انقسامات فاغنر في سورية وليبيا وسط الصراع مع وزارة الدفاع الروسية
2023-10-051060 مشاهدة
قام موقع المونيتور بنشر مقال يتحدث خلاله الكاتب (أنطون مارداسوف) عما آلت إليه الأمور بعد شهر من وفاة قائد فاغنر يفغيني بريغوجين في حادث تحطُّم طائرة، حيث يستعرض الكاتب خلال مقاله محاولات السلطات الروسية تأكيد سيطرتها على الهيكل العسكري الموازي المتمثل في المجموعة العسكرية الروسية الخاصة.
نص الترجمة:
لا تزال عبارة؛ "بريغوجين على قيد الحياة" من بين الاستفسارات الأكثر شعبية في محرّك البحث الروسي ياندكس بعد شهر من تحطُّم طائرة إمبراير ليجاسي في 23 آب/ أغسطس، والتي أودت بحياة قائد مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوجين.
وتتكهن وسائل الإعلام الروسية أيضاً حول سبب عدم حدوث تغيُّرات ملموسة حتى الآن بما يخص تَرِكة بريغوجين الخارجية والروسية، كما يواصل الآلاف من مرتزقة فاغنر القيام بعمليات قتالية في الخارج، رغم المطالب من المشرعين الروس وَجِهات غير رسمية لوزارة الدفاع الروسية بجعل تحرُّكات المجموعة تحت سيطرة الوزارة.
المشاكل في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى
يشك البعض في وفاة بريغوجين؛ لأن فاغنر لا تزال فعّالة، وينشط مرتزقتها بشكل أكبر في مالي، المكان الذي كان لـ "بريغوجين" آخِر تواجُد فيه عشية تحطُّم الطائرة. تعجّ قنوات تطبيق المحادثات تيليغرام (Telegram) التابعة لفاغنر بالصور الجديدة لمقاتلي المجموعة وهم يتواجدون إما "في هجمات" أو "ضمن أرتال" أو "يقومون بتنفيذ إنزال من طائرة هليكوبتر".
على سبيل المثال، تشارك فاغنر بنشاط في عمليات قتالية إلى جانب القوات المسلحة المالية في اشتباكات مع حركة إنقاذ أزواد في منطقة جوا. وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، تحطّمت طائرتان هليكوبتر تملكهما مجموعة فاغنر من طراز "مي-8" وطائرة نقل من طراز "إن-26" فجأة في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى، مما أثار المزيد من الشكوك حول موقف المجموعة مع الكرملين.
وفي جمهورية إفريقيا الوسطى، سقطت لأول مرة جثة أحد مرتزقة فاغنر في أيدي جماعة متمردة تعرف باسم العودة والإصلاح والتأهيل (Return, Reclamation and Rehabilitation). حتى بدون بريغوجين وديمتري أوتكين وفاليري تشيكالوف، الذين كانوا مسؤولين عن التدريب القتالي واللوجستي والذين لقوا حتفهم في حادث تحطُّم الطائرة في 23 آب/ أغسطس، لا تزال فاغنر منخرطة في قتال جدّي.
نشاط يونس بك يفكيوروف (نائب وزير الدفاع الروسي)
النشاط الدبلوماسي لنائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيوروف، الذي زار ساحات عمليات فاغنر - في سورية وليبيا وباماكو ومالي وبوركينا فاسو وجمهورية إفريقيا الوسطى – أواخر الشهر الماضي، لم يكن ضاراً لفاغنر مثل نبرة محادثته الشهيرة مع بريغوجين خلال التمرد.
وبقدر ما يمكن الحكم عليه من خلال مصادر البيانات المفتوحة والمونيتور، فإن نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيوروف يقنع السلطات الإفريقية برفض التعاون المباشر مع فاغنر. وفي المقابل يتم تقديم الدعم الرسمي لهم، والتعاون العسكري التقني والشركات العسكرية الخاصة المرتبطة مباشرة بالاستخبارات العسكرية الروسية.
وبحسب ما ورد، لا يزال الجيش يعرض السماح لجنود فاغنر بالانتقال إلى شركة عسكرية خاصة أخرى، وهي ريدوت (Redut)، التي تعمل على توسيع وجودها في سورية، وتبدأ العمل في ليبيا، السلطات المحلية - سواء كانت حكومة رئيس النظام السوري بشار الأسد، أو ما يُسمَّى بالجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر أو حتى القوات المسلحة المالية - لا تقاوم رسمياً إرادة موسكو.
مكاسب لحفتر
زار حفتر موسكو في 26 أيلول/ سبتمبر، وفقاً لمصادر مطلعة على عمل فاغنر في ليبيا، ولم يكن ذلك بسبب الفيضانات المدمرة في ليبيا فحسب، بل كانت زيارته تتعلق أيضاً بإحداث منشأة عسكرية روسية رسمية في طبرق أو بنغازي، كما تم الاتفاق عليه سابقاً خلال رحلة يفكيوروف في آب/ أغسطس.
وبحسب ما قاله مصدر مطلع مقرّب من السلك الدبلوماسي الروسي للمونيتور شريطة عدم الكشف عن هويته أنه "من المفهوم أن حفتر يحاول الحصول على المزيد من المكاسب من الجانب الروسي، لكن مسألة وجود فاغنر حسّاسة للغاية، ليس فقط بسبب إعادة هيكلة التواجُد "كشركة خاصة" وهو ما تروج له موسكو الآن، ولكن أيضاً بسبب الدعم اللوجستي للمجموعة".
وأضاف المصدر: "هناك الكثير من المشاكل المرتبطة بهذا، مثل الحظر الذي فرضته الوكالات الروسية على استخدام قاعدة حميميم الجوية السورية كمركز عبور وصراعات، مثل تلك التي وقعت في منتصف أيلول/سبتمبر". وطلبت السلطات الروسية من حليفتها الحكومة السورية رفض التعاون مع فاغنر في أعقاب التمرد في حزيران/ يونيو.
في الفترة من 11 إلى 12 أيلول/ سبتمبر في حمص السورية، كادت القوات الجوية الروسية أن تُسقط طائرة نقل عسكرية تابعة لشركة فاغنر كانت في طريقها للهبوط في مطار T4 ، وبالإضافة إلى أفراد الخدمة الروسية، كانت الطائرة تقل أيضاً أكثر من 100 من المرتزقة السوريين الذين جنّدتهم فاغنر للقتال إلى جانب حفتر، وبحسب مصدر هو على علاقة بفاغنر، فإن بريغوجين "حاول توسيع أسطول الطائرات المستقلّة عن وزارة الدفاع، وقام بعدة عمليات شراء خلال حملة أوكرانيا.
وبحسب قنوات تيليغرام التابعة لفاغنر، فقد تم إدارة الوضع من خلال مفاوضات بين يفكيوروف والمرتزقة الذين هددوا بضرب منشأة عسكرية روسية غير رسمية في ليبيا، ومع ذلك فإن حكومة النظام السوري، التي طلبت موسكو منها عدم مساعدة فاغنر في مجال الخدمات اللوجستية، منحت للمرتزقة إمكانية الوصول إلى مطار T4 ، الذي استخدمه الإيرانيون مؤخراً.
تشظّي فاغنر
ومع ذلك فإن قيادة فاغنر الحالية -نجل بريغوجين، بافيل، ورئيس الأمن ميخائيل فاتانين، والقائد العسكري الحالي أنطون "لوتس" إليزاروف وغيرهم من أمراء الحرب والموظفين المدنيين- لن تتمكن من الحفاظ على استقلاليتها وتماسُكها، فقد بدأت عملية التشرذم مباشرة بعد وفاة بريغوجين.
أولاً: عاد بعض مرتزقة فاغنر السابقين في ريدوت وما يُسمَّى بالفيلق الاستكشافي، إلى الجبهة الأوكرانية في منطقة باخموت.
ثانياً: بدأ بعض مدربي فاغنر التعاون مع السلطات الإقليمية في منطقة روستوف أوبلاست المجاورة لأوكرانيا ومنظمة للمحاربين القدامى، في تدريب وحدات الدفاع الإقليمية المحلية.
ثالثًا: تستعد روسيا للنقل الرسمي للجماعات المسلحة التطوعية تحت إشراف الحرس الوطني الروسي، روسغفارديا (Rosgvardiya )، واحتمال استخدامها في الخارج، وبحسب ما ورد فقد قام بعض مرتزقة فاغنر من كتيبة الهجوم الأولى بتوقيع عقود مع الوكالة، وتم إرسالهم إلى أوكرانيا قبل اعتماد القانون رسمياً.
وقد تعثّرت مفاوضات يليزاروف مع روسجفارديا (Rosgvardiya) بشأن الإخضاع الكامل للشركة الخاصة للقوات العسكرية الخاصة تحت سيطرة روسيا، بما في ذلك الأقسام الأجنبية، بسبب متطلبات توقيع عقود فردية تفصل هذه الفصائل.
في الوقت نفسه، ليس لدى روسجفارديا أي خبرة جادة في العمل في الخارج ومن الناحية النظرية لا يمكنها إلا أن تكون بمثابة غطاء رسمي لتصرفات فلول فاغنر.
إحدى المسائل الجدية بالنسبة لشركة فاغنر هي مسألة الاكتفاء الذاتي في المنافسة مع وزارة الدفاع، حيث تجنّبت الوزارة حتى الآن تصعيد التصرفات الصارمة من أجل تجنُّب تراجُع مصداقية روسيا في البُلدان التي يتواجد فيها المرتزقة، تم إعادة توجيه جزء من الشركات الروسية - بيتا، تورستاتوس، لاختا بارك بريميوم، لاختا بارك ولاختا بلازا - إلى بافيل بريغوجين، ولكن إيراداتهم تراجعت بشكل كبير خلال العام الماضي من 2.4 مليار روبل إلى 655 مليون روبل (من 25 مليون دولار إلى 6.7 مليون دولار).
كانت إيرادات شركة فاغنر من الأصول الأجنبية (يورو بوليس، إم إنفست، ميركيوري إل إل سي، لوباي إنفست وعدد من شركات النفط وتعدين الذهب الأخرى) غالباً ما تم إيداعها في صناديق مجهولة ومحافظ عملات رقمية، وليس واضحاً ما إذا كان أفراد عائلة بريغوجين أو قادة فاغنر لديهم وصول إليها.
سورية هي الأكثر تعقيداً
في حين أن العمود الفقري لفاغنر لا يزال قادراً على المناورة في إفريقيا، فإن الوضع في سورية أكثر تعقيداً بسبب وجود القوات الرسمية ومشاركة فاغنر في إنتاج النفط والغاز.
وتتلقّى هياكل فاغنر نسبة مئوية من الأرباح منذ عام 2017 لإنتاج النفط والغاز، ولكن على مر السنين، تراكمت على حكومة الأسد ديون كبيرة لهياكل بريغوجين على الرغم من المدفوعات المنتظمة إلى حد ما.
ووفقاً لمصادر قريبة من الهياكل السابقة لبريغوجين، فقد وعدت موسكو السوريين بإسقاط ديونهم العائدة لشركة فاغنر في حالة رحيل المجموعة واستبدالها بشركة ريدوت، لكن دمشق لا تزال تخشى تعطيل هذه الاتفاقية، وقد زادت هذه المخاوف منذ أن قامت الشركات التابعة لشركة ستروي ترانس جاز (Stroytransgaz) للإنشاءات، وفقاً لبعض المصادر، بتقليص عملها في سورية.
وبشكل عامّ يظل الكرملين معتمداً على دبلوماسية الظل، وفي الوقت نفسه، يقول العديد من الخبراء الروس: إن الجنرال الذميم سيرجي سوروفيكين، الذي ظهر فجأة في الجزائر وتم فصله من منصب قائد القوات الجوية الروسية بسبب تمرُّد بريغوجين، سيعمل في مجال دبلوماسية الظل، وسيعمل تحت حماية الكرملين كنوع من الإزعاج للقيادة العسكرية الروسية العليا.
ترجمة: عبد الحميد فحام
المصدر:( موقع المونيتور)