نيسان/ إبريل استهدفت مجمعاً دبلوماسياً إيرانياً في العاصمة السورية دمشق، مما أسفر عن مقتل 18 شخصاً، من بينهم ثمانية أعضاء في الحرس الثوري الإسلامي الإيراني.
وردّت إيران بعد 12 يوماً بإطلاق أكثر من 300 صاروخ وطائرة بدون طيار على إسرائيل، على الرغم من أن إسرائيل والولايات المتحدة والأردن ودول أخرى أسقطت الغالبية العظمى منها قبل أن تصل إلى أهدافها المقصودة.
وقد أشارت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية إلى حد كبير إلى تحطُّم المروحية يوم الأحد على أنه "حادثة" - وليس اصطداماً أو تحطُّماً عادياً- مما يترك الباب مفتوحاً أمام احتمال أن تتهم طهران إسرائيل أو الولايات المتحدة بلعب دورٍ مَا فيما حدث.
يُعَدّ إبراهيم رئيسي البالغ من العمر 63 عاماً من المحافظين المُتشددين، ويشتهر بين الليبراليين الإيرانيين بالدور الذي لعبه كنائب المدعي العامّ في طهران وعضواً في "لجنة الموت" المكونة من أربعة أشخاص، في الإعدام الجماعي لآلاف المعارضين السياسيين في إيران في عام 1988. لقد تميزت فترة انتخابه في عام 2021 بتسجيل أدنى نسبة إقبال في تاريخ الجمهورية الإسلامية على الانتخابات، بعد منع معظم المنافسين الرئيسيين للسيد رئيسي من الترشح.
في عام 2022، عندما خرج المتظاهرون إلى شوارع طهران ومدن أخرى بعد وفاة مهسا أميني -وهي امرأة تبلغ من العمر 22 عاماً سُجنت بسبب ارتدائها حجاباً فضفاضاً للغاية- قام نظام السيد رئيسي مرة أخرى باتخاذ إجراءات صارمة ضدهم، وقُتل مئات المتظاهرين.
وانقسم ردّ الفعل على اختفائه بشدة يوم الأحد. فبينما أظهر التلفزيون الإيراني الرسمي صوراً لأشخاص يتجمعون في المساجد للصلاة من أجل صحة السيد رئيسي في نوع من أنواع تأجيل إعلان خبر موته، كان آخرون يحتفلون برحيل أحد المتشددين في النظام. وقالت السيدة علي نجاد إنها تلقت مقطع فيديو عن “إطلاق الألعاب النارية الاحتفالية التي تضيء سماء إيران بعد تحطُّم المروحية”. وقالت إن وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانية "غصّت بالفكاهات" التي تتحدث عن تحطُّم الطائرة.
وقال إيراج مصداغي Iraj Mesdaghi، وهو سجين سياسي سابق تم استجوابه أربع مرات من قِبل لجنة الموت في عام 1988، لصحيفة The Globe and Mail في تبادُل للرسائل إنه لم يكن من بين الذين احتفلوا بنهاية حياة رئيسي، وقال: “كنت أُفضّل أن نحاكمه على الجرائم التي ارتكبها خلال الـ 44 عاماً الماضية".
ترجمة: عبد الحميد فحام
المصدر: (The Globe and Mail)