اتفاق سنجار بين حكومتي بغداد واربيل

اتفاق سنجار بين حكومتي بغداد واربيل

2020-10-22
5200 مشاهدة

تمهيد

في أوائل أغسطس/آب 2014 سيطر تنظيم داعش على مدينة سنجار، 120 كيلومترا غرب الموصل، بعد سيطرته على مدينة الموصل وأجزاء واسعة من محافظات غرب وشمال غرب العراق في 10 يونيو/حزيران من نفس العام.

وتعرض الأيزيديون الذين يشكلون الغالبية العظمى من سكان القضاء لانتهاكات جسيمة على يد عناصر التنظيم من بينها التهجير القسري والإعدامات الميدانية والسبي وغيرها من جرائم موصوفة بانها جرائم إبادة ضد الأيزيديين.

وفي 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 نجحت قوات البشمركة الكردية بمساندة فصائل الحشد الشعبي والقوات الأمنية واسناد جوي مكثف من طيران التحالف الدولي في استعادة المدينة وطرد تنظيم داعش منها.

ولا يزال سكان المدينة يعيشون حالات قلق خوفا من عمليات انتقامية من العشائر العربية المحيطة بالقضاء، وهي عشائر على خلافات تاريخية معهم تمتد لعقود عززها سيطرة التنظيم على المنطقة ووجود اعداد مهمة من أبناء هذه العشائر في صفوفه.

في ذات الوقت، يعيش أبناء العشائر العربية في تلك المناطق حالة من القلق والخوف من عمليات انتقامية قد تشنها المجموعات الأيزيدية المسلحة المرتبطة بحزب العمال الكردستاني او الحشد الشعبي.

ومنذ تحريرها، فشلت جهود المصالحة بين العشائر العربية والأيزيديين الذين يطالبون تلك العشائر بتسليم أبنائها المتهمون بالانتماء للتنظيم، وهو ما ترفضه هذه العشائر التي تنكر صحة الادعاءات الأيزيدية.

وإلى جانب القوات الأمنية، تتواجد في المنطقة قوات وفصائل مسلحة تابعة لحزب العمال الكردستاني وحزبي الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني وفصائل مرتبطة بالحشد الشعبي منها ما هو تابع لمنظمة بدر/الجناح العسكري وغيرها، بالإضافة إلى فصائل مسلحة محلية.

وهناك ما لا يقل عن 15 ألف مسلح في منطقة سنجار، بينهم نحو 4 الاف ينتمون إلى مجموعات مسلحة أيزيدية بعضها مرتبط بالحشد الشعبي والأخر بحزب العمال الكردستاني، إضافة إلى مجموعات مسلحة أخرى بعضها من الاكراد السوريين.

يقع قضاء سنجار في محافظة نينوى على مسافة 120 كيلومترا إلى الغرب من مدينة الموصل، العاصمة الإدارية للمحافظة، ونحو 50 كيلومترا إلى الشرق من الحدود السورية في شمال شرق محافظة الحسكة.

ويعيش في القضاء وتوابعه الإدارية نحو 84 ألف نسمة، يُشكل الأيزيدون الغالبية العظمى من سكان مركز القضاء. ولا يزال نحو 60 الفا منهم يعيشون في المخيمات، بينما تعيش عشائر عربية في المناطق المحيطة بمركز القضاء من جهاته الثلاث، الشرق والغرب والجنوب، أما شمالاً وصولاً إلى الحدود مع تركيا فهي مناطق جبلية وعرة جداً تقطنها عوائل من الأكراد والأيزيدية.

ولا تخلو المنطقة من صراع نفوذ مستتر بين إيران ممثلة بعناصر العمال الكردستاني وفصائل الحشد الشعبي كمنطقة استراتيجية تربطها غرباً مع سوريا، وتركيا التي تجد في تهديدات حزب العمال الكردستاني وسيطرته على مساحات مهمة من المنطقة تهديداً لأمنها القومي يستدعي على الأقل تواجد استخباراتي على الأرض.

أولاً: القوى الفاعلة في سنجار

يؤدي تعدد القوى المتنفذة المسيطرة على المنطقة إلى تعقيد أكبر في إدارة المناطق وتحقيق الأمن والاستقرار وعودة النازحين وإعادة الاعمار.

في مارس/آذار 2017 شهدت المنطقة اشتباكات عنيفة بين قوات بيشمركة غرب كردستان "روج افا" التي تتشكل من مقاتلين سوريين حلفاء للحزب الديمقراطي الكردستاني ومجموعات تابعة لحزب العمال الكردستاني.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017 سيطرت القوات الأمنية العراقية وفصائل الحشد الشعبي على كامل المنطقة بعد إخراج قوات البشمركة الكردية منها في أعقاب القتال الذي أعقب الاستفتاء على استقلال الإقليم واستعادة تلك القوات مدينة كركوك والمناطق المتنازع عليها من قوات البشمركة.

ويُعتقد أن القوات الأمنية التي لا تزال تفرض حضورها في المنطقة؛ تلعب الدور الأصغر في إدارة الملف الأمني الذي تهيمن عليه فصائل الحشد الشعبي والفصائل المرتبطة بحزب العمال الكردستاني.

ثانياً: الاتفاق الأخير في سنجار

في 10 تشرين الأول/أكتوبر وقّعت حكومة إقليم كردستان، ومثلها وزير الداخلية ريبر أحمد، والحكومة الاتحادية، ومثلها وكيل رئيس جهاز الأمن الوطني، حميد رشيد فليح اتفاقاً لإدارة الأوضاع في سنجار.

يتضمن الاتفاق ثلاثة محاور، إداري وأمني ومحور إعادة الاعمار:

1) المحور الإداري

  • يصار إلى اختيار قائمقام جديد لقضاء سنجار، والنظر بالمواقع الإدارية الأخرى من قبل اللجنة المشتركة المشكلة من الطرفين.

2) المحور الأمني

  • تتولى الشرطة المحلية وجهازا الأمن الوطني والمخابرات حصراً مسؤولية الأمن في داخل القضاء وإبعاد جميع التشكيلات المسلحة الأخرى خارج حدود القضاء.
  • تعيين 2500 عنصر ضمن قوى الأمن الداخلي في سنجار.
  • إنهاء تواجد منظمة حزب العمال الكردستاني من سنجار والمناطق المحيطة بها، وألا يكون للمنظمة وتوابعها أي دور في المنطقة.

وتعني البنود السابقة أن كل ما هو أمني سيصبح ضمن نطاق سلطات القوات الأمنية التابعة للحكومة الاتحادية بعيداً عن أي دور لفصائل الحشد الشعبي أو حزب العمال الكردستاني.

3) محور إعادة الاعمار

  • تشكيل لجنة مشتركة من الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان لإعادة إعمار القضاء بالتنسيق مع الإدارة المحلية في نينوى.
  • تشكيل لجنة ميدانية مشتركة لمتابعة تنفيذ سير ما جاء في الاتفاق.

ثالثاً: أثر الاتفاق على الفاعلين

1. الحكومة العراقية

جاء هذا الاتفاق كنتيجة للزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى إقليم كردستان في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، ولذا فإنّ الكاظمي يعوّل عليه شخصياً، ويرى فيه مدخلاً لتسوية العلاقة بين بغداد وأربيل، كما يرى أنه يساعد في الحد من نفوذ الفاعلين دون مستوى الدولة (الحشد وحزب العمال)، ويعزز سيطرة قوات الجيش والشرطة المركزية على مناطق أوسع.

2. إقليم كردستان

تتطلع حكومة إقليم كردستان بإيجابية وتفاؤل للاتفاق، إذ ترى أنه يُساهم في إعادة بناء الثقة وتعزيزها مع الحكومة الاتحادية، على أن تعقبها خطوات أخرى لمعالجة كل الخلافات العالقة.

3. الولايات المتحدة

تدعم الولايات المتحدة هذا الاتفاق، نظراً لنتائجه التي تزيد من سيطرة الدولة المركزية، وتحدّ من النفوذ الإيراني في الشمال، سواء من خلال الحشد الشعبي أو حزب العمال الكردستاني.

4. حزب العمال الكردستاني

كان أول حضور لحزب العمال الكردستاني في قضاء سنجار ومحيطة في 3 أغسطس/آب 2014 بعد انسحاب قوات البشمركة الكردية وسيطرة تنظيم داعش على المدينة.

وواجهت قيادات قوات البشمركة المسؤولة عن حماية المدينة تهمة "الهروب" أمام المحاكم العسكرية في إقليم كردستان.

استغل الحزب الفراغ الأمني ليقوم فوراً بتشكيل عدد من المجموعات المسلحة من متطوعين أيزيديين، مثل وحدات حماية المراة في سنجار ووحدات مقاومة شنكال (سنجار) التي تتلقى وفقاً لمصادر رسمية كردية دعما من الحكومة المركزية، حيث تمّدهم بالعتاد والأسلحة والرواتب (لحوالي 1000 مقاتل منهم) باعتبارها قوة تابعة للحشد الشعبي.

ووفقا لتصريحات رئيس هيئة أركان قوات البشمركة الفريق جمال ايمينكي، فإنّ الحكومة المركزية تقوم عملياً بدفع رواتب مقاتلي حزب العمال الكردستاني عن طريق ميزانية الحشد الشعبي.

وتشير تقديرات إلى أن قوات حماية شنكال (سنجار) تبلغ نحو 5 الاف مقاتل من الرجال والنساء.

يفرض الحزب سيطرته على مئات القرى (658 قرية على الأقل) في محافظات إقليم كردستان دون ان يكون له أي تواجد سابق في محافظة نينوى قبل سقوط مدينة الموصل في 10 يونيو/حزيران 2014.

ويشكل تحالف حزب العمال الكردستاني مع الحشد الشعبي وتنسيقهما الميداني معا في جغرافية غرب الموصل وصولا إلى الحدود السورية مرورا بسنجار، مساحة مضافة لتعزيز النفوذ الإيراني في شمال العراق، بما يهدد الامن القومي والمصالح التركية في مجالها الحيوي التقليدي بمحافظة نينوى.

ويعتقد حزب العمال الكردستاني أن الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل يتعاون مع تركيا في حربها ضد مقاتليه، وان الحزب بصفته حزباً سياسياً سيواصل التواجد في كل أجزاء كردستان على الرغم من سعي أنقرة لتقويض الدور الذي يقوم به الحزب من خلال دعم مكانة ودور الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البارزاني.

5. تركيا

مُنذ توقيع اتفاقية اضنة بين الحكومتين التركية والسورية في عام 1998 انتقل مقاتلو حزب العمال الكردستاني من معسكراتهم على الأراضي السورية إلى منطقة جبل قنديل في محافظة أربيل على الحدود مع إيران.

تتوقع تركيا ان يؤدي اتفاق سنجار إلى مزيد من التعاون الأمني بين حكومتي أربيل وبغداد لإضعاف نفوذ حزب العمال الكردستاني والقضاء عليه وعلى تنظيم داعش وامتداداتهما في المنطقة.

وترى تركيا ان الاتفاق سيخفف عليها من أعباء المواجهة مع حزب العمال الكردستاني الذي يتوقع ان يخوض مواجهات مع القوات الأمنية في حال حاولت إرغام مقاتليه على إخلاء مواقعهم داخل المدينة أو في محيطها.

كما ان الاتفاق سيساهم في إضعاف نفوذ فصائل الحشد الشعبي الحليفة لإيران والتي تعتقد تركيا ان وجودها يعطي قوة لإيران في التنافس على النفوذ في شمال العراق، خاصة أن تلك الفصائل مستمرة في تهديد الوجود التركي بالعراق.

6. الإدارة الذاتية الديمقراطية لسنجار

ترفض الإدارة الذاتية الديمقراطية لسنجار القريبة من توجهات حزب العمال الكردستاني والتي يشارك فيها عدد من الأحزاب والجهات السياسية الأيزيدية وتتولى حالياً ادارة القضاء، اتفاق سنجار وترى انه لا يمكن القبول باي اتفاق دون مشاركة الإدارة الذاتية بالمباحثات، وان تكون طرفا أساسيا مع دعوات لجميع مكونات سنجار إلى رفض الاتفاق.

وخلافا لسياسات الحزب الديمقراطي الكردستاني تتبنى الإدارة الذاتية مواقف مؤيدة لحزب العمال الكردستاني الذي رفض نتائج الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، او إجراء الاستفتاء في مناطق سيطرتها.

ولا تعترف حكومة الإقليم بالإدارة الذاتية لقضاء سنجار باعتبارها مخالفة للدستور العراقي من شأنها زيادة التوترات السياسية.

7. الحشد الشعبي والكتل السياسية الشيعية الحليفة لإيران

ترى القوى الشيعية أن الاتفاق يمثل خضوعاً لإرادة حكومة الإقليم، ولذا فقد أطلقت دعوات لرفض الاتفاق لأنه يخالف الدستور العراقي ويؤدي إلى مزيد من الخلافات.

وعلى الرغم من بعض المواقف غير التصعيدية لفصائل الحشد الشعبي التي رفضت الاتفاق، الا ان قيادات الحشد التي تدرك في مرحلة الاستهداف التي تتعرض لها من الولايات المتحدة وحكومة مصطفى الكاظمي انه ليس من مصلحتها في هذه المرحلة مخالفة الاتفاق الذي تبناه رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة الذي تربط به تلك الفصائل بشكل مباشر.

هناك تخوف من الكتل السياسية الشيعية بأن يؤدي اتفاق سنجار إلى ضم القضاء مستقبلا لإقليم كردستان، وان الاتفاق في حقيقته يأتي ضمن استهداف الحشد الشعبي بالتنسيق بين حكومتي بغداد واربيل وتعاون امريكي.

وتدعو قيادات الحشد الشعبي التي ترى في الاتفاق تمهيد عملي لإبعاد فصائلها عن المنطقة إلى رفض الاتفاق وان يكون هناك موقف يتناسب مع أهمية الاتفاق وخطورته.

رابعاً: المصير المحتمل للاتفاق

يواجه الاتفاق عدداً من التحديات، أهمها:

  • أن تدمير البنية التحتية سيُعقّد من آليات تنفيذ الاتفاق، وخاصة فيما يتعلق بإعادة النازحين.
  • ستكون هناك حاجة لعودة قوات البشمركة إلى المنطقة، مع وجود إسناد من طيران التحالف الدولي، طالما ظل تهديد تنظيم داعش قائماً.

من المتوقع في حال نجاح اتفاق سنجار ان تتفاوض الحكومة العراقية مع حكومة الإقليم على حل الخلافات حول مدينة كركوك وفق اتفاق مشابه لإدارة المدينة بشكل مشترك، بعد إخراج القوات التابعة للحشد الشعبي منها، كما في اتفاق سنجار.

ويضمن الاتفاق إبعاد جميع التشكيلات المسلحة الأخرى، أي حزب العمال الكردستاني الذي أشار اليه الاتفاق صراحة، وفصائل الحشد الشعبي التي لم يذكرها الاتفاق لحسابات خاصة، مكتفياً بتحديد مسؤولية الأمن في داخل القضاء لكل من "الشرطة المحلية وجهازا الأمن الوطني والمخابرات حصراً".

سيكون من المهم للولايات المتحدة ان يكون شمال العراق خاليا من أي تواجد لفصائل الحشد الشعبي لضمان أمن قنصليتها في أربيل وقواتها المتواجدة في قاعدة حرير.

من المحتمل أن يؤدي الاتفاق إلى مواجهات مع الحشد الشعبي هناك ومع حزب العمال الكردستاني الذي يرفض الاتفاق، وليس من المتوقع قبوله بمغادرة المنطقة بشكل سلس استجابة للاتفاق، كما ان الحشد الشعبي لا يمكن له أن يخسر مناطق نفوذ في العمق السني وعلى الطريق البري بين إيران وسوريا.