صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا: الأبعاد والتداعيات
2023-04-293120 مشاهدة
شهدت الانتخابات الأوروبية (2019 ـ 2022) موجات متوالية من انتصار الأحزاب اليمينية المتطرفة وتبوُّئِها مكانة مركزية في الخريطة السياسية بأوروبا، حيث شهدت العديد من الدول الأوروبية تراجُعاً اقتصادياً كبيراً، مع فشل حكومات اليسار واليمين في تحقيق برامجها السياسية ووعودها الانتخابية، ما دفع الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى واجهة الأحداث حيث تنتصر للخطابات القومية والمعادية للهجرة على خطابات الأحزاب المعتدلة من أحزاب اليسار واليمين على حدّ سواء.
يمكن إيعاز ازدهار وصعود اليمين المتطرف إلى أسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية في العديد من الدول الأوروبية، فمن الصعب تحديد أيها الأكثر أهمية. من المؤكد أن الأزمة الاقتصادية التي اندلعت في عام 2008 وما تلاها من سعي الاتحاد الأوروبي والحكومات الوطنية الحازمة لاتخاذ إجراءات للسيطرة على العجز النيوليبرالي والتقشف باعتبارها أحد العوامل الرئيسية من وراء صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة.
مثل هذه السياسات الاقتصادية تزيد من الفجوة بين النخبة ذات الامتيازات والجانب الأكبر من السكان، وبالتالي تستغل الأحزاب والتيارات اليمينية المتطرفة استياء فئات عريضة من المواطنين الذين يعانون في قعر السلم الاجتماعي. ومما يزيد الوضع تعقيداً التغيرات الاجتماعية التي أدت إلى تقليص الطبقة العاملة الصناعية السابقة، التي كانت تدعم تقليدياً الأحزاب اليسارية الكلاسيكية. أدت التغييرات الثقافية، ولا سيما أزمة الأيديولوجيات الكبرى (خاصة على اليسار، مع تطلعاتها التحويلية) إلى انتشار وجهات النظر الفردية والانقسامية والساخرة للواقع في جميع أنحاء المجتمع الأوروبي.
تحاول هذه الورقة تفسير أسباب انتشار أفكار وفوز أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا وما هي انعكاسات هذه الظاهرة على البنيات المؤسساتية داخل الاتحاد الأوروبي والسياسات العمومية المتبعة من قِبل هذه الحكومات ومدى قدرتها على إيجاد حلول اجتماعية واقتصادية لمجتمعاتها؟ وتأثير هذا الصعود على مشروع الاتحاد الأوروبي الذي دخل منذ فترة طويلة في سياسة التوسع شرقاً واستقطاب دول أوروبا الشرقية؟
وما هو تأثير هذا الصعود على أداء البرلمان الأوروبي كهيئة تشريعية مركزية في الاتحاد الأوروبي، وخاصة أن عدد المشرعين الإيطاليين مرتفع مقارنة مع عدد السكان، وخاصة إزاء ملف الهجرة، وما هو التأثير المحتمل على المناطق الجغرافية الأخرى خاصة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي قد تتضرر من السياسات العنصرية لليمين المتطرف، وخاصة إزاء قضايا الهجرة والتوطين والاندماج.
وانتهت الدراسة إلى أن صعود اليمين الأوروبي سيدفع إلى إعادة تشكيل خريطة التحالفات السياسية في أوروبا، سواء على المستوى التشريعي والتنفيذي وتحديد الأولويات بالنسبة للحكومات الأوروبية التي تصارع من جهة لتصحيح مسار الاندماج الأوروبي، وخاصة أن التيارات اليمينية تقف موقف المشكِّك في الاتحاد الأوروبي، لكنها في نفس الوقت لا يمكن لها تغيير قواعد اللعبة السياسية بالكامل وتحاول الاستفادة من الاتحاد للخروج من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لكن دون التخلي عن الطموحات القومية السيادية ومواقفها من الهجرة والمهاجرين.
وعلى المستوى الدولي، لا تستطيع هذه الحكومات أن تغير من واقع التحالفات مع العديد من دول الشرق الأوسط بل قد تسجل تقارُباً كبيراً مع العديد من الأنظمة السلطوية والأبوية في المنطقة، برغم أن طبيعة تلك التحالفات وتداعياتها على الطرفين سواء الأوروبي أو الشرق أوسطي ما زالت غير واضحة بشكل كبير، وستظل ملامحها رهينة بالتطوُّرات التي قد تحدث في المستقبل، وخاصة على مستوى جاذبية المصالح الأوروبية واحتياجاتها المتزايدة من النفط والغاز وفي ظل الحرب الروسية الأوكرانية، التي تجعل الحكومات الأوروبية قد تراهن على دول الشرق الأوسط من جهة الاستفادة من الخيرات الاقتصادية للمنطقة ومن جهة أخرى ضمان الاستقرار والأمن فيها للتحكم والحد من الهجرة غير النظامية وتدفُّق اللاجئين نحو أوروبا.
يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF اضغط هنا