ماذا يعني الصراع في الشرق الأوسط بالنسبة لأوكرانيا؟
2023-11-20829 مشاهدة
نشر موقع موسكو تايمز مقالاً تحت عنوان: "ماذا يعني الصراع في الشرق الأوسط بالنسبة لأوكرانيا؟"
تحدث خلاله الكاتب "إيليا كوسا" عن الفرص والتحدِّيات التي ظهرت أمام أوكرانيا لكي تفاضل في الانحياز لأحد أطراف النزاع الدائر في الشرق الأوسط.
لم تُظهِر أوكرانيا قطُّ اهتماماً وثيقاً بالصراعات في الشرق الأوسط، ولكن اشتعال العداء الفلسطيني الإسرائيلي الحالي وضع كييف في معضلة. في البداية كان ردّ فعل الحكومة الأوكرانية على الهجمات التي شنتها حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر مماثلاً لردة فعل أغلب الدول الأخرى: وذلك بإدانة المسلحين الفلسطينيين والتعبير عن تعازيها للإسرائيليين.
لكن تصرُّفات الجيش الإسرائيلي اللاحقة في غزة أثّرت على المواقف تجاه إسرائيل، ولا تزال الولايات المتحدة وأغلب الدول الغربية الأخرى تدعم إسرائيل، في حين أدانتها العديد من دول القسم الجنوبي من العالم بسبب غاراتها الجوية العشوائية ضد غزة، وأصرت على أنها تتحمل أيضاً بعض المسؤولية عن اندلاع أعمال العنف.
ونتيجة لهذا فقد وجدت أوكرانيا نفسها بين المطرقة والسَّنْدان. فمن ناحية، من المهم أن تؤكد كييف على وحدتها مع الغرب وعدم الدخول في خلاف مع إسرائيل، الحليف المحتمل المُهِمّ. ومن ناحية أخرى فإن الدعم الحماسي المفرط للإسرائيليين يمكن أن يضر بعلاقات أوكرانيا مع دول القسم الجنوبي من العالم، التي تتنافس كييف بشدة مع موسكو على تعاطُفها.
بالنسبة لمعظم الأوكرانيين، يُنظَر إلى العالم العربي على أنه منطقة بعيدة عن اهتمامهم، في حين أن هناك العديد من العلاقات الاجتماعية والثقافية والتجارية بين أوكرانيا وإسرائيل. وبالإضافة إلى ذلك، يُنظر إلى إسرائيل على نطاق واسع باعتبارها مثالاً جيداً للدولة التي نجحت في محاربة أعدائها لعقود من الزمن، وفي الوقت نفسه دولة مزدهرة ومتقدمة تكنولوجياً: بمعنى آخر، هي كل ما يرغب الأوكرانيون في أن تكون عليه بلادهم.
كان هناك الكثير من الحديث والدراسة المكثفة عن "النموذج الإسرائيلي" في أوكرانيا بعد الغزو الروسي واسع النطاق في شباط/ فبراير 2022، بما في ذلك تنظيم قواتها الأمنية وتشكيل تحالُف قوي من الحلفاء. إن طبيعة المعركة التي طال أَمَدها في أوكرانيا لم تؤدِّ إلا إلى زيادة الاهتمام بالمثال الإسرائيلي حول كيفية التكيف مع الحرب في حين تزدهر اقتصادياً.
ومن المؤكد أن الأوكرانيين ينظرون إلى التصعيد الحالي في الشرق الأوسط من خلال منظور حربهم مع روسيا، إذ إن الإجراءات الانتقامية التي تقوم بها إسرائيل في غزة تُقابَل بالتفهُّم في أوكرانيا، حيث يتردد صدى المطالبة العاطفية في المجتمع الإسرائيلي بالانتقام. بالنسبة للعديد من الأوكرانيين، الذين لا يعرفون سوى القليل عن المظالم الفلسطينية، تُذكِّرهم هجمات حماس بتلك التي قامت بها القوات الروسية أثناء احتلال منطقتَيْ كييف وتشرنيهيف في شباط/ فبراير وآذار/ مارس 2022.
لقد أوجدت الحرب بين إسرائيل وحماس مخاطر وفرصاً جديدة لأوكرانيا، ونظراً لموقف موسكو المؤيد للفلسطينيين والمؤيد لإيران، فإن دعم أوكرانيا لإسرائيل يمكن أن يساعد في تحسين العلاقات بين كييف وتل أبيب، فمنذ العام الماضي، بذلت الحكومة الأوكرانية كل ما في وسعها لإقناع الإسرائيليين بفرض عقوبات على روسيا وتزويد كييف بالدبابات وأنظمة الدفاع الجوي، ولكن الحكومة الإسرائيلية كانت مترددة في قطع العلاقات مع موسكو، ورفضت الذهاب إلى ما هو أبعد من تقديم المساعدات الإنسانية والإمدادات المحدودة من أنظمة الإنذار بالغارات الجوية.
وفي حزيران/ يونيو 2023، انتقد السفير الأوكراني لدى إسرائيل البلاد لتعاوُنها مع الكرملين، ولكن الآن لدى أوكرانيا الفرصة لإعادة بناء العلاقة مع إسرائيل، فقد بدأت السلطات الأوكرانية بالفعل في مقارنة حماس بروسيا، وإثارة تعاون موسكو الوثيق مع الحركة، وتعزيز رواية “محور الشر” الذي يتكون من إيران وحماس وروسيا. ومع ذلك ليس من الواضح ما إذا كانت إسرائيل مستعدّة لتقديم المساعدة العسكرية لأي جهة أخرى الآن بعد أن انخرطت في عملية عسكرية واسعة النطاق في غزة، والتي تهدد بالتصعيد إلى حرب على عدة جبهات.
وفيما يتعلق بالمخاطر التي تتعرض لها أوكرانيا، فمن الممكن أن تجد نفسها الآن تتنافس مع إسرائيل على المساعدة والاهتمام الذي تشتدّ الحاجة إليهما من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومن بين الاحتمالات المثيرة للقلق بنفس القدر حدوث انقسام محتمل في أوروبا بشأن القضية الفلسطينية الإسرائيلية، وتمارس المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في العواصم الأوروبية ضغوطاً على حكومات الاتحاد الأوروبي، وبناء عليه، فكلما طال أَمَد قصف غزة وكلما زاد عدد القتلى من المدنيين هناك، أصبح الدعم القاطع لإسرائيل أكثر خطورة وأقل احتمالية، وسط دعوات تطلقها الدول الغربية على نحو متزايد من أجل إعلان هدنة إنسانية، وإنشاء دولة فلسطين المستقلة، ومنع الحرب من التصعيد إلى صراع إقليمي واسع النطاق يشمل إيران ولبنان وسورية.
إن نشوب حرب كبرى في الشرق الأوسط من شأنه أن يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة برمتها، وهو ما لن يصرف انتباه الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين عن أوكرانيا فحسب، بل سيهز الاقتصاد العالمي وأسواق الطاقة أيضاً، ومن الممكن أن يستغلّ الكرملين هذه الفوضى، معتقِداً أنه كلما زاد عدد الأزمات في العالم التي تهدد أمن الغرب واقتصاده، كلما أصبح من الأسهل إقناعه بالتوصل إلى تسوية بشأن أوكرانيا.
وفي الوقت نفسه فإن الحاجة إلى اختيار أحد الجانبين في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تهدد بالإضرار بالعلاقات مع أولئك الذين يدعمون المعسكر المعارض، إذ إن تبنِّي موقف مؤيِّد لإسرائيل بشكل مفرط من شأنه أن يعرض علاقات أوكرانيا مع دول القسم الجنوبي من العالم للخطر، حيث تتنافس كييف مع روسيا منذ عدة أشهر على كسب تعاطُفها، وتستثمر موارد وطاقة هائلة لتحقيق هذه الغاية.
لا نستطيع أن نقول إن الدول المؤيِّدة للفلسطينيين في الشرق الأوسط وإفريقيا تراقب موقف أوكرانيا عن كثب: فهي لم تكن قطُّ لاعباً جدياً في المنطقة، ولكن الدول غير الغربية من الممكن أن تتذرع بدعم تصرُّفات إسرائيل كسبب لرفض دعم الموقف التفاوُضي لأوكرانيا أو الانضمام إلى العقوبات المناهضة لروسيا، أو كمبرر للتعاون مع روسيا. إن دعم إسرائيل من شأنه أن يعزز صورة أوكرانيا كدولة مؤيِّدة لأمريكا.
إن أوكرانيا غير راغبة في المخاطرة بعلاقاتها التي اكتسبتها بشقّ الأنفس مع الجنوب العالمي، ولكنها بالتأكيد لا تستطيع تحمُّل خسارة المساعدات الغربية التي لا يمكن تعويضها، الأمر الذي لا يترك لكييف مجالاً كبيراً للمناورة، ويبدو أن الخيار الأكثر أماناً في الوقت الراهن هو اتباع تيار السياسة الغربية.
لذلك في المستقبل المنظور، ستحاول أوكرانيا على الأرجح ضمان إدراجها في نفس برنامج المساعدات الغربية مثل إسرائيل، خاصة أن إدارة بايدن اقترحت بالفعل دمج الدعم للبلدين في حزمة واحدة، مما أثار حفيظة الجمهوريين، وتبدو مثل هذه الحزمة بمثابة النتيجة الأفضل لكييف؛ لأنها ستضمن تمويل احتياجات أوكرانيا العسكرية من المنظور الإستراتيجي وتحميها من المشاحنات السياسية الداخلية بين الإدارات الأمريكية المختلفة.
في هذه الظروف، قد لا يكون تحسين صورة البلاد في الدول العربية أولوية بالنسبة لكييف، على الرغم من أنها ستحاول عدم التورُّط في نزاعات حول مستقبل الشرق الأوسط، ولن تتحدث إلا بأقل قدر ممكن عن القضية الإسرائيلية الفلسطينية، مما يعني تجنُّب إثارة ردود فعل سلبية في بلدان الجنوب العالمي.
ومن غير المرجَّح أن يتطور موقف أوكرانيا المؤيِّد لإسرائيل إلى تحالُف أكثر عملية بين البلدين، وستكون إسرائيل منشغلة بمشاكل خارجية وداخلية شديدة الاختلاف في المستقبل المنظور، ولا تملك كييف إلا أن تأمل ألَّا يتطور القتال في قطاع غزة إلى أن يصبح مصدر إلهاء للغرب أو يزيد من خطر تحوُّل الحرب مع روسيا إلى صراع مجمَّد، وهو الاحتمال الذي لم تكن القيادة الأوكرانية مستعدّة له يوماً.
ترجمة: عبد الحميد فحام
المصدر:( موسكو تايمز)