جو بايدن وفق السيناريو الأردني... تهديد قابل للانفجار أو قنبلة جاهزة للتعطيل

جو بايدن وفق السيناريو الأردني... تهديد قابل للانفجار أو قنبلة جاهزة للتعطيل

2021-01-22
3860 مشاهدة

يتسلم الرئيس الأمريكي جو بايدن الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية في ظل أكبر انقسام تشهده الولايات المتحدة في منذ الحرب الأهلية الأمريكية، فالبيت الداخلي الأمريكي لم يكن في حالة صراع محتدم منذ قرار إبراهام لينكولن تحرير العبيد الذي قاد إلى انفصال سبع ولايات جنوبية والدخول بالحرب الأهلية.

ولكن الفارق بين المرحلتين هو أن الولايات المتحدة الأمريكية في زمن إبراهام لينكولن لم تكن هي القوى العظمى التي تحكم العالم والتي تريد الحفاظ على دورها الاستثنائي والحيوي لاستمرار النظام العالمي بشكله الأحادي القطب منذ انهيار الاتحاد السوفييتي والإعلان عن ميلاد نظام عالمي جديد.

وهو ما يعني أن جو بايدن يجب أن  يتعامل مع ملفات داخلية حادة ومثيرة للجدل، وفي ذات الوقت عليه التعامل مع مجموعة كبيرة من الملفات الخارجية مقلقة وتحتاج إلى قرارات واضحة وسريعة، وهو ما يوجب عليه التصنيف الواضح لعلاقات الولايات المتحدة بالدول والمناطق والموضوعات.

ووفقاً للك يمكن ملاحظة تراجع أهمية منطقة الشرق الأوسط لدى الولايات المتحدة منذ بدايات إدارة الرئيس باراك أوباما الأولى، والتي كان بايدن نفسه يشغل فيها منصب نائب الرئيس، ولكن هل هذه الزاوية كافية لقراءة شكل العلاقة بين بايدن والأردن، أم أن هناك جوانب أخرى يمكن أن تضيء على شكل العلاقة المتوقعة خلال المرحلة القادمة بين الأردن والولايات المتحدة؟

استطاع الأردن أن يبني علاقة من نوع خاص مع الولايات المتحدة الأمريكية، فرغم مرورها بمراحل مضطربة، إلا أنها استمرت بصورة جيدة، متجاوزة المطبات السياسية المتعددة خلال تاريخها، فقد كان الأردن أول دولة عربية تطرد السفير الأمريكي من أراضيها، وكان ذلك في أيلول عام 1970، حين شعر النظام الأردني أن السفير الأمريكي سيمنز يقف مع حالة الفوضى التي تقودها مبليشيات مسلحة في مواجهة النظام والجيش النظامي.

كما جاءت المواجهة الأخرى مع نهايات عام 1990 حين احتل العراق دولة الكويت، حيث رفض الأردن الدخول بتحالف عسكري دولي لتحرير دولة الكويت، واعتقد أن الحل يجب أن يبقى داخل البيت العربي، دون تدخل عربي يؤدي إلى دق مسمار مؤثر في نعش الوحدة العربية والنظام العربي، فرفض نقل جيشه إلى حفر الباطن، في الوقت الذي كانت تتسابق فيه دول عربية أخرى لإظهار الولاء للولايات المتحدة الأمريكية.

وهو ما نتج عنه تشنج في العلاقات الأمريكية الأردنية، وهو ما قاد ما يشبه الحظر الاقتصادي على الأردن، حيث عاش الأردن أسوأ مراحله الاقتصادية حتى ذلك الحين.

وجاءت الانفراجة في العلاقات الأردنية الأمريكية  مع قدوم الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وتطورت أكثر بعد توقيع اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية.

والتقط الأردن اللحظة التاريخية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001، حيث أصبح الأردن ركناً مهماً في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، واستطاع بناء شبكات ومستويات من العلاقات مع (المؤسسة الأمريكية) بصورة غير مسبوقة.

ولكن كان من الواضح أن إدارة أوباما/بايدن لم تكن على وفاق مع الأردن خلال السنوات الأولى من الفترة الرئاسية الأولى للرئيس باراك أوباما، حيث رأى الأردن الرسمي أن الرئيس الأمريكي يملك تصورات مختلفة حول ما يحصل في الأردن في فترة الربيع العربي، مع توافر معلومات عن اتصالات غير رسمية بين قيادات داخل جماعة الإخوان المسلمين ومسؤولين أمريكيين، وبحث مستقبل الأردن السياسي.

ورغم قدرة الأردن الرسمي على خلق معادلة جديدة عبر انتخابات برلمانية عام 2013، وزيارة الرئيس باراك أوباما للأردن والاعتراف بأن الانتخابات الأردنية تعتبر نزيهة وممثلة لتوجهات الأردنيين، ظلت العلاقة تسير على خيط مشدود حتى نهاية فترة رئاسة أوباما الثانية.

ولم يكن قدوم دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة سبباً لارتياح سياسي في الأردن، خصوصاً بعد أن قام ترامب بنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس والاعتراف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل.

كل ذلك ترافق مع صيغ مجهولة المصدر حول ما أسماه ترامب بـ(صفقة القرن)، والتي لم يستطع الأردن الرسمي الوصول إلى تصور واضح حول فحوها، وهو ما زاد من الريبة السياسية حولها، وجعل الأردن يقف موقف الرافض لها والمتوتر من إمكانية حدوثها.

ورغم كل المحاولات المضنية من الإدارة الأمريكية، بالتعاون مع دول خليجية، لم يستطع ترامب تنفيذ خطته، وظهر الأردن كلاعب قوي ومؤثر في الملف الفلسطيني، وكأنه لم يفقد أوراقه أوسحره في هذا المجال.

تأتي إدارة جو بايدن محملة بشعارات مقلقة أكثر منها بوعود براقة، فبايدن أعلن منذ بدايات ترشحه أنه سيبني تحالفاته وشراكاته مع الدول على مبدأ الديمقراطية وحقوق الإنسان، بحيث يقسم العالم إلى قسمين، كما فعل قبله سلفه الجمهوري جورج بوش الابن في حربه على الإرهاب، وستكون الدول بحسب بايدن إما ديمقراطية ومعه أو غير ديمقراطية وضده.

الخطاب الذي يتبناه بايدن في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان مقلق لدول المنطقة، لأنه يبدو أنه الخطاب الذي سيستعمله كمعول لهدم القائم في منطقة الشرق الأوسط كلها، وبالتالي يبدو أن المنطقة مقبلة على (ربيع عربي جديد)، وهو ما ينذر بفوضى جديدة غير معلومة النتائج.

صانع القرار في الأردن يدرك الحواف الحادة للتجربة (البايدنية)، كما تدرك دوائر صناعة القرار السياسي والأمني أن ثمة شيء يتم طبخه في الخفاء، فارتفاع نبرة المعارضين في الخارج عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مع وجود قابلية عالية للاستماع من قبل الداخل، بات يشكل حالة غير مريحة، خصوصاً وأن الرواية التي تتباناها المعارضة الخارجية لا يتم مواجهتها برواية بديلة، فتبقى هي الرواية الوحيدة المطروحة على العامة.

ويرى بعض المخضرمين سياسياً أن اعتماد الاردن التاريخي على قدرته على الصمود في وجه التحديات وفتح قنوات مع مفاصل الإدارة الأمريكية تساعده على النجاة من الطوفان الذي يهدد المنطقة، قد لا يكون كافياً هذه المرة، فالظروف الداخلية في الأردن قد اختلف عن المراحل السابقة، والمعادلات الإقليمية أيضاً، فلم تعد الولايات المتحدة تولي الأردن ذات الأهمية السابقة، فرغم رفع قيمة المساعدات الأمريكية للأردن، إلا أن ذلك يمكن تغييره او استخدامه كورقة ضغط في ظل اقتصاد مترنح، يبلغ فيه قيمة عجز الموازنة الأردنية ملياري دينار بعد المساعدات، ويتجاوز ثلاثة مليارات قبل المساعدات، أي أن العجز يتراوح بين 20% إلى 30% من حجم الموازنة.

فيما يظهر مؤشر أكثر حساسية وهو عدم وجود سفير أمريكي في الأردن لمدة ثلاثة أعوام تقريباً، حيث تم تعيين سفير أمريكي جديد قبيل مغادرة ترامب للبيت الأبيض.

الخيارات المطروحة على طاولة صاحب القرار ليست كثيرة، بعضها إجرائي، وبعضها قد يحدث بعض التغييرات الجريئة، وتتدرج من إمكانية حل البرلمان مع نهاية العام الحالي وتغيير الحكومة في أي وقت، إلى إمكانية إعادة صيغة طاولة للحوار الوطني والخروج بميثاق وطني جديد، وقد تصل إلى إعادة ترتيب مفاصل إدارة الدولة في مستوياتها العليا.

ورغم مظاهر الهدوء على الملمح العام للسياسة الخارجية الأردنية، لكن مفاصل الدولة الأردنية وصانع القرار فيها ينظرون بتوجس وريبة للإدارة الأمريكية القادمة، ويبقى الرهان هو على قدرة الأردن في استلهام تجارب الماضي وقدرة الدولة على امتصاص الصدمات، والبقاء واقفة على أقدامها لأطول فترة ممكنة، لأن الزمن كفيل بتغيير توجه التيارات الجارفة أو التقليل من قوتها، وحينها قد لا يحدث الطوفان، ولا مشكلة بقليل من البلل.