سيطرة حكومة الوفاق على قاعدة الوطية

سيطرة حكومة الوفاق على قاعدة الوطية

2020-05-20
3558 مشاهدة

تمهيد

تمكنت حكومة الوفاق في الثامن عشر من شهر أيار / مايو من حسم معركة قاعدة "الوطية" في غرب ليبيا لصالحها، بعد محاولتين لدخول القاعدة خلال الأشهر الأخيرة الماضية، وحصار شبه كامل منذ نهاية شهر نيسان / أبريل.

ويمكن القول إن حسم هذه المعركة يُعدّ نقطة تحول مهمة في المواجهات الدائرة بين حكومة الوفاق وقوات اللواء الليبي "خليفة حفتر" على الأصعدة المختلفة السياسية والعسكرية، والداخلية والدولية.

أولاً: الأهمية الإستراتيجية لقاعدة الوطية

تعتبر قاعدة الوطية الجوية التي تبعد 140 كليومتراً إلى الغرب من مدينة طرابلس، أكبر قاعدة في ليبيا من حيث المساحة، وتقدر بـ 40 كليومتراً مربعاً، وتضمن مهبطاً وهنغارات مخصصة للطائرات الحربية، بالإضافة إلى مستودعات أسلحة ووقود، ومدينة سكنية وبنية تحتية تتسع لما يقارب 7 آلاف جندي.

وتساعد السيطرة على القاعدة في ضمان التفوق الجوي في الساحل الغربي الليبي والعاصمة طرابلس، وفي محيط القاعدة يوجد أكبر شبكة تحصينات عسكرية في جميع القواعد الليبية.

وتأتي "الوطية" من حيث الأهمية الإستراتيجية للموقع الجغرافي في المرتبة الثانية بعد قاعدة "الجفرة" التي تتوسط البلاد وتوفر للطيران إمكانية التحليق في مختلف الاتجاهات.

ثانياً: العوامل التي ساعدت في السيطرة على القاعدة

حظيت عمليات حكومة الوفاق والقوات المتحالفة معها بزخم كبير منذ شهر شباط / فبراير من العام الحالي، جراء تصاعد الدعم التركي العسكري لها، ويمكن حصر أبرز أوجه هذا الدعم الذي أثّر في السيطرة على قاعدة الوطية فيما يلي:

1) مشاركة المقاتلين السوريين

شارك المقاتلون التابعون للجيش الوطني السوري بكثافة في المعارك التي استهدفت القاعدة إلى جانب حكومة الوفاق، حيث وصل أعداد المقاتلين السوريين الذين وصلوا إلى ليبيا قرابة 6 آلاف مقاتل.

2) منظومات الدفاع الجوي

ساهمت منظومات الدفاع الجوي التي استقدمها الجيش التركي في تحييد الطيران المسير التابع للجيش الإماراتي المتمركز في قاعدتي "الجفرة" و "الوطية".

2) الطيران التركي المسيّر

يعتبر الطيران المسير التركي من العوامل الحاسمة التي سهلت عملية السيطرة على قاعدة الوطية، حيث ركزت الطائرات المسيرة التركية على قصف مستودعات الأسلحة والوقود داخل القاعدة لأكثر من أسبوعين قبل اقتحامها من قبل القوات البرية، بالإضافة إلى تدمير الأرتال والتعزيزات العسكرية وامدادات الوقود التي تدخل القاعدة.

كما أن الفترة الممتدة بين السادس عشر والثامن عشر من أيار / مايو شهدت تدمير ثلاث منظومات دفاع جوي روسية الصنع من طراز "بانتيسير1" أدخلها الجيش الإماراتي إلى ليبيا.

ثالثاً: تداعيات سيطرة حكومة الوفاق على قاعدة الوطية على الفاعلين

تُشكّل السيطرة على قاعدة الوطية خسارة عسكرية وسياسية لقوات "حفتر" وعلى العكس من ذلك بالنسبة لحكومة الوفاق الوطني.

1) تأمين العاصمة

يمثل تحييد قوات حفتر والطائرات الحربية التابعة له والطائرات المسيرة الإماراتية عن قاعدة "الوطية" عامل مهم في إحباط الحملة التي يشنها اللواء الليبي على طرابلس منذ شهر نيسان / أبريل عام 2019، بالإضافة إلى ضمان الاستقرار أكثر في الساحل الليبي الغربي.

2) تحرير كتلة عسكرية كبيرة

إلى جانب تأمين العاصمة طرابلس، فإن المكسب العسكري لحكومة الوفاق في السيطرة على "الوطية" يتمثل في تحرير كتلة عسكرية كبيرة تتبع للمنطقة العسكرية الغربية بقيادة اللواء "أسامة جويلي" من المرابطة حول القاعدة وفي مناطق أقصى الغرب، وبالتالي الاستفادة منها في العمليات العسكرية المقبلة وبالأخص في محاور جنوب طرابلس.

 

3) التأثير السياسي السلبي على حفتر

من المحتمل أن تنعكس خسارة قاعدة "الوطية" سلباً على اللواء "خليفة حفتر"، من خلال زيادة الشك من طرف الدول المساندة له حول قدرته على تحقيق الحسم العسكري، وبالتالي تراجع الدعم المقدم له، والبحث عن خيارات جديدة كمحاولة الدفع باتجاه تفاهم سياسي أو اتفاق جديد بين أطراف تمثل الشرق الليبي مع حكومة الوفاق، كبرلمان "طبرق" الذي لا تعيش علاقته مع اللواء الليبي أفضل مراحلها.

4) فتح آفاق لتمتين علاقات الوفاق مع دول الجوار

قد يفتح دخول حكومة الوفاق إلى قاعدة الوطية، وقبلها إلى الساحل الغربي والشريط الحدودي مع تونس آفاقاً لتمتين تحالفاتها مع دول الجوار العربي (الجزائر – تونس)، حيث سعت حكومات هذين البلدين إلى اتخاذ موقف شبه حيادي بين الطرفين طوال الفترات الماضية، تحسباً لانتصار حفتر من جهة، ورعاية التوازن في العلاقة مع حلفاء كلا الطرفين. إلا أن تقدّم الوفاق في الوطية، وقدرتها على المحافظة على هذا الانتصار لاحقاً، سيُعزّز من قدرات هذين البلدين على تمتين العلاقات مع الوفاق بصورة أكبر.

رابعاً: وجهة العمليات المقبلة لحكومة الوفاق

على الأرجح ستكون الوجهة المقبلة لعمليات حكومة الوفاق والقوات المتحالفة معها هي محاور جنوب العاصمة طرابلس التي تتمركز فيها قوات حفتر على مشارف العاصمة، وبالتحديد: عين زارة، ووادي الربيع، وصلاح الدين، والمطار الدولي، وامسيحيل، من أجل ضمان تأمين كامل لأحياء طرابلس.

كما تعتبر منطقة "الوشيكة" جنوب شرق مدينة مصراتة من المناطق المهمة، حيث أن السيطرة عليها تساعد في تأمين مصراتة، وتفتح الطريق من أجل التقدم باتجاه مدينة سرت.

ومن غير المستبعد أن تركز حكومة الوفاق والقوات المتحالفة معها مجهودها العسكري على وسط البلاد باتجاه "سبها" بهدف إعادة فتح حقلي الشرارة والفيل النفطيين اللذين تغلقهما قبائل موالية لـ "حفتر"، خاصة وأن لحكومة الوفاق مكونات عسكرية تواليها في مدينة "سبها".