ضعف التحضير والاستجابة للكارثة في ليبيا كإحدى عواقب الانقسامات السياسية
2023-09-211032 مشاهدة
كشفت الفيضانات المدمرة الأخيرة في ليبيا عن العواقب الوخيمة لسنوات من الفوضى السياسية والانقسام الذي ابتُليت به البلاد منذ سقوط معمر القذافي في عام 2011. وقد سلطت الكارثة الطبيعية الأكثر قسوة في تاريخ ليبيا الضوء على عقابيل ضعف التنمية في عهد القذافي، وإعاقة الواقع السياسي المُقسّم للقدرة على الاستجابة بفعالية للأزمات.
بدا أن من أبرز القضايا التي لم تسمح بتوقُّع الكارثة والاستجابة الجيدة لها، هو وجود حكومتين ضعيفتين متنافستين منذ عام 2014، حيث تم تقسيم ليبيا بين إدارتين، لكل منهما رئيسُ وزرائها وداعمون دوليون لها. في طرابلس يقود رئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة الحكومة المعترَف بها دولياً، بينما في بنغازي، يحكم رئيس الوزراء أسامة حمد الإدارة الشرقية بدعم من القائد العسكري خليفة حفتر، هذا فضلاً عن ضعف سيادة ومركزية كل حكومة من الحكومتين، والذي تمظهر من خلال تجدُّد الاشتباكات داخل الفصائل التابعة لكل منهما بين فترة وأخرى.
وقد أدى التنافس بين هاتين الحكومتين، إلى جانب تأثير الداعمين الدوليين لكل منهما، إلى خلق مشهد سياسي منقسم بشدة. وعلى الرغم من تعهُّد الحكومتين بالمساعدة في جهود الإغاثة من الفيضانات، إلا أن المؤشرات تشير إلى ضعف تعاوُنهما بفعالية. وقد أدى هذا الافتقار إلى الوحدة إلى إعاقة التخصيص الفعّال للموارد وتنسيق عمليات الإنقاذ، مما انعكس سلباً على المناطق المتضررة، مثل مدينة درنة المدمرة.
على الرغم من تراجُع التوتر بين الفاعلين الإقليميين الداعمين لكل طرف، مثل مصر وتركيا، لم تنفع محاولات التوسُّط في السلام لسدّ الفجوة بين الحكومتين. ولم يُؤَدِّ دعم القوى الإقليمية والعالمية للفصائل المختلفة إلا إلى تعميق الانقسام السياسي، مما يزيد من صعوبة تنسيق استجابة موحَّدة للأزمة.
وتأتي كارثة الفيضانات وسط تزايُد الاضطرابات والسخط داخل ليبيا؛ حيث اندلعت احتجاجات واسعة بعد الكشف عن اجتماع سري بين وزيرة الخارجية الليبية ونظيرها الإسرائيلي. كما سلط القتال المتقطع بين الميليشيات المتناحرة في العاصمة طرابلس الضوء على استمرار نفوذ الجماعات المسلحة في الشؤون الداخلية لليبيا.
وقد سمح عدم الاستقرار في ليبيا للميليشيات والمتاجرين بالبشر بانتهاز الفرصة، مما أدى إلى تفاقُم أزمة الهجرة حيث أصبحت البلاد نقطة عبور رئيسية لأولئك الذين يبحثون عن اللجوء في أوروبا.
لقد تعرضت مدينة درنة -إحدى المناطق الأكثر تضرُّراً من الفيضانات- إلى الإهمال، شأنها شأن الكثير من المناطق في ليبيا منذ الإطاحة بالقذافي. وفي الوقت الحاضر، تظهر مؤشرات متزايدة على انعدام الثقة بين سكان المدينة والسلطات الموالية للجنرال حفتر، الأمر الذي يزيد من صعوبات الاستجابة للكارثة.
مع جمود المشهد السياسي، وهشاشة الاستقرار، وتراجُع الثقة الشعبية بسلطات الأمر الواقع، من المتوقَّع أن تؤثر الكارثة سلباً على مستويات الرضا الشعبي وسط انهيار وضع الحَوْكَمة، وغالباً ما سوف تُسهِم الكارثة -إلى جانب عوامل أخرى- في تشكيل ديناميات تغيير جديدة مدفوعة بالعوامل الداخلية الآنِفة الذكر، ومع تفاعُل تلك العوامل مع العوامل الخارجية المتعلقة بموقع ليبيا المهمّ قرب القارة الأوروبية وسط ازدياد الاضطرابات في إفريقيا عموماً وتزايُد معدلات الهجرة، إضافة إلى تدخُّلات الفاعلين الإقليميين والدوليين المتعلقة بالمخاوف الأمنية، والتنافس على غاز المتوسط وغيرها من العوامل، من المتوقَّع عدم حدوث تغيُّرات جوهرية في المشهد الحالي من مثل: توحيد ليبيا تحت حكومة واحدة.