كيف ستتأثر السياسات الداخلية والخارجية في عهد الرئيس الإيراني الجديد؟

كيف ستتأثر السياسات الداخلية والخارجية في عهد الرئيس الإيراني الجديد؟

2024-07-19
444 مشاهدة

 

لم يكن من المتوقَّع فوز     مسعود بزشکیان     Masoud Pezeshkian في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، خاصة أنه واجه منافسة شديدة من مرشحين محافظين بارزين مثل     سعيد جليلي     Saeed Jalili و محمد باقر قاليباف     Mohammad Bagher Ghalibaf . ويبدو أن الخوف من فوز جليلي     Jalili-phobia أثمر في الجولة الثانية من الانتخابات، حيث توجّه المزيد من الناخبين الإيرانيين للتصويت من أجل منع جليلي من تولي الرئاسة، لقد أسهم هذا الحافز في رفع نسبة المشاركة في الانتخابات إلى حوالَيْ 50%، بزيادة قدرها 10% عن الجولة الأولى، ولكن رغم وجود هذا الحافز المتأخر، إلا أن نسبة المشاركة الإجمالية ظلت منخفضة مقارنة بالنسب المُشارِكة في الانتخابات الرئاسية السابقة، وهو ما يعكس عدم وجود حماس لدى الشعب الإيراني وضعف ثقته في النظام السياسي والنخبة الحاكمة. ستبقى الشكوك المتعلقة بالشرعية تُلقي بظلالها على النظام السياسي، ولكن الآن هناك حاجة للنظر في التوجُّه الداخلي والخارجي للبلاد تحت قيادة الرئيس الإصلاحي، وستحاول هذه المقالة أن تكون محاولة الإجابة عن تساؤُلات متعددة مثل: هل سيكون هناك تحوُّل في الاتجاه أم استمرار على نفس النهج الذي تنتهجه إيران؟ في أيّ المجالات سيكون لدى الرئيس الجديد حرية أكبر في المناورة والنجاح؟ وما العوائق المحتملة أمام سياساته؟  

سيركز بزشكيان معظم طاقته واهتمامه على معالجة القضايا المحلية، والاجتماعية والاقتصادية، كما سيأمل في إجراء بعض التغييرات التدريجية والتراكمية على الصعيد الاجتماعي، حيث إن التغييرات أو التحوُّلات الجذرية تتجاوز نطاق سلطة هذا الرئيس الإصلاحي وقوته نظراً لطبيعة النظام السياسي الإيراني والنخبة الحاكمة. ولكن من المهم أن نلاحظ أن المرشد الأعلى لن يكون لديه خيار سوى السماح لبزشكيان بدرجة من الحرية للمضيّ قُدُماً في مبادراته السياسية أو أنه سوف يخاطر بفقدان المزيد من الشرعية وإثارة الاحتجاجات في الشوارع التي ميزت المشهد السياسي الإيراني على مدى العَقْد الماضي، مع انتشارها وتصاعُدها منذ وفاة     مهسا أميني     Mahsa Amini في عام 2022.     وفي هذا الصدد، تحدث بزشكيان عن رغبته في إلغاء إلزامية الحجاب وإزالة الرقابة على الإنترنت، وكذلك تعزيز الحريات المدنية وحقوق الأقليات العِرْقية والدينية. إن كل هذه القضايا ليس من السهل بالنسبة لبزشكيان التعامل معها، حيث من المرجَّح أن يواجه عقبات في البرلمان، الذي يزخر بالمحافظين المعارضين للتيار الإصلاحي في إيران، بالإضافة إلى ذلك سوف تقاوم الهيئات القوية والحَوْزات الدينية الإيرانية محاولات إلغاء إلزامية الحجاب أو السماح بحرية الوصول إلى الإنترنت ووسائل الإعلام، فهذا يتناقض مع الأهداف الثورية لحماية الفهم الذي حددته الدولة للثقافة والقِيَم الإسلامية، ومع ذلك قد يكون هناك مجال أكبر عندما يتعلق الأمر بزيادة مكانة الأقليات العِرْقية والدينية في أجهزة الدولة على المستوييْنِ الوطني والإقليمي؛ كوسيلة لإرضاء أولئك الذين صوَّتوا لصالح بزشكيان وتهدئة التوتُّرات التي تراكمت في المجتمع على مدى السنوات الماضية من خلال السياسة الشمولية وإصلاح العلاقات مع المحيط.  

وعلى الصعيد     الاقتصادي ، سوف يتمتع بزشكيان بمزيد من الحرية في التعامل مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة في البلاد، وخاصة الحاجة المُلِحّة إلى معالجة التضخُّم المُستشري والفساد وسُوء الإدارة الاقتصادية وأزمات الإسكان والبطالة، وقد وضع بزشكيان هذه القضايا الاقتصادية في طليعة حملته الرئاسية، وهناك احتمال قويّ لحملات تستهدف الفساد كما حدث في ظل الإدارات السابقة، وهي تكتيكات تهدف للبحث عن كبش فداء من أجل تحميله المسؤولية، وعدم إلقاء اللوم على السبب الحقيقي للفساد، المتمثل بالسلطة المُفرِطة وإساءة استخدامها في أيدي النخبة المحافظة في إيران التي أنشأت شبكات فاسدة تعتمد المحسوبيات وتخترق جميع جوانب النظام الإيراني.  

ولكن بزشكيان ليس غافلاً عن أكثر المسائل حساسية، وهي الاتفاق النووي، الذي يحتاج إلى حلّ مع القُوى العالمية، حيث أدت العقوبات إلى شلّ الاقتصاد الإيراني، ولا توجد آفاق حقيقية للاستثمار والنمو والإنتاجية دون التخلص من نظام العقوبات القاسي، وحتى المرشد الأعلى يبدو داعماً للتحرُّكات الرامية إلى تسوية الملف النووي لمعالجة الوضع الاقتصادي المُقلِق في إيران. بالإضافة إلى ذلك يرى بزشكيان أن ثروات إيران الاقتصادية مرتبطة بتلبية البلاد لِلَوائح     مجموعة العمل المالي     FATF وبروتوكولاتها المتعلقة بمكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، حيث لا يرغب المستثمرون والبنوك في التعامل مع إيران إذا تم إدراجها في القائمة السوداء وحجبها عن النظام المالي الدولي، ومع ذلك فإن الكشف عن المعاملات المالية الإيرانية وشبكات الوكلاء ودعم الميليشيات ليس شيئاً جذّاباً     للحرس الثوري الإيراني     IRGC والنخبة المحافظة، وبالتالي فإن هذه الخُطوة المحتملة من قِبل بزشكيان ستواجه مقاومة شديدة في البرلمان.  

وبالانتقال إلى الجبهة الخارجية، فإن بزشكيان منفتح على المصالحة مع الغرب بشكل عامّ والولايات المتحدة بشكل خاص، حيث إن الرئيس الإصلاحي مهتمّ بالمحادثات المباشرة بدلاً من المحادثات عَبْر وسطاء، كما كانت الحال منذ كانون الثاني/ يناير 2024. إنه مهتم بالتوصل إلى اتفاق نهائي بشأن الاتفاق النووي والعمل على التوصل إلى تفاهُمات بشأن القضايا الخلافية الأخرى مع الغرب، ومن المرجَّح أن يجد بعض النجاح في هذه القضية، حيث إن المرشد الأعلى -وعلى الرغم من معارضته العلنية لتبني نهج تصالحي مع الغرب، فإنه وخلف الأبواب المغلقة- أشار إلى الحكومة الإيرانية بالتعامل مع الغرب والولايات المتحدة لتخفيف بعض العِبْء عن الاقتصاد الإيراني.  

ومع ذلك، فإن الملفات الإقليمية مثل غزّة ولبنان والوكلاء الإيرانيين وأزمة البحر الأحمر ستكون خارج نطاق اختصاص بزشكيان، حيث إن مَن يُحكِم قبضته على هذه الملفات هو الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس التابع له، ولا يملك أي رئيس إيراني حقّ التدخُّل في هذه الملفات، وفي أقصى تقدير، سيتولى بزشكيان ووزير خارجيته مهمة نقل هذه القضايا إلى الواجهة، وفقاً للتوجيه والسياسة التي وضعها الحرس الثوري الإيراني والمرشد الأعلى والمجلس الأعلى للأمن القومي، وعلى الرغم من رغبة الرئيس الإصلاحي في التوجُّه نحو الغرب، فإنه لا يهدف إلى عكس مسار إيران نحو الشرق، حيث يأمل بزشكيان في تعزيز العلاقات الثنائية مع الصين     وروسيا .  

وفيما يتعلق بالصين، يريد بزشكيان تفعيل الاتفاق الشامل الذي يمتد لـ 25 عاماً، والذي تم توقيعه مع بكين، لكن العقبات تتمثل في العقوبات وإدراج إيران في القائمة السوداء من قِبل مجموعة العمل المالي. وفيما يتعلق بروسيا، من المتوقع أن يلتقي بزشكيان مع بوتين على هامش اجتماع دول البريكس المقبل في قازان- روسيا، والذي سيُعقد في تشرين الأول/ أكتوبر، بهدف تعميق العلاقات بين الجانبين، وسيكون هناك استمرار في الاتجاه الإيجابي في العلاقات بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، حيث أعرب بزشكيان عن رغبته في إقامة علاقات جيدة مع الدول المجاوِرة، ومواصلة المسار الذي شهدناه في عهد إدارة رئيسي.  

وسوف يكون هذا النهج المتعدِّد الاتجاهات سِمةً أساسية للسياسة الخارجية في عهد بزشكيان، فبدلاً من وضع كل البيض في السلال الصينية أو الروسية، سوف يسعى إلى تنويع السياسة الخارجية الإيرانية، وإزالة الاعتماد الواضح على بلد واحد، والسعي إلى الحصول على فوائد اقتصادية ودفاعية وأمنية من مجموعة متنوعة من الدول، وبالتالي تمكين إيران من إقامة علاقات متعددة الاتجاهات وموازَنة القُوى المتنافِسة على المستوى الإقليمي والدولي.