لبنان يتحضر لمواجهة تضخُّم مضاعف
2022-06-271911 مشاهدة
يعيش اللبنانيون واقعاً اقتصادياً صعباً، حيث تزداد الأزمة الاقتصادية في البلاد يوماً بعد يوم، وتجعل المواطن في حالة ترقُّب دائم لما قد يطرأ من قرارات أو إجراءات تزيد معيشته سوءاً، علماً أن الأنظار تتجه حالياً إلى أسعار المحروقات التي ترتبط بها أسعار مختلف السلع وتكاليف النقليات، والتي إنْ تفلَّتَتْ فستقود إلى تضخُّم يزيد إلى الضعف تقريباً عن التضخّم الحالي.
وتراجعت بشكل تدريجي أشكال الدعم كافة، عن كل السلع الأساسية والثانوية، بينما ما تبقى من دعم هو محدود جداً، ولكنه أساسي، كالدعم غير المباشر للمحروقات والطحين.
وينفق مصرف لبنان حوالَيْ 150 مليون دولار شهرياً على استيراد المحروقات، وهو ما دفع حاكمه رياض سلامة إلى تبليغ السلطات التنفيذية من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الطاقة بأنه غير قادر على الاستمرار في سياسة توفير الدولارات لهذا الاستيراد. كما أبلغهم بأنه من الضروري أن تتحرر الأسعار من سعر منصة «صيرفة»، وهي منصة يدعمها مصرف لبنان، عن طريق المصارف التجارية، حيث يمكن من خلالها شراء الدولار بسعر أقل من سعر السوق السوداء (الدولار على هذه المنصة يبلغ حوالَيْ 25000 ليرة). وبالتالي، فإن هذا الأمر سيجعل استيراد المحروقات يتمّ استناداً إلى سعر الدولار في السوق السوداء، أيْ حوالَيْ 29000 ليرة حالياً، مما يعني أن سعر الصفيحة سيبدأ من 800 ألف ليرة ويتصاعد.
القرار الذي أبلغه سلامة، وسيضغط بحزم لتنفيذه في الأيام المقبلة، كان قد أرجأه مراراً بسبب ضغوطٍ سياسية من هنا وتمنيات من هناك، لتهدئة الشارع وضبط سعر الصرف، سواء عَبْر الحِيَل الاقتصادية أو من خلال لعبة العرض والطلب وسحب الليرة وضخّ الدولار. لكن إستراتيجية حاكم مصرف لبنان بالهروب إلى الأمام لم تَعُدْ كافية، خاصة في ظل غياب تامّ للحكومة وانعدام الرؤية والحلول ووسط تخبُّط في القرارات السياسية.
هذا القرار، إن اتخذ، فسيكون له تداعيات كارثية على السوق ومعيشة المواطن، إذ إن سعر صفيحة البنزين (20 ليتراً) قد يتجاوز المليون ليرة. فأصحاب المحطات سيذهبون إلى السوق السوداء لشراء الدولار، مما يعني زيادة الطلب عليه، وبالتالي ارتفاع قيمته مقابل تدهور إضافي لقيمة الليرة، وهو ما سيعني أن سعر الصفيحة على المدى المتوسط سيصل إلى ضعف سعره الحالي، أولاً لأنه سيكون قد ارتبط بدولار السوق السوداء مباشرة، وثانياً لأن قيمة الليرة ستتدهور مع الوقت.
هذا الأثر المُضاعَف لن يكون محدوداً أو محصور النتائج، فالتضخم سيصيب أسعار السلع كافة، بسبب التدهور في سعر الليرة وزيادة كلفة النقل مع غلاء المحروقات، علماً أن أجور المواطنين بمعظمها لا زالت على حالها.
رفع الدعم لن يكون السبب الوحيد في زيادة سعر صفيحة البنزين، وزيادة التضخم جرّاءها، إذ إن الأزمة العالمية التي أحدثتها حرب روسيا على أوكرانيا لن تترك لبنان بمعزل عن الارتفاعات العالمية في أسعار الطاقة وغيرها من السلع الأساسية.
على الجهة المقابلة، فإن موارد الدولة اللبنانية محدودة، ولن تستطيع في المدى المنظور جلب المزيد من الأموال، نظراً لاستحالة زيادة الضرائب على المواطنين، خاصة أن الرواتب لا زالت على حالها، بالإضافة إلى أنه لجذب الاستثمارات الأجنبية، يجب على الدولة تعديل قوانين وإطلاق مشاريع، وهي بعيدة عن ذلك في الوقت الحالي. أما صندوق النقد الدولي، فلن يعطي الدولة اللبنانية شيئاً قبل تنفيذ الإصلاحات المشترط عليها تنفيذها، كما أنها لن تتلقى المساعدات سواء من الدول العربية أو الدول الغربية في ظل التخبط الذي تعيشه.
الدولة اللبنانية تعوّل اليوم بشكل شِبه كلي على لعبة العرض والطلب من جهة والموسم السياحي الموعود خلال الصيف من جهة أخرى، والذي تنتظر منه مليارات الدولارات.
التخبط السياسي الذي يعيشه لبنان سيجعل من أي حكومة غير قادرة على أخذ القرارات وجلب الاستثمارات وإدخال الموارد والعملة الصعبة إلى البلاد، فيما يعيش المواطنون الآثار السلبية لهذا التخبط، إضافة للخوف من أن تضيع أموال السياحة المنتظرة في فجوة حسابات المصرف المركزي، من خلال عمله على سَحْب الدولار من السوق وتخزينه لإفادة الدولة دون المواطن وإعطائها نَفَساً أطول للصمود.