أبعاد تصنيف الحرس الثوري الإيراني كياناً إرهابياً

أبعاد تصنيف الحرس الثوري الإيراني كياناً إرهابياً

2023-01-31
1323 مشاهدة


تأسس الحرس الثوري الإيراني في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979، بقرار من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، الإمام الخميني، وذلك بهدف حماية النظام الناشئ، وخلق نوع من توازُن القوى مع القوات المسلحة النظامية.

فبعد سقوط الشاه، أدركت السلطات الجديدة، أنها بحاجة إلى قوة كبيرة تكون ملتزمة بأهداف النظام الجديد والدفاع عن "قيم ومبادئ الثورة"، وصاغ قادة الثورة قانوناً جديداً يشمل كلاً من القوات العسكرية النظامية، وتُناط بها مهمة الدفاع عن حدود البلاد، وحفظ الأمن الداخلي، وقوات الحرس الثوري (الباسدران) وتكلف بحماية النظام الحاكم.

لكن تداخلت أدوار القوتين فالحرس الثوري يقوم أيضاً بمهام المساعدة في حفظ النظام العامّ، ويعزز باستمرار من قوته العسكرية، والبحرية، والجوية. وتحوّل إلى قوة عسكرية، وسياسية، واقتصادية كبيرة في إيران.

وفي أعقاب دمج قوات "البسيج" (المتطوعين) بالحرس الثوري تم تعديل إستراتيجية الحرس بناء على توجيهات المرشد الأعلى وأصبحت "المهمة الرئيسية له، وَفْق المسؤولين الإيرانيين، هي التصدي لتهديدات أعداء الداخل أولاً، ومساعدة الجيش لمواجهة التهديدات الخارجية".

ويُقدَّر عدد أفراد الحرس الثوري بنحو 125 ألف عنصر، ولديه قوات أرضية، بالإضافة إلى وحدات بحرية وجوية، ويشرف على أسلحة إيران الإستراتيجية، بجانب قوات "البسيج"، التي تُعرف بقوات التعبئة الشعبية، وهي تابعة للحرس الثوري وتضمّ حوالَيْ 90 ألفاً من الرجال والنساء، وتشير بعض التقديرات إلى أن "البسيج" لديها القدرة على حشد حوالَيْ مليون متطوع عند الضرورة، ومن مهامّ البسيج الأساسية "التصدي للأنشطة المناهضة للنظام داخل البلاد.

أما فيلق القدس، فهو أحد أذرع الحرس الثوري، ويتولى تنفيذ مهام حسّاسة في الخارج مثل تقديم الأسلحة والتدريب للجماعات المقربة من إيران في مختلف دول العالم، وبرز دوره بقوة في العراق وسورية ولبنان منذ 2003 وحتى الآن، كما أن للحرس حضوراً مؤثراً في مختلف السفارات والبعثات الدبلوماسية الإيرانية في العالم، وهو ما يساعده في القيام بمهامّ استخباراتية من ناحية، ودعم حلفاء إيران من ناحية ثانية.

ويتبع الحرس الثوري المرشد الأعلى للثورة الإيرانية مباشرةً، فهو القائد الأعلى للقوات المسلحة في البلاد، كما أن الحرس يسيطر على نحو 35% (وَفْق بعض التقديرات غير الرسمية) من الاقتصاد الإيراني، من خلال تحكُّمه في العديد من المؤسسات والصناديق الخيرية والشركات في العديد من القطاعات والنشاطات.

وأمام هذه الاعتبارات، وأمام الدور الذي قام به الحرس في مواجهة الاحتجاجات التي شهدتها إيران بعد مقتل "مهسا أميني" في 16 سبتمبر/ أيلول 2022، أقر وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات جديدة على إيران، كما ناقشوا إمكانية تصنيف الحرس الثوري "كياناً إرهابياً"، وذكر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي أنه لا يمكن إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة الكيانات الإرهابية إلا بعد صدور قرار من محكمة في إحدى دول الاتحاد يفيد بذلك.

وقالت وزيرة الخارجية الألمانية: إن برلين ترحب بجهود يبذلها قادة الاتحاد الأوروبي لإدراج الحرس الثوري ضِمن قائمة التنظيمات الإرهابية. وأضافت: "ما زلنا نرى في إيران نظاماً وحشياً ضد شعبه. إن النظام الإيراني والحرس الثوري يرهبان شعبهما يوماً بعد يوم".

وفي مقابل هذه التصريحات قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية: إن بلاده أبلغت مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي رفضها قرار البرلمان الأوروبي إدراج الحرس الثوري ضمن قوائم الإرهاب، وأضاف أن أي إجراء ضد الحرس الثوري "يُعَدّ تهديداً مباشرا للأمن القومي الإيراني" وأن رد طهران سيكون متناسباً مع أي إجراء يقوم به الاتحاد الأوروبي.

ومن جانبه قال قائد الحرس الثوري: إنه في حال قررت الدول الأوروبية أن تتخذ إجراءات سلبية ضد الحرس الثوري، فإن الردّ الإيراني سيجعلها تندم، وقال رئيس البرلمان الإيراني: إن العقوبات الأمريكية على إيران وروسيا تُعَدّ أهم تهديد في الوقت الراهن، وإن الضغوط على إيران وروسيا تتطلّب العمل المشترك والتعامل الإستراتيجي لتجاوُز هذه المرحلة".

وفي إطار التصريحات وردود الأفعال المتبادلة يمكن القول: إن التفكير الأوروبي في تصنيف الحرس، يرتبط بالعديد من الاعتبارات، أولها: تشديد الضغوط على النظام الإيراني للإصلاح السياسي ودعم المعارضة الإيرانية التي تَصاعَد حضورها خلال الأشهر الخمسة الأخيرة في ظل موجة الاحتجاجات والاعتقالات والقتل والإعدامات التي تعرض لها المحتجون.

وثانيها: الضغط على إيران في العديد من الملفات الإقليمية والدولية مثل: الدور الإيراني في الحرب الأوكرانية، العلاقات "الإيرانية ـ الروسية"، العلاقات "الإيرانية ـ الصينية"، الدور الإيراني في العراق وسورية ولبنان، أزمة الملف النووي الإيراني.

ومن ناحية ثانية، تصنيف الحرس الثوري الإيراني على أنه جماعة إرهابية من شأنه أن يجرم الانتماء إلى الجماعة أو دعمها، وبالتالي فرض عقوبات على كل مَن ينتمي إليها وتجميد أصولها في البلدان التي تم إدراجها فيها في قائمة الإرهاب، ولن يُسمح لأي مواطن أو شركة هناك بالتبرع لها، وهو ما يعني فتح ساحة مواجهة مفتوحة بين الدول التي ستصنف الحرس كياناً إرهابياً وإيران.

لكن في المقابل هناك تشكُّك كبير في إمكانية تضرر عمليات الحرس الثوري الإيراني في الخارج؛ لأن إيران فعلياً تخضع للحصار والعقوبات منذ سنوات، وامتلكت قدرة كبيرة على إدارة أعباء هذا الحصار وتلك العقوبات، ولذلك يذهب البعض إلى أن التصنيف سيبقى إجراءً رمزياً، دون أن تكون له تَبِعات حقيقية على الحرس، الذي أصبح يمتلك نفوذاً وشبكات واسعة في العديد من الدول، وعَبْر العديد من الحلفاء بواجهات ومسميات مختلفة، مما يشكل عقبة حقيقية أمام اعتبار التصنيف تهديداً له.

كما أن التصنيف من شأنه أن يزيد من اتساع الهُوَّة بين إيران والدول الأوروبية، وبالتالي يدفعها لتعزيز وترسيخ شراكاتها مع كل من روسيا والصين، وهو الأمر الذي لا يصبّ في الأخير في صالح أوروبا والولايات المتحدة في هذه المرحلة التي تتعاظم فيها تداعيات وتحدِّيَات وتطوُّرات الحرب الأوكرانية.