إيران تنتظر فوز الديمقراطيين في الانتخابات الأمريكية
2024-10-01331 مشاهدة
لم تنجح الضربات الإسرائيلية في استفزاز الموقف الإيراني وجره إلى الدخول في الحرب، حيث ما يزال الديمقراطيون يحكمون البيت الأبيض، وهناك فرصة لحصد المكاسب بدلاً من الدخول في الاستنزاف.
يقدم " مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية " مقالاً بحثياً سياسياً مترجماً، نشره موقع " وول ستريت جورنال" ( The Wall Street Journal ) بقلم "رويل مارك جيريشت" (Reuel Marc Gerecht) و"راي تاكيه" (Ray Takeyh)، يناقش أولويات "طهران" النووية، وكيف تتفاعل بناء على ذلك مع مختلف الأطراف؟ وما سياساتها تجاه الحروب التي أشعلت الشرق الأوسط؟ بينما تنتظر بفارغ الصبر فوز "هاريس" في الانتخابات الأمريكية.
نص المادة المترجمة:
لماذا لم تنتقم "إيران" من "إسرائيل" التي اغتالت "إسماعيل هنية" رئيس المكتب السياسي لـ "حركة حماس" نهاية تموز/ يوليو 2024 وهو في "طهران"؟
لا بد أنَّ إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" (Joseph Biden) قد ردعت "إيران"، وجعلتها تسلك سلوكاً أفضل، بعد أن نجحت الجهود الأمريكية في اعتراض 300 صاروخ وطائرة مسيَّرة إيرانية أُطلقت نحو "إسرائيل" في نيسان/ إبريل 2024، الأمر الذي سبَّب الإحباط للمرشد الأعلى علي خامنئي.
قد يكون هذا جواباً؛ لكن الجواب الحقيقي هو أنَّ "إيران" تلعب لعبة طويلة الأمد، وتتعمد إظهار ضبط النفس لتعزيز طموحاتها النووية.
لقد كان الخوف من القوة العسكرية الأمريكية يُشكِّل دائماً العائق الرئيسي أمام نظام الملالي في "طهران"، ويمنعها من إساءة التصرف؛ لكن هذا الخوف بدأ يتلاشى في الموضع الأكثر أهمية، فقد أحرز البرنامج النووي الإيراني تقدُّماً سريعاً في السنوات الأربع الماضية، ولم يتم التصدي لوكلاء "إيران"، حتى لو لم يتم تجاهُلهم بشكل كامل، فحتى الآن يتمتع "الحوثيون" في "اليمن" بالتفوُّق في صراعهم مع البحرية الأمريكية ضِمن البحر الأحمر، ورغم استخدامهم لصواريخ إيرانية بدائية نسبياً، لكنهم يواصلون الحدّ من حركة الشحن في "قناة السويس" على الرغم من الجهود الأمريكية والأوروبية لحماية هذا الممر البحري، مع الاعتقاد أن فوز كمالا هاريس (Kamala Harris) بمنصب الرئاسة الأمريكية من شأنه أن يفاقم أخطاء سلفها (بايدن).
إن النهج الذي يتبنّاه "الحزب الديمقراطي الأمريكي" في التعامل مع "طهران" أصبح الآن مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالسياسة الأمريكية تجاه "إسرائيل"؛ إذ تحاول "واشنطن" الحدّ من العمل العسكري الإسرائيلي ضدّ "حزب الله" اللبناني، رغم أنها الجماعة الأكثر إثارةً للخوف ضِمن الجماعات المدعومة من إيران، والقضاء على أيّ احتمال لشنّ "إسرائيل" هجوماً عسكرياً ضدّ المواقع النووية الإيرانية، وتنبع هذه العقلية (الأمريكية الديمقراطية) من خوف عميق من المواجهة بين "الولايات المتحدة" و"إيران"، وتخمين العديد من المسؤولين في "واشنطن" أن "خامنئي" لم يقرر بعدُ بناءَ قنبلة نووية، وعلى هذا فإن أفضل مسار للعمل يتلخص في الحفاظ على الوضع الراهن، وهو ما يراه صاحب عقيدة "الثورة الإسلامية" في "طهران" مقبولاً.
وأيضاً هذا التخمين خاطئ؛ فالمكاسب التي تجنيها "إيران" الآن أكبر بكثير مما تخسره إذا ما لجأت إلى امتلاك السلاح النووي، والواقع أن "خامنئي" ارتكب خطأً كبيراً عندما لم يطور القنبلة النووية في وقت أبكر، فالحديث المتزايد في "طهران" حول مدى سهولة تطوير سلاح نووي وفائدته هو بالتأكيد ناتج عن إدراك نظام الملالي أن لـ "إسرائيل" مزايا تكتيكية واستخباراتية كبيرة، وربما يكون العديد من كبار المسؤولين الإيرانيين في متناول "الموساد"، وأن القدرات التقليدية الأمريكية لا تزال ساحقة، وعلى أقل تقدير، فإن القنبلة الإيرانية كفيلة بكبح جماح العدوان الإسرائيلي والأمريكي على "إيران".
عندما تحصل "إيران" على القنبلة -وهي ستحصل عليها في النهاية ما لم تُعطِّل التدخُّلاتُ العسكريةُ أو انهيارُ النظامِ البرنامجَ- ستصبح الحرب بين "إسرائيل" و"حزب الله" أمراً بالغ التعقيد بالنسبة إلى "تل أبيب"، كما ستصبح الهجمات الإسرائيلية على مواقع "الحرس الثوري الإيراني" وقادته في "دمشق" و"بيروت" محفوفة بالمخاطر إذا هددت "طهران" بتمديد مظلتها النووية، وستتقلص حرية "الولايات المتحدة" في التحرُّك ضدّ نظام الملالي، الذي قتل مراراً الجنود الأمريكيين دون أيّ ردود فعل أمريكية.
لقد حقق الديمقراطيون واليسار الأمريكي ما كان الإيرانيون يحسبونه محالاً؛ حيث وجدت "طهران" انقساماتٍ يمكن استغلالها بين "الولايات المتحدة" و"إسرائيل"، فقد أدت المظاهرات ضدّ حرب "غزّة"، وارتفاع المشاعر المعادية لـ "إسرائيل" داخل "الحزب الديمقراطي"، واللغة المعادية للسامية بشكل صريح في الدوائر الأمريكية الرفيعة إلى إعادة نظر "طهران" بالرؤية التقليدية التي تفترض أن الديمقراطيين والجمهوريين كليهما عميلان صهيونيان على حدّ سواء، ولا فائدة من التعامُل معهما.
لقد أصبحت الفرصة التي قدمها الرئيس الأمريكي الأسبق "باراك أوباما" (Barack Obama) من خلال تنازُلاته النووية، التي استكشفها واستغلها "خامنئي"، هي العقيدة السائدة في "الحزب الديمقراطي"؛ ما يَفترض أن تفاعُل هذا الحزب مع حكومة دينية ثيوقراطية (في إيران) هو في حدّ ذاته أمر جيد.
هذا هو -بلا شك- السبب وراء الاستعداد الظاهري الذي يُبديه المرشد الأعلى لاستئناف المفاوضات النووية مع "واشنطن"، فقد أراد أن يستكشف ما إذا كان بإمكانه تحييد "بايدن"، والأهم من ذلك، أن يُحيّد "هاريس" (يخفف حِدَّة عدائهما ويجد فرصاً للاستفادة من موقفهما) من خلال التفاعُلات الدبلوماسية، فعداوة "خامنئي" لـ "الولايات المتحدة" لا تعني "أنه لا يمكن التفاعل مع العدوّ في بعض الحالات."
الدبلوماسيون في "إيران" معتادون على التعامل مع الديمقراطيين، فلقد تفاوضوا على اتفاق نووي معهم، وما زالوا يتواصلون معهم في مختلف المنتديات الدولية، كما قضت "هاريس" سنوات حكم الرئيس السابق "دونالد ترامب" (Donald Trump) وهي تنتقد حملة "الضغط الأقصى" التي كانت السِّمَة المميِّزة لسياسة الجمهوريين وقتها، وقد أدانت قرار "ترامب" بقتل "قاسم سليماني"، الذي كان عراب إستراتيجية "حلقة النار" ضدّ "إسرائيل"، وكما أنَّ السوفييت فضلوا حكم الجمهوريين الواقعيين في السبعينيات، فإنَّ النخبة الحاكمة في "إيران" ترى أن الديمقراطيين هم الجهة الأكثر قابلية للتعامل معها.
إن كلاً من "خامنئي" ودبلوماسييه في انتظار أن تصل "هاريس" إلى منصب الرئاسة، وبما أن الديمقراطيين يعتقدون أنه لا يوجد بديل مقبول لمعضلة البرنامج النووي الإيراني غير الدبلوماسية، فمن المحتمل أنهم لن يتخلّوا عن المفاوضات، بغض النظر عن مدى تجاوُز "إيران" للحدود المرسومة لها، لقد شاهد "أوباما" سابقاً "إيران" و"روسيا" وحليفهم النظام السوري يذبحون عشرات الآلاف من المدنيين السوريين، وبقي يواصل دفع مسار المحادثات النووية إلى الأمام.
تعتقد "إيران" أنها يمكن أن تعتمد على الديمقراطيين لكبح جماح الإسرائيليين، وقد استغلت "إيران" إستراتيجيتها في الحرب بالوكالة بمهارة، ولكن نجاحها لم يخلُ من نقاط ضعف تسبَّب بها النظام الثيوقراطي الذي يحكم "طهران".
ستسمح القنبلة النووية الإيرانية لـ "طهران" بالحفاظ على موقف هجومي في الشرق الأوسط، مع مخاوف أقل من العواقب السلبية، وفي الممارسة العملية سيتم اعتماد مبدأ التدمير المتبادَل ضدّ "إسرائيل"، مما يمنح الثيوقراطية الإيرانية مزيداً من مجال المناورة والتلاعُب بأعدائها (تل أبيب وواشنطن وباقي الأعداء الإقليميين).
لقد أصبح نظام الملالي الآن قريباً جداً من الحصول على قنبلة نووية بحسب أرشيفات الأسلحة النووية الإيرانية التي حصل عليها "الموساد"، ومن غير المحتمل أن تمنع أي عقبة تقنية "إيران" من بناء هذا السلاح، فلا الدبلوماسية ولا العقوبات ستُوقِف هذا التقدم، ومن المحتمل أن تكون "هاريس" على دراية بذلك، وتعتمد البحث عن السلام والاستقرار الإقليمي، وهو الطموح الذي يتم ترديده كثيراً في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وهذا يعني عند ترجمته إلى الفارسية: "منح طهران القنبلة".
ترجمة: عبد الحميد فحام
المصدر: وول ستريت جورنال (The Wall Street Journal).