ما دلالات زيادة الأنشطة الدعوية لداعش في موزمبيق؟
2024-05-201075 مشاهدة
تُعَدّ الدعوة لمبادئ التنظيمات الجهادية وأفكارها العقَديّة وسيلة أساسيّة لاستقطاب التأييد والمجنَّدين لصفوفها، إلا أن ذلك عادة ما يسبقه وجود قواعد وخلايا نائمة تنفّذ عمليات عسكرية بهدف توسيع النفوذ ومناطق الحضور.
بمتابعة أنشطة تنظيم داعش في نشر الأفكار الأيديولوجية له على الأرض، فإننا نلاحظ تصاعُداً لها بين عامَيْ 2013- و2017 في سورية والعراق، ومن ثَمّ تراجعت هذه الدعوات إلى حدّ العدم مع السيطرة على معاقل التنظيم في كِلا البلدين، ومنذ عام 2022 بدأت تظهر أنشطة دعوية للتنظيم على نحو خافتٍ غرب إفريقيا في دول الساحل (بوركينا فاسو، ومالي) ووسط إفريقيا (نيجيريا)، ثم ما لبثت أن تزايدت هذه الأنشطة عام 2024 مع تزايُد المناطق المسيطَر عليها من قِبل التنظيم.
بالرغم من ذلك، يلاحَظ منذ مطلع 2024 تركيز تنظيم داعش المستمر على تصعيد النشاطات الدعوية في مالي وموزمبيق، مما يوضّح مدى سيطرتهم في أجزاء مهمة من هذين البلدين، حيث تتفاعل مكاتبهم الشرعية والدعوية مع السكان المحليين من جهة، وتدعوهم لأفكارها من جهة أخرى، في ظل ثقة واضحة في قدرتهم على التحرك بحرية، وصعوبة استهدافهم من قِبل القوات الحكومية أو الميليشيات المحلّية، لبُعدهم عن مناطق السيطرة التي يتحركون فيها.
تشمل أنشطة الدعوة الكلمات الدينية بعد الصلوات المفروضة، وخطب الجمعة، وإقامة فعاليات مجتمعية ومسابقات في حفظ القرآن، إلى جانب زيارة بعض القرى المسيحية التي سيطر التنظيم عليها في شهرَيْ شباط/ فبراير وآذار/ مارس 2024 لدعوتهم للإسلام أو مطالبتهم بدفع الجزية.
يأتي هذا النشاط الدعوي للتنظيم في سياق هجومه الواسع وتقدُّمه في عدة مناطق داخل مقاطعة كابوديلغادو شمال شرقي موزمبيق، خاصة منطقة ماكوميا، وشيوري، حيث نشر التنظيم مطلع كانون الثاني/ يناير 2024 عشرات الدعاة للوصول إلى مختلف قرى ماكوميا على متن قوارب صيد نهرية صغيرة، ومع توسُّع رقعة المعارك جنوباً في منطقة شيوري، وسيطرة التنظيم على منطقتَيْ كيسانغا وموسيمبوا دا برايا، تصاعدت الأنشطة الدعوية للتنظيم في جميع القرى التابعة لهذه المناطق بين كانون الثاني/ يناير إلى نيسان/ إبريل 2024.
تركز الجهود الدعوية لعناصر التنظيم وشيوخه على أهمية التعرف على الدين وبيان مفاهيمه الأساسية كالتوحيد ونقائضه والولاء والبراء، والتحذير من موالاة الحكومة الموزمبيقية (الكافرة) كما في وصف عناصر التنظيم، وكذلك التحذير من مساعدة المدنيين من النصارى الذين يهاجم التنظيم قراهم، مع الإلحاح على المدنيين والشباب للانضمام إلى صفوفهم حيث يمكن أن يجدوا الاطمئنان الديني والروحي من جهة، والعوائد المادية عبر الغنائم والتحفيزات المالية من التنظيم من جهة أخرى، ومن المؤكد أن التنظيم يسعى عبر هذه الجولات الدعوية لتحقيق أهداف أخرى، أبرزها تحسين العلاقات بين السكان المحليين والوجوه الاجتماعية البارزة فيهم مع عناصر التنظيم.
تُعَدّ الدعوة واحدة من أبرز أدوات القوة "الناعمة" التي يُمكن للجماعات الجهادية استخدامها لجذب عناصر جديدة وترسيخ العلاقات البينية مع السكان المحليين، كما أنها مؤشر على مدى الاستقرار الذي وصلت إليه مناطق سيطرته ونشاطه، وبالتالي فإن التركيز على الدعوة العلنية يكشف عن مدى الطمأنينة الأمنية النسبية لداعش في العمل العلني في مناطق سيطرته داخل موزمبيق، كما أن تسليط الضوء بشكل روتيني على أنشطته الدعوية -في مالي ودول الساحل بشكل عامّ، وموزمبيق بشكل خاص- يساعد في بناء تصوُّر حول توجُّهات التنظيم الحَوْكميّة للمستقبل القريب.