"تبعات الاعتراف الإسرائيلي بـ "أرض الصومال
2025-12-29108 مشاهدة
مثل الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال (صوماليلاند) في 26 كانون الأول/ديسمبر 2025 نقطة تحول جوهرية في تاريخ المنطقة، فهذا القرار لا ينهي فقط عقوداً من العزلة الدبلوماسية لصوماليلاند، بل ينسف "العرف السياسي الصارم" الذي التزم به المجتمع الدولي والاتحاد الأفريقي لعقود، والمتمثل في اعتبار الحدود القائمة خطوطاً حمراء.
خروج إسرائيل كأول قوة دولية وازنة تعترف بسيادة هذا الكيان الانفصالي يضع وحدة الصومال الفيدرالي في مهب الريح، ويمثل أبرز تحد لمقديشو منذ انهيار الحكومة المركزية الصومالية عام 1991، ويفتح الباب أمام "تأثير الدومينو" الذي قد تتبعه قوى إقليمية ودولية أخرى.
الخطوة الإسرائيلية قد تليها خطوات لدول إقليمية أخرى، خاصة لإثيوبيا، والذي يمثل هذا الاعتراف بالنسبة لها "ضوءاً أخضر" لتفعيل مذكرات التفاهم المبرمة مع هرجيسا للحصول على منفذ بحري سيادي، وهو الطموح الذي طالما اصطدم برفض مقديشو القاطع.
أما بالنسبة لإسرائيل، فإن موطئ قدم في خليج عدن يمنحها ميزة استخباراتية وعسكرية لا تقدر بثمن لمراقبة ممرات الملاحة الدولية، وتطويق التهديدات القادمة من "باب المندب"، ومواجهة النفوذ الإيراني والحوثي في البحر الأحمر.
وتجد الحكومة الفيدرالية الصومالية نفسها في مأزق هو الأصعب في تاريخها الحديث. ففقدان الاعتراف الدولي بوحدة الصومال يعني تآكل شرعية مقديشو السيادية وقدرتها على المطالبة بتمثيل كافة الأقاليم.
ويضع الاعتراف الإسرائيلي الاتحاد الأفريقي أمام معضلة قانونية وأخلاقية. فالميثاق الأفريقي يرفض صراحة أي تعديل في الحدود القائمة، خوفاً من فتح أبواب الانفصال في القارة بأكملها. ومع ذلك، فإن "أرض الصومال" تقدم نفسها كحالة خاصة (دولة استقلت عام 1960 ثم اتحدت طوعاً مع الجنوب)، وهو ما قد تستخدمه القوى المعترفة لتبرير موقفها قانونياً، ونجاح هرجيسا في انتزاع هذا الاعتراف قد يشجع حركات انفصالية أخرى في القارة، مما يهدد بتفكيك منظومة الأمن الجماعي الأفريقي.
كما أن حالة التوتر الناتجة عن هذا الاعتراف قد تُضعف التنسيق الأمني لمكافحة "حركة الشباب"، فقد تستغل التنظيمات المتطرفة سردية "الاعتراف الإسرائيلي" لحشد المؤيدين ضد حكومة مقديشو أو ضد الكيان الانفصالي في الشمال، مما يهدد الاستقرار الهش في المنطقة بأكملها.
ويمكن حصر السيناريوهات المتوقعة على المدى القصير والمتوسط في ثلاث سيناريوهات أساسية:
الأول: أن تقوم دول أخرى بالاعتراف بصوماليلاند، وفي الوقت نفسه لا تجد مقديشو دعماً خارجياً كافياً للدخول في مواجهة مع صوماليلاند، بما يدفع مقديشو للاستسلام للأمر الواقع، والاكتفاء بالمقاومة الدبلوماسية لهذه الاعترافات.
الثاني: أن تحصل مقديشو على دعم دولة أو أكثر في الإقليم بما يمكنها من استخدام القوة لفرض السيطرة على المناطق المتنازع عليها مع صوماليلاند، مما قد يؤدي إلى صدام مسلح يجر أطرافاً إقليمية للمواجهة.
الثالث: أن يتدخل مجلس الأمن الدولي لفرض مسار تفاوضي بين مقديشو وهرجيسا تحت مظلة "الفيدرالية المرنة" لتجنب انهيار الدولة الصومالية بالكامل.
وبالمجمل، فإن الاعتراف الإسرائيلي بجمهورية أرض الصومال ليس مجرد إجراء دبلوماسي، بل هو إعادة هيكلة لموازين القوى في "القرن الأفريقي"، ونقلٌ للمنطقة من مرحلة "إدارة الأزمات" إلى مرحلة "فرض الخرائط"، وهو ما يتطلب من الفاعلين الإقليميين إعادة تقييم تحالفاتهم بسرعة.
إن استقرار الملاحة الدولية في البحر الأحمر ووحدة الدولة الصومالية باتا الآن رهينة لمدى قدرة المجتمع الدولي على موازنة المصالح الأمنية لإسرائيل وحلفائها في المنطقة مع الحقوق السيادية لمقديشو والمواثيق الأفريقية.




