إسرائيل وإيران على مفترق الطرق: هل تتسع دائرة الصراع في الشرق الأوسط؟
2024-11-01145 مشاهدة
شهد عام 2024 تصاعُد المواجهات بين إسرائيل وإيران، وخروج المواجهات عن شكلها التقليدي إلى ضربات مباشرة ومعلَنة يوجهها كل طرف للآخر.
يناقش هذا المقال الذي نشره موقع معهد الولايات المتحدة للسلام (USIP) بقلم كل من غاريت نادا Garrett Nada و روبرت بارون Robert Barron سياق التصعيد الإيراني الإسرائيلي المتبادَل، وما خيارات الطرفين في الردّ مستقبلاً؟
نص المادة المترجمة:
قام سلاح الجو الإسرائيلي بتنفيذ سلسلة من الغارات الدقيقة والموجّهة على أهداف عسكرية في إيران خلال الساعات الأولى من يوم السبت 26 تشرين الأول/ أكتوبر2024، وكانت هذه أحدث ضربات في سلسلة من الهجمات المتبادلة المباشرة بين إسرائيل وإيران في الأشهر الأخيرة.
طالت الهجمات الإسرائيلية 20 موقعاً، من ضمنها بطاريات نظام الدفاع الجوي الإيراني والرادارات، ومصانع إنتاج الصواريخ والطائرات المُسيَّرة، ومواقع لإطلاق هذه الصواريخ والمسيرات، وأ علن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الهجوم ألحق أضراراً جسيمة بنظام الدفاع الإيراني وبقدرة إيران على إنتاج الصواريخ، من جانبها أعلنت الحكومة الإيرانية مقتل 4 عسكريين ومدني واحد، واتخذت رد فعل أكثر هدوءاً مما كان متوقعاً.
وكانت الأزمة قد بدأت في الشرق الأوسط منذ هجوم حركة حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر (2023) ثم الرد الإسرائيلي الذي توسع خلال عام، ليشمل لبنان وسورية وإيران واليمن وغيرها من البُلدان، وقد أثارت الضربات الإسرائيلية على طهران يوم السبت مخاوف من تصعيد الصراع بين إسرائيل وإيران.
ما الذي حمل إسرائيلَ على توجيه ضربة لإيران؟ وما الحسابات الإسرائيلية أصلاً؟
لطالما اتَّسمت العلاقة بين إسرائيل وإيران بالعداء، وكان هناك الكثير من المواجهات بين الطرفين منذ عقود، لكن العام الماضي شهد تصعيداً غير مسبوق في مستوى التوترات بينهما، فبعد التحذيرات الإسرائيلية المتكررة لإيران حول قيام الأخيرة بدعم جماعات في الشرق الأوسط تُعرف بـ "محور المقاومة"، والتي تشكل تهديداً لإسرائيل، وقع هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وهو الهجوم الذي جاء بعد سنوات من دعم إيران لحماس بالأسلحة والموارد، إلى جانب دعم حزب الله في لبنان، والميليشيا المسلحة في سورية والعراق، والحوثيين في اليمن، الأمر الذي زاد من توسُّع نفوذ إيران في المنطقة بشكل كبير، ثم قامت هذه الجماعات المدعومة من إيران بالانضمام بدرجات متفاوتة إلى المعركة التي تخوضها حماس ضد إسرائيل، مما فتح جبهات جديدة يتعيَّن على إسرائيل مواجهتها.
كان هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر شرارة أشعلت مواجهة مباشرة بين إسرائيل والجماعات المرتبطة بإيران، وبعد عدة أشهر تحوّل الصراع إلى مرحلة جديدة وخطيرة من المواجهة المباشرة التي كانت كِلتا الدولتين (إيران وإسرائيل) تسعى لتجنّبها.
في 1 نيسان/ إبريل 2024 شنّت القوات الإسرائيلية غارة على القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، مما أدى إلى مقتل القيادي البارز في الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد رضا زاهدي ونائبه، وبعد أسبوعين ردت إيران بإطلاق 300 صاروخ وطائرة مُسيّرة على إسرائيل، وقد تم إحباط معظمها بواسطة تحالف إقليمي بقيادة الولايات المتحدة.
بعد هذه الضربات المتبادَلة بدا أن الطرفين شعرا بأن المواجهة بينهما ينبغي أن تعود لما كانت عليه قبل هذه الهجمات والهجمات المضادّة، وعادا إلى الحرب الخفيّة التي كانت قائمة قبل مطلع نيسان/ إبريل.
عادت التوترات المباشرة مرة أخرى لتتصاعد خلال الصيف، ففي 31 تموز/ يوليو (2024) قُتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في انفجار بطهران، وهو هجوم نُسب تنفيذه إلى المخابرات الإسرائيلية، وقد حدث ذلك بعد ساعات من مقتل قائد بارز في حزب الله في بيروت، فقام المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بالتوعّد بأن إسرائيل "ستُعاقب بقسوة"، لكن اتفاق وقف إطلاق النار المحتمل بين إسرائيل وحماس بدا أنه أخَّر رد إيران.
بعد أسابيع وتحديداً في أيلول/ سبتمبر (2024) شنّت إسرائيل هجوماً جوياً على لبنان، قُتل فيه زعيم حزب الله حسن نصر الله والقيادي في الحرس الثوري الإيراني الجنرال عباس نیلفروشان، وجاء الرد الإيراني على إسرائيل في 1 تشرين الأول/ أكتوبر بإطلاق حوالَيْ 180 صاروخاً بالستياً نحو إسرائيل، فتحوّلت الأنظار في كل أنحاء العالم لمراقبة تسارع هذا التصعيد، الذي يُنذر باشتعال حرب إقليمية شاملة.
لقد كانت طريقة الردّ الإسرائيلي على الهجمات الصاروخية الإيرانية التي أُطلقت مطلع تشرين الأول/ أكتوبر محل تكهنات لأسابيع، وكان لدى كثيرين -بما في ذلك إدارة الرئيس الأمريكي بايدن- قلقٌ من أن يؤدي رد إسرائيل إلى تفاقُم الأزمات في المنطقة، مما يستدعي رداً إيرانياً أكبر، ثم هجوماً إسرائيلياً مضاداً، وهكذا دواليك، لكن الهجوم الإسرائيلي على المنشآت الإيرانية صباح السبت 26 تشرين الأول/ أكتوبر بدا (على الأقل لبعضهم) أنه أخذ هذه المخاوف في الاعتبار، فلم تستهدف إسرائيل المنشآت النووية أو منشآت الطاقة أو مقرات القيادة الإيرانية، وإنما تم تنفيذ الضربات خارج المناطق المكتظة بالسكان لتجنب وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين، ومثل الجولات السابقة فإنه يتمكن كِلا الطرفين من الادعاء بتحقيق انتصار بمثل هذه الضربات، وبالتالي العودة للتهدئة.
على الرغم من أن العملية الإسرائيلية في إيران كانت محدودة نسبياً، لكنها أُنجزت بطريقة إستراتيجية لتحقيق أهداف محددة دون اللجوء إلى أقصى درجات التصعيد، فالقيادة الإسرائيلية بلا شك ترى أن الهجوم حقق هدفين رئيسيين، هما إضعاف قدرات إيران فيما يتعلق بمنظومة الدفاع الصاروخي والطائرات المسيرة، مما سيكون مفيداً في حالة شنّ إسرائيل غارات جوية مستقبلية، وتوجيه رسالة للقيادة الإيرانية مفادها أن إسرائيل تمتلك القدرة والوصول الكافي لإلحاق أضرار جسيمة إذا اختارت ذلك أو في حالة اندلاع حرب أوسع.
تُعَدّ هذه العملية أول عملية مباشرة تعلن إسرائيل تنفيذها داخل إيران، وبالتالي فإنه إضافة إلى إضعاف القدرات العسكرية التي نتجت عن الضربة، يمكن النظر للعملية الإسرائيلية على أنها محاولة ردع لإيران عن اتخاذ إجراءات تصعيدية، ومع ذلك فإنه لا يزال غير واضح ما إذا كان هذا الردع سيتحقق بالفعل، وما إذا كان من الممكن إيجاد مسار لخفض التصعيد بين الأطراف، والأمر يحتاج إلى مراقبة وتقييم في المستقبل.
ما ماهِيَّة الردّ الأوليّ لإيران؟ وكيف قد تُقرر الردّ بضربة مضادّة؟
في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على إيران قلّلت القوات المسلحة الإيرانية من حجم الهجوم، مُدّعية دون تقديم أدلة أن الدفاعات الجوية تصدت للطائرات الإسرائيلية واعترضت الصواريخ، وجاء في بيان لهيئة الأركان المشتركة الإيرانية : "تم منع طائرات العدو من دخول المجال الجوي للبلاد، ولم يتسبب الهجوم إلا بإحداث أضرار محدودة"، بينما أقرت إيران بأن قواعد عسكرية بينها رادارات تعرضت للقصف في كل من طهران وخوزستان وإيلام، دون تقديم تفاصيل إضافية، كما أعلنت عن مقتل 4 جنود من الجيش النظامي، وأشار البيان العسكري إلى أن إيران قد تُظهر ضبط النفس إذا تم تنفيذ "وقف إطلاق نار دائم" في قطاع غزّة ولبنان.
ردود فعل القادة الإيرانيين كانت هادئة نسبياً، فقد احتفظوا بحق الرد، لكنهم لم يتعهدوا بشكل صريح بالانتقام من إسرائيل كما كانوا يفعلون في الهجمات السابقة، وقد حذّر المرشد الأعلى الذي يمتلك الكلمة النهائية في جميع شؤون الدولة من أن الهجوم لا ينبغي التقليل من شأنه، وأنه "يجب إيقاف حسابات إسرائيل الخاطئة". لكنه أحال مسؤولية تحديد الرد إلى المسؤولين الآخرين، وقال: "بالطبع، يجب أن يكون مسؤولونا هم من يقيّمون ويدركون بدقّة ما يجب القيام به، وأن يفعلوا ما هو في مصلحة هذه البلاد والأمة".
في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على إيران تواجه طهران معضلة صعبة، فإذا لم ترد بهجوم مضاد، فقد تبدو ضعيفة، مما قد يُضرّ بمكانتها الإقليمية، ومع ذلك فإنها قد تتردد في الردّ خشية أن يؤدي ذلك إلى ردّ إسرائيلي أكثر تدميراً، خاصة مع الحديث عن استهداف إسرائيل لبطاريات الدفاع الجوي، مما قد يجعل إيران أكثر عرضة للهجمات المستقبلية، ويبدو أن إسرائيل التزمت بتوجيهات الولايات المتحدة بعدم استهداف المنشآت النفطية أو النووية الإيرانية، لكن هذا قد لا يستمر في المستقبل، وفي حال الهجوم على المنشآت النفطية فستكون ضربة كبيرة لاقتصاد إيران الذي يعاني مسبقاً منذ سنوات بسبب العقوبات الأمريكية.
أيضاً تحتاج إيران إلى إعادة النظر في استخدام صواريخها البالستية المتبقية، فقد أفادت تقارير بأن الطائرات الحربية الإسرائيلية قامت بتدمير خلاطات كانت تُستخدم لإنتاج وقود الصواريخ، مما قد يستغرق عاماً أو أكثر لإعادة تصنيعها، ومن الصعب على طهران أن تدخل في تبادل إطلاق صواريخ جديد دون القدرة على تجديد مخزونها.
يوجد خيار آخر لطهران، وهو الردّ بشكل غير مباشر من خلال شبكة حلفائها ووكلائها، بما في ذلك حزب الله والحوثيون، لكن هذا الخيار محفوف أيضاً بالمخاطر، فقد واجهت بعض الميليشيات فيما يسمى "محور المقاومة" خسائر كبيرة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بما في ذلك مقتل قادة بارزين من حزب الله وحماس، واستمرار التصعيد قد يُضعف هذه الميليشيات وقدرتها المتبقية على ردع إسرائيل.
قد تفضل طهران عزل إسرائيل من خلال الدبلوماسية، ففي وقت سابق من تشرين الأول/ أكتوبر (2024) قام وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بجولة في عدة دول عربية، بما في ذلك البحرين ومصر والأردن والعراق والكويت وعمان وقطر والسعودية، في محاولة لتعزيز العلاقات مع الفاعلين الإقليميين الآخرين وتخفيف التوترات معهم، والعمل على تهميش إسرائيل.
كيف يمكن أن تؤثر الضربة الإسرائيلية الأخيرة على الحسابات الإستراتيجية الإيرانية؟
قد تفكر إيران في بدائل لإستراتيجيتها المعروفة بـ "حلقة النار" لمواجهة إسرائيل، نظراً لفشل حزب الله وغيره من الميليشيات الحليفة لطهران في ردع الهجمات على الأراضي الإيرانية، ويمكن أن يكون تطوير الأسلحة النووية أحد الخيارات لإعادة تأسيس ردع فعّال.
مستشار المرشد الأعلى كمال خرازي صرح في أيار/ مايو (2024) قائلاً: "ليس لدينا قرار لبناء قنبلة نووية، لكن إذا كانت هناك تهديدات لوجود إيران، فلن يكون هناك خيار سوى تغيير عقيدتنا العسكرية"، وقد بدأ المتشددون في البرلمان يعبرون بشكل متزايد عن آراء مشابهة لما قاله خرازي.
اعتباراً من منتصف عام 2024 يمكن لإيران أن تنتج ما يكفي من اليورانيوم المُخصّب بدرجة عالية لتزويد قنبلة نووية في غضون أسبوع أو أسبوعين فقط، لكن طهران ستحتاج إلى عدة أشهر أو أكثر من عام لتجميع رأس حربي ودمجه مع نظام توصيل مثل الصاروخ البالستي.
ترجمة: عبد الحميد فحام
المصدر: معهد الولايات المتحدة للسلام (USIP)