القاعدة في قيادة العولقي.. المعضلات والتوجُّه؟
2024-04-061337 مشاهدة
في شباط/ فبراير 2020 أُعلِنَ عن تولِّي خالد باطرفي (أبي المقداد الكندي) قيادة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، خلفاً لقاسم الريمي الذي استهدفته طائرات أمريكية دون طيار أدت لوفاته، حيث حرص على أن يكون امتداداً لسياسة سلفه في محاربة الجاسوسية -كما سُمِّيت آنذاك- والقرب من رؤى سيف العدل -القائد الفعلي الحالي لتنظيم القاعدة- التي تعتمد على عدم استهداف إيران وإتاحة المجال لها لتتغلغل في مناطق نفوذ عديدة بهدف الاستفادة من الانعكاسات الناتجة عن تغلغلها في تلك المناطق.
كانت هذه الإستراتيجية في نهاية المطاف باباً لتصفية الشبكات الداخلية الرافضة لسياسة سيف العدل، حيث نتج عنها تنفيذ عمليات إعدام عشوائية، كان من ضحاياها القيادي الشهير: أثير النهدي، والقياديون سعيد شقرة وفياض الحضرمي وأبو مريم الأزدي، مما أدى لتصاعُد المعارضة الداخلية لباطرفي وانشقاق بعض القيادات عنه، مثل سند الوحيشي شقيق ناصر الوحيشي القائد الأسبق للتنظيم ومهندس توسُّعه الفعلي في اليمن بين عامَيْ 2014 و 2015.
لا بُدّ من التأكيد -في هذا الإطار- على أن تعيين باطرفي على رأس التنظيم في اليمن جاء بتزكية مجموعة من قيادات القاعدة في اليمن وبتوجيه من سيف العدل، إلا أنه بالرغم من ذلك كان شخصية توافُقية يمكن أن تجتمع عليها أطراف التنظيم، حيث يُعَدّ شخصية مخضرمة في تاريخ القاعدة، بدءاً من سفره إلى أفغانستان في 1999، وقُرْبه من أسامة بن لادن، وتدرُّبه في معسكر الفاروق برفقة عدد من الجهاديين الشهيرين كأبي خالد السوري وأبي مصعب الزرقاوي وأبي مصعب السوري، وقتاله لاحقاً في صفوف طالبان ضد الاحتلال الأمريكي إلى أن اعتُقِل عام 2004 وسُلّم إلى اليمن آنذاك، إلا أن الدائرة المقربة منه استطاعت التحكُّم بسياساته وتجييرها لصالح تحقيق نفوذ سيف العدل.
بوفاة كلٍّ من خالد باطرفي، وخالد زيدان نجل سيف العدل في آذار/ مارس 2024 وتنصيب سعد العولقي لقيادة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، فإن ذلك يبدو مؤشراً على تفكُّك قبضة المجموعة الموالية لسيف العدل عن موازين القوى داخل التنظيم في اليمن، وبالتالي فإن ذلك سيُبرز آثاراً مختلفة حول واقع التنظيم داخلياً ومستقبله خارجياً، وربما علاقته بالقيادة المركزية للقاعدة.
تؤكد المعلومات أن باطرفي لم يُبدِع سياسة خاصة به حيث أحاطت به أسماء موالية لسيف العدل مثل إبراهيم البنا أبو صالح -القيادي المصري المسؤول عن الجهاز الأمني للتنظيم اليمني- وعمار الصنعاني، إلى جانب أن العمليات العسكرية التي قادتها مجموعات التنظيم في اليمن اعتمدت على استهداف قوات فردية أو جيوب معزولة من قوات التحالف العربي أو الحوثيين أو داعش دون السعي لمواجهة شاملة، على خلاف إستراتيجية ناصر الوحيشي الذي تمدد في مناطق البلاد الجنوبية والجنوبية الشرقية في اليمن بعد السيطرة على مدينة المكلا في نيسان/ إبريل 2015 وأشرف على عمليات نوعية كالهجوم على مجلة شارلي إيبدو الفرنسية الساخرة عام 2015.
في هذا الإطار، تُواجِه سعد العولقي تحديات كبيرة أبرزها إعادة الوئام إلى صفوف التنظيم وبناء توازُن متكامل فيه، وذلك من خلال إقناع الكتائب المنشقة عن التنظيم -خاصة في منطقة شبوة- والتأكيد على استقلاليته عن توجيهات المجموعة التي سيطرت على التنظيم في حقبة باطرفي، الذين عُرف عنهم سيطرتهم على الشؤون المالية للتنظيم إلى جانب تقييد القيادي المصري إبراهيم البنا للجهاز الأمني بوصفه واحداً من أهم أعمدة إستراتيجية سيف العدل في مواجهة الخلايا الرافضة لإستراتيجيته المهادنة لإيران.
من المحتمل أن يستطيع العولقي ترميم صفوف التنظيم، إلا أن ذلك سيتطلب منه استثمار قرابته من القيادي المميز أنور العولقي -اغتالته طائرة أمريكية مسيرة في أيلول/ سبتمبر 2011- لتحفيز العناصر اليمنية المنشقة عن التنظيم للعودة إليه، إلى جانب سعيه لتوظيف حضوره القَبَلي -خاصة لانحداره من قبيلة العوالق- ليحصل على دعم القبائل في محافظة شبوة التي ينحدر منها لتعزيز حضور التنظيم فيها.
إلى جانب ذلك من المرجَّح أن يحرص العولقي على استثمار رمزية فرع القاعدة في اليمن لمنع انشقاقه عن التنظيم الأم، وذلك بهدف منحه المزيد من الاستقلالية عن سياسات قيادة التنظيم المهادنة لإيران وميليشياتها، وبالتالي قد تضطر القيادة العامة للقبول باستهداف ميليشيات الحوثيين على نطاق محدود دون التوسُّع إلى استهداف إيران.
من المرجَّح أن تعمل جماعة الحوثيين من جهة والقوات الجنوبية من جهة أخرى، على استهداف القيادة الجديدة، نظراً لوجود توجُّه لديها نحو رفض الاستمرار بالهُدَن السابقة معها، خاصة مع استشعار العولقي إمكانية عودة الدعم القَبَليّ للتنظيم في المناطق التي ينحدر منها -شبوة- وكذلك إمكانية عودة العناصر الرافضة لسياسات باطرفي سابقاً إلى صفوف التنظيم، والقدرة على تطوير العمل العسكري محلياً.