"حزب الله" اللبناني بعد تفجير أجهزة الاتصال.. ردّ يتناسب مع قواعد الاشتباك

"حزب الله" اللبناني بعد تفجير أجهزة الاتصال.. ردّ يتناسب مع قواعد الاشتباك

2024-09-20
689 مشاهدة


نفذت "إسرائيل" عملية أمنية مركَّبة ضدّ "حزب الله" في "لبنان" عَبْر استهداف بِنْية الاتصال التنظيمي المباشر للحزب خلال يومين متتاليين في 17 و 18 أيلول/ سبتمبر 2024، في ضربة كبيرة وغير مسبوقة في تاريخ الصراع بين "إسرائيل" وخصومها، وكان من الواضح أن التخطيط لها قد استغرق أشهراً وربما سنوات، حيث تتداخل فيها عوامل متعددة داخل "لبنان" وخارجه.  

هذه العملية ستغير كل قواعد الحرب في المنطقة، فهي تنهي منظومة الردع التي كرسها الحزب منذ حرب تموز/ يوليو 2006، ما يضعه أمام قرار واضح يحتاج إلى اتخاذه مع الإيرانيين، إما تنفيذ هجوم كبير لاستعادة منظومة الردع، وإما الاستمرار في تلقي الضربات الإسرائيلية. وهو ما تجري بمحيطه كل النقاشات والتحقيقات داخل الحزب، بغية كشف أي اختراق أمني محتمل.  

آثار العملية وتداعياتها  

طالت الضربة جزءاً كبيراً من كوادر المجموعات الميدانية وقادتها، وكان يمكن أن يكون خطر الضربة على الحزب أكبر لو أنها تزامنت مع بَدْء عملية برية، فالضربة كانت ستخلق إرباكاً على مستوى المجموعات القتالية، ما سيمنح نقاطاً لصالح التقدُّم البري؛ لكن التحرك البري لم يحصل.  

أَرْخَت الضربة بظلالها على الحزب وبيئته الحاضنة، بعد أشهر من تصاعُد الاستهدافات الإسرائيلية، فيما تميزت ردود الحزب عادة بالبرودة والتوازُن، انسجاماً مع القراءة السياسية للواقعيْنِ الإقليمي والدولي.  

لكن هذه المرة لَمَسَت البيئة الحاضنة للحزب التأثيرات المباشرة لِمَا جرى، مما أوجب الوقوف أمام اتجاه من اثنين: إما التخلي عن سياسة الرد المحسوب أو المدروس والذهاب بخيار الرد الكامل والقوي، وإما تراجُع الحماسة لهذه الحرب عَبْر التراجع التكتيكي.  

فرضت العملية تغييراً في الأجندة الدولية والإقليمية تجاه الملف اللبناني، بعد مرحلة وصلت فيها التهديدات الإسرائيلية إلى الترجمة العملية، وتحديداً التهديد بتوسيع العمليات لتشمل الاجتياح البري، حيث ظل الموقف الخارجي يتعامل مع الضربة على أنها حلقة، ولو خَطِرةً جداً، من سلسلة الصراع والردود المتبادلة بين "إسرائيل" والحزب، ورغم التنديد الخارجي بحجم العملية ونوعيتها، لكن الموقف الدولي والإقليمي تعامل معها على أنها أكثر من عملية أو عمليات اغتيال، وأقل من حرب واسعة.  

إنَّ التوقف عند طبيعة العملية ورصد التقنيات المستخدمة وكيفية تنفيذها هو جزء من مقاربة الأطراف الفاعلة لواقع تطوُّر العمليات العسكرية، ورصد قدرات "إسرائيل" والحزب معاً في حجم الردود المتبادلة والقدرة التكنولوجية والعسكرية للطرفين، شبيهاً إلى حد ما بما حصل مع بدايات الحرب الأوكرانية  الروسية، مع استخدام كِلا الجانبين أدوات قتالية مختلفة عن السياق التقليدي للحروب.  

لذا لا يزال التعامل مع الحدث على أنه مضبوط الإيقاع، طالما أنَّ هناك تسليماً بأنَّ قرار الحزب بالانخراط في أي حرب شاملة مرهون بالقرار الإيراني، وخاصة أن "طهران" غير راغبة في توسُّع المعركة حالياً؛ لأسباب متعلقة بالظروف والتحديات الداخلية والخارجية، إضافة لحجم التفاهُمات مع واشنطن على أعتاب الانتخابات الرئاسية الأمريكية.  

على المستوى الأمريكي والأوروبي ظهر أنَّ الأطراف الغربية حريصة على الاستفادة مما جرى؛ بغية ضبط الإيقاع اللبناني في صورة سريعة، تفادياً للانهيار الشامل، لا سيما في ضوء جوّ الإدانة الداخلية والخارجية لما حصل، وعدم السماح بتطوُّر الأمور نحو تطوُّرات لا إمكانية لمعرفة مدى اتساعها.  

دوافع العملية وأسبابها  

في ظل كل المحاولات الأمريكية والدولية لمنع تمدد الحرب نحو الحرب الشاملة، أتت العملية لتفتح معها تساؤُلات عن أهدافها الرئيسية، لذا ثَمّة قراءتان لدوافع العملية وأسبابها:  

أولاً: ثَمّة نظرة ثابتة منذ بداية الحرب على غزة وما واكبها من جبهات إسناد، أنَّ هناك سعياً إسرائيلياً لدخول الحزب في الحرب، وجعله ملزَماً أمام البيئة الحاضنة والأطراف الحليفة له بالذهاب لرد قوي وعنيف، قد يصل إلى استهداف مدنيين إسرائيليين، طالما أن "إسرائيل" بدأت تسديد ضربات ذهب ضحيتها مدنيون أيضاً، وفي هذه الحالة تصبح "إسرائيل" في موقع يمنحها العذر المطلوب أمام الرأي العام الغربي، وخصوصاً الأمريكي، لشن الحرب المفتوحة على "لبنان".  

خاصة أنَّه مع زيارة المبعوث الأمريكي "آموس هوكشتاين" (Amos J. Hochstein) إلى "إسرائيل" منتصف أيلول/ سبتمبر 2024 ظهر ضغط أمريكي كبير لمنع رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" ( Benjamin Netanyahu ) من الذهاب إلى الحرب مع "لبنان"؛ لأن إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" (Joseph Biden) باتت تدرك أنَّ من أهداف رئيس الحكومة الإسرائيلي إقحام الإدارة الديمقراطية بحرب مليئة بالتحديات، على أبواب الانتخابات الأمريكية.  

إنَّ "واشنطن" في حال تعرُّض "إسرائيل" لرد موجع من الحزب ستصبح ملزَمة بمواكبة الخيار الإسرائيلي عسكرياً، والتورط في حماية "خاصرتها" في المنطقة، وجهاً إلى وجه مع "إيران" وأذرعها في "اليمن" و"العراق" و"سورية"، وهذا هو بالضبط ما يريده "نتنياهو" في محاولات دفع الحزب للحرب.   

ثانياً: من أسباب العملية الأمنية المعقَّدة التي نفذتها "إسرائيل" توجيه ضربات موجعة تطال البِنْية الداخلية للحزب، لتكون بمثابة خُطوة أولى لمرحلة طويلة من مشروع توسيع دائرة المواجهات، والتي كان وصفها "نتنياهو" منذ أيام بأنّها: "ستكون متدرجة وعلى امتداد أسابيع"، وخاصة أنَّ مَن يحملون أجهزة "البيجر" هم قادة ميدانيون في مواقع مهمة، بدليل أن السفير الإيراني "مجتبى أماني" كان يمتلك أحد هذه الأجهزة، وهو ما يعكس الأهمية العالية للتواصل عَبْر هذه الشبكة.  

لذا فإن التصورات تشير أن "لبنان" قد يكون دخل مرحلة جديدة وخطرة، في ظل إعلان "نتنياهو" أنه يخوض معركة تأمين إعادة سكان المستوطنات إلى بيوتهم ضمن أهم هدف حالي لـ "إسرائيل"، من هنا يمكن فهم أسباب نقل الفرقة 98 الهجومية في الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة نحو الحدود مع "لبنان"، لتنضم إلى فرقة المظليين والفرقة 36 المنتشرتين منذ بداية الحرب على الحدود الشمالية.  

الموقف الدولي وضبط قواعد الاشتباك  

اندفعت الأطراف الدولية لضبط آثار العملية وتداعياتها، وهذا الموقف ترجمته اتصالات المبعوثين الأمريكيين، إضافة للرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" ( Emmanuel Macron ) برئيسَي الحكومة ومجلس النواب، عَبْر التأكيد على تثبيت الواقع الميداني، وسط التخوف من احتمال انفجار الصراع أو اتساعه.  

يتزامن هذا الحراك مع الاجتماع الذي يُعقد في "باريس" بين مسؤولين فرنسيين وأمريكيين وبريطانيين، بهدف الضغط لمنع توسيع الحرب، ولدراسة كل الخيارات المحتملة في حال اندلعت، وكيفية التعاطي مع الرعايا الأجانب في "لبنان"، واحتمال حصول موجات لجوء جديدة باتجاه دول أوروبية عَبْر "البحر المتوسط".  

بالمقابل فإن "واشنطن" الرافضة لتوسُّع الحرب يبدو أنها تتفاهم مع "طهران" حول منع أيّ تطوُّر ميداني، وهو ما يمكن تلمُّسه من كلام المرشد الإيراني "علي خامنئي" حول جواز التفاوض مع الأعداء، في وقت تحدث الرئيس الإيراني "مسعود بزشكيان" بكثير من التودُّد تجاه "الولايات المتحدة"، معلِناً عن حاجة الاقتصاد الإيراني إلى 100 مليار دولار من الاستثمارات.  

وعليه يمكن الاستشراف أنه وأمام هذا السياق الدولي والداخلي اللبناني، فإن الحزب بات ملزَماً بالردّ على ما جرى؛ لكن ضِمن قواعد الاشتباك الحالية التي ترسمها المفاوضات الإيرانية الأمريكية، تماماً كما فعل الحزب في عمليات الردّ الأخرى على استهدافه، وآخِرها ردّه على اغتيال القيادي "فؤاد شكر".