ما الذي سيحلّ بإيران برحيل رئيسها؟
2024-05-24902 مشاهدة
تمّ الإعلان عن وفاة رئيس جمهورية إيران الإسلامية إبراهيم رئيسي في الساعات الأولى من يوم 20 أيار/ مايو بعد يوم طويل من عمليات البحث والإنقاذ على إثر العثور على حطام مروحيته التي سقطت في منطقة جبلية شمال غرب إيران بالقرب من الحدود مع أذربيجان.
أثارت وفاة رئيسي، الشخصية المهمة جداً على الساحة السياسية الداخلية في إيران، تكهنات حول طبيعة حادث سقوط المروحية. وبغض النظر عما إذا كان الأمر مجرد حادث عرضي أو مؤامرة بتدبير محلّي أو خارجي، فإن تداعيات مثل هذا الحدث يمكن أن تؤثر على توازُنات القُوى داخل النظام الإيراني ويكون لها تداعيات اجتماعية وسياسية غير متوقعة.
ربما لن تكون مسألة إيجاد بديل لرئيسي كرئيس للسلطة التنفيذية مهمّة صعبة بالنسبة للنُّخبة السياسية في النظام الإيراني. وعلى الرغم من كونه عضواً موثوقاً داخل النواة الأساسية للسلطة الحاكمة وأحد أبرز الشخصيات الأمنية والقضائية في الجمهورية الإسلامية، إلا أن رئيسي كان رمزاً للتفكُّك السياسي داخل النظام الإسلامي أكثر من كونه ممثلاً للوحدة الوطنية، وقد لعب دور الوكيل المُكلّف من قِبل مكتب المرشد الأعلى لضمان أن البرلمان والأوامر التنفيذية تتماشى مع تطلُّعات المرشد الأعلى.
إلا أن غيابه يمكن أن يخلّ بتوازُن القُوى داخل النظام، ويثير منافسة غير صحية بين الفصائل والشخصيات السياسية، بل وربما يصبح مقدمة لتغيير النظام السياسي في إيران.
ومن الممكن أن يؤثر موت رئيسي على انسجام "مجلس خبراء القيادة"، وبالتالي يغير مسار مستقبل الحكم في إيران. لقد شغل الرجل منصب نائب رئيس المجلس في الدورة السابقة، ومكانته جعلته متقدماً على الآخرين مما زاد من فرصه في خلافة المرشد الأعلى، علي خامنئي، علاوة على ذلك كان المرشح الوحيد الذي يتمتع بخبرة في رئاسة السلطتين القضائية والتنفيذية، وتمتع بدعم رجال الدين اليمينيين والمحافظين في البرلمان، وكثيراً ما تردد اسمه في وسائل الإعلام والدوائر السياسية إلى جانب اسم مجتبى خامنئي، نجل المرشد الأعلى الحالي باعتباره المنافس الرئيسي للقيادة المستقبلية.
وكان لديه فرصة جيدة للفوز بمنصب رئيس جديد لمجلس الخبراء لو أنه ما زال حياً وشارك في عملية اختيار رئيس المجلس التي كان من المقرر عقدها يوم 21 أيار/ مايو، وكان تقلُّده هذا المنصب من شأنه أن يجعله أقوى مرشَّح للقيادة.
إحدى المهام الرئيسية لمجلس الخبراء هي تحديد الأشخاص المؤهلين للقيادة، ومن المحتمل أن تمثل انتخابات مجلس الخبراء الأخيرة لعام 2024 والتي أُجريت في الأول من آذار/ مارس، الدورة الأكثر أهمية لمدة السنوات الثماني المقبلة، حيث إن المرشد الأعلى الحالي وصل إلى عمر 85 عاماً، وقد يحتاج إلى خليفة له عاجلاً وليس آجِلاً.
وسواء كان موت رئيسي هو السيناريو المفضل لابن خامنئي أم لا، فإنه يعزز مكانته كبديل للمرشد الأعلى، حيث سيكون الوريث المحتمل لإرث والده الذي أسسه منذ الثورة الإسلامية في إيران. وعلى الرغم من التحديات المتعلقة بالمسائل التشريعية، فإن هذا السيناريو قد يعزز من احتمال تأسيس نظام قيادة دينية مبنية على الوراثة، وقد يؤدي إلى تحوُّل النظام السياسي في إيران من نظام ديمقراطي إسلامي إلى نظام سلالة شيعية على المدى الطويل.
علاوة على ذلك قد تؤدي وفاة رئيسي إلى إحداث فوضى بين مختلف الفصائل والأحزاب السياسية. فنتيجة لرحيله، سيخسر أولئك الذين كانوا يعتمدون عليه منذ عقود، أي رجال الدين اليمينيون في مقاطعة خراسان، والجبهة الشعبية المحافظة لقوى الثورة الإسلامية، فضلاً عن الجماعات الأصولية المتطرفة، سيخسرون مواقعهم، وقد يواجهون صعوبة في العثور على بديل مناسب ليحلّ محلّه.
ويمكن للنزاعات داخل المعسكرات الأصولية أن تشكل تحدياً كبيراً للنظام أيضاً. فالمنافسة بين الشخصيات السياسية في إيران شديدة لدرجة أنهم يلجؤون إلى أعنف حملات الدعاية والتشهير ضد بعضهم البعض من قِبل المخبرين والصحافيين الذين يكشفون عن فساد الخصوم، وقد أصبح هذا السيناريو تقليداً، شهدته المنافسة على رئاسة البرلمان العام الماضي.
أما بالنسبة للمعتدلين والإصلاحيين وغيرهم من الأحزاب المهمشة، فإن رحيل رئيسي يمكن أن يدفعهم للخروج من حالة السبات التي يعيشونها والسعي للحصول على حصة من السلطة مرة أخرى. ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال مخاطبة الرأي العامّ والانخراط في الصراعات الداخلية للنخبة الحاكمة.
تغيير الشخصيات السياسية وإعادة توزيع السلطة قد يسبب اضطرابات كبيرة في المشهد السياسي وقد يغير من نسيجه، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي نشر الفضائح إلى تشويه سمعة النظام ككل ومفاقمة أزمة الشرعية التي يواجهها.
لقد كان الافتقار إلى الشرعية تحدياً حيّر النظام لعدة سنوات إنْ لم يكن لعقود، وقد تفاقمت هذه الأزمة منذ الانتفاضة الشعبية التي كانت تحت شعار "المرأة، الحياة، الحرية" عام 2021، حيث توسّعت الفجوة بين النخبة الحاكمة وعامة الشعب، مما دفع الناس إلى التوقُّف عن المشاركة في الأنشطة المدنية والسياسية كطريقة للاحتجاج والعصيان المدني، مما أضعف النظام بشكل أكبر.
في ظلّ الظروف الحالية، سيكون من الصعب وغير المرغوب فيه للنظام أن يشجع الناس على التصويت دون أن يخسر سمعته أو مكانته على الساحة الدولية.
وقد قاطعت عامة الشعب الانتخابات الرئاسية الأخيرة (2021) وانتخابات المجلس الإسلامي ومجلس الخبراء (2023)، مسجلة أدنى معدلات مشاركة منذ بداية الثورة الإسلامية.
هذا يعني أن هناك شعوراً في إيران بضرورة التحرك بسرعة تحسُّباً للانتخابات الرئاسية المقبلة، وسيتعين تنظيم الانتخابات خلال فترة زمنية قصيرة، حيث ينصّ الدستور على إجراء الانتخابات في غضون خمسين يوماً لاختيار رئيس جديد.
ونظراً لضيق الوقت المتاح لإطلاق حملات انتخابية وبسبب غياب القواعد الشعبية الفعّالة، قد يُطلب من المرشحين المحتملين الحصول على الدعم من خلال الحصول على موافقة مكتب المرشد الأعلى - أعلى هيئة حاكمة في إيران - بدلاً من الاعتماد على قوتهم وتأثيرهم السياسي.
ومن ثَمّ، فإن الشخصية السياسية التي تتمتع بأعلى قدر من الولاء للنواة الأساسية التي تحكم البلاد وتمتلك روابط قوية بالحرس الثوري الإيراني - المؤسسة التي تسيطر على موارد إيران الإستراتيجية والاقتصادية - قد يكون لديها فرصة أفضل للارتقاء إلى منصب الرئيس المستقبلي للجمهورية الإسلامية.
ومحمد باقر قاليباف الرئيس الحالي للبرلمان، والقيادي في الحرس الثوري الإيراني محمد مخبر نائب الرئيس الحالي والمحسوب على المرشد الأعلى؛ وعلي لاريجاني عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام والضابط في الحرس الثوري الإيراني؛ وسعيد جليلي Saeed Jalili عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، الذي ترشح أيضاً للانتخابات الرئاسية عام 2021 لكنه انسحب لصالح إبراهيم رئيسي؛ ويمكن أن يكون إسحاق جهانجيري Ishaq Jahangiri، نائب الرئيس السابق والوزير وعضو البرلمان، من بين الشخصيات التي قد تترشح للانتخابات المقبلة.
من المرجَّح دائماً أن تؤدي الأحداث غير المتوقعة إلى نتائج مفاجئة. إن التغيير المفاجئ في منصب الرئيس قد يهز أساس النظام السياسي غير المستقر أصلاً في إيران، والذي يحاول النظام الإيراني يائساً الحفاظ عليه، أو قد يغير مسار عملية تولّي القيادة على المدى الطويل.
إنّ وفاة إبراهيم رئيسي، في حدّ ذاتها، لا تُحدث تغييراً كبيراً، لكنها قد تهيئ بيئة مواتية يمكن أن تُشجّع على تغييرات كبيرة.