ما عواقب طلب النيجر انسحاب القوات الأمريكية منها؟
2024-04-161120 مشاهدة
في 16 آذار/ مارس 2024 أعلن المجلس العسكري في النيجر عن إلغاء اتفاقيات التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة، إثر اجتماعات عديدة أجراها وفد أمريكي برئاسة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي "مولي في" وقائد القيادة الأمريكية في إفريقيا الجنرال "مايكل لانجلي" على مدار يومَيْ 12 و13 آذار/ مارس.
كان من اللافت في سياق الاجتماعات رفضُ رئيس المجلس العسكري النيجري الجنرال عبد الرحمن تياني مقابلة الوفد الأمريكي، وبالرغم من ذلك، مدّد الوفد إقامته حتى 14 آذار/ مارس بهدف القيام بتعديلات على اتفاقية التعاون الدفاعي المشترك بين البلدين، إلا أن النيجر وصل في نهاية المطاف لإبلاغ الولايات المتحدة بضرورة مغادرة القوات الأمريكية البلاد وإنهاء الاتفاق العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية "لانتهاكه القواعد الدستورية والديمقراطية في النيجر".
تُعَدّ النيجر قبل الانقلاب على محمد بازوم في تموز/ يوليو 2023 شريكا أمنيّاً رئيسيّاً للولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث امتلكت فيه قاعدتين عسكريتين تُعَدّ إحداهما -وهي القاعدة 201- أهم قاعدة جوية للولايات المتحدة غرب إفريقيا، حيث تقوم باستمرار بطلعات جوية لجمع المعلومات عن التنظيمات الجهادية وعصابات التهريب والجريمة المنظمة جنوبي الصحراء الكبرى، وكانت تضم نحو 1100 جندي أمريكي من القوات الخاصة التي تتولى مهام تدريب جيش النيجر.
تعاملت الولايات المتحدة مع الانقلاب العسكري في النيجر برويّة، فلم تصفه بالانقلاب بداية، ومع إصرار المجلس العسكري النيجري على عدم إعادة المسار الديمقراطي علّق الكونغرس المساعدات الإنسانية دون المساعدات والاتفاقات العسكرية، كما رفضت الولايات المتحدة قرار مجموعة غرب إفريقيا -إيكواس- القاضي بقطع العلاقات مع النيجر وإعلان حصارها والاستعداد للتدخل العسكري في أراضيها بهدف إعادة النظام للبلاد، إلى جانب إيفاد الولايات المتحدة سفيراً إلى النيجر دون تسليم أوراق اعتماده للمجلس العسكري؛ في محاولة للتوازن بين عدم الاعتراف بشرعية المجلس العسكري من جهة، مع عدم قطع العلاقات بشكل نهائي من جهة ثانية.
في هذه الأثناء عزّزت النيجر علاقاتها العسكرية والسياسية مع بوركينا فاسو ومالي المحاذيتين لها من جهة، وروسيا وإيران من جهة أخرى، مما يجعل النفوذ الروسي والإيراني في مواجهة نفوذ الدول الأوروبية والولايات المتحدة.
من المحتمل أن يُضْعِف الانسحاب الأمريكي المتوقع من النيجر قدرات الولايات المتحدة والدول الأوروبية على جمع المعلومات حول التنظيمات الجهادية مما يُضْعِف بالتالي من قدرتها على مكافحتها ومنعها من التمدد، وبالتالي من الممكن أن يتصاعد نفوذ هذه الجماعات وتهديدها للنفوذ الحيوي والداخلي لأوروبا في شمال إفريقيا وغربها، وبناءً على ذلك فإن الولايات المتحدة الواعية بخطورة العلاقة بين روسيا والنيجر، قد تلجأ للتفاوض مع النيجر لتمكين الحلول الدبلوماسية بهدف حرمان روسيا من زيادة نفوذها في المنطقة، وقد يؤدي ذلك لمجيء وفد تفاوُضي آخر إلى النيجر بهدف الوصول لحلول وسط تُرضي الطرفين والتركيز على إبقاء العلاقات مع النيجر قائمة إلى جانب السماح بوجود نوع من الاستقرار العسكري والأمني للولايات المتحدة في أراضي النيجر.
من المؤكد أن الولايات المتحدة تنظر إلى خيارات بديلة في الجنوب الغربي من القارة، كبنين وتوغو وغانا وغينيا وساحل العاج، إلا أن هذه الخيارات تفتقر إلى البِنْية العسكرية التحتية التي أنشأتها الولايات المتحدة في النيجر، كما أنها تعاني من عدم انضباط الحدود وتهديد التنظيمات الجهادية في دول الساحل لها باستمرار، إلى جانب الاستبداد السياسي الذي تعاني منه معظم هذه البلاد مما يجعل من وجود الولايات المتحدة على أرضها باعثاً محتملاً لاضطرابات شعبية مستقبلاً.
سيؤدي انسحاب الولايات المتحدة من النيجر غالباً إلى إضعاف قدرة الولايات المتحدة على منع النيجر من التعاون مع إيران، بما في ذلك توفيرها اليورانيوم لها، حيث كان الرئيس السابق محمد بازوم موافقاً لسياسة الولايات المتحدة في عدم بيع اليورانيوم لإيران أو لوسطاء يمكنهم تسريبه إليها، إلا أن المجلس العسكري الحاكم في النيجر الآن لا يُخفي استعداده للتعاون مع إيران في شتى المجالات، وفي الغالب، لن يكون اليورانيوم استثناء منها.
في الإطار ذاته، فإن روسيا ستستطيع -عَبْر تمركز ميليشياتها في النيجر- تهديد أوروبا بشكل متزايد عَبْر دعم موجات الهجرة غير النظامية، وذلك من خلال تسهيل روسيا طرق العبور لعصابات تهريب المهاجرين عَبْر الصحراء بهدف زيادة تدفُّقات الهجرة غير النظامية إلى أوروبا وبالتالي تصعيد التهديد المباشر لدول أوروبا عموماً وجنوبها خصوصاً، كما من شأنه أن يعزّز الشبكات اللوجستية لروسيا في إفريقيا ويسمح لها بالتمركز داخل شبكة الاقتصاد المحلي لتهريب المهاجرين مما يزيد من موارد ميليشياتها في المنطقة.
من المفترض أن تمتلك روسيا في النيجر قاعدة عسكرية تتمركز فيها قواتها التي ستهيّئ لوجودهم أرضية قانونية واتفاقية رسمية مع المجلس العسكري، مما يمكّنها من المراقبة وجمع المعلومات حول التهديدات الجهادية المحتملة وغيرها، وبالتالي قد يكون لروسيا طائرات بدون طيار قريباً في النيجر بديلاً عن الطائرات الأمريكية المسيّرة.
كما استطاعت تركيا -ذات النفوذ المتصاعد في مجموعة دول الساحل- التوازن في موقفها مع النيجر إثر الانقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2023 من خلال رفضها للتدخل العسكري الذي أعلنت مجموعة إيكواس عن تحضيرها له، إلى جانب تمتينها العلاقات العسكرية مع دول الساحل من خلال تخفيضاتها وعروضها لشراء المسيّرات التركية وتشغيلها، وهو ما تقترب تركيا من تحقيقه أيضاً مع النيجر بعد إقناعها مالي وبوركينا فاسو بذلك.
من المرجَّح في هذا الإطار أن تسعى تركيا لتعزيز نفوذها في النيجر وتبني على اتفاقيتها الأمنية والعسكرية الموقَّعة مع النيجر عام 2021 ، ما يعزز من حضورها في المنطقة، ومن المرجَّح أن تسعى تركيا لإقامة قاعدة عسكرية تركية في منطقة أغاديس شمال النيجر المحاذية لتشاد وليبيا والجزائر والغنية باليورانيوم والذهب، مما يتيح المجال لشركات التعدين التركية للوصول إلى موارد باطنية جديدة.
في الخلاصة إن احتمال انسحاب الولايات المتحدة المحتمل من النيجر عقب إعلان إلغاء الاتفاقات العسكرية الدفاعية معها من قِبل المجلس العسكري في النيجر غالباً ما سوف يدفع لظهور فاعلين دوليين جُدُد على الساحة الأمنية والعسكرية في النيجر، خاصة روسيا وإيران وتركيا التي ترغب في الاستفادة من الإمكانات والثروات المحلية للنيجر، والتي تزيد من نفوذها في عدة مجالات، كأن تحرص إيران على الوصول إلى اليورانيوم النيجري عَبْر الشراء حاليّاً وربما عَبْر الاستثمار في تعدينه داخل النيجر لاحقاً، إلى جانب تعزيز كل من روسيا وتركيا نفوذهما ليكونا شريكين أمنييْنِ وعسكرييْنِ للنيجر بدلاً عن الولايات المتحدة، وذلك بهدف تقليص ومزاحمة حضور الولايات المتحدة الاستخباراتي في المنطقة وزيادة مواردهما عَبْر الاستثمار في مناجم الذهب واليورانيوم، وكذلك تحكُّم روسيا بطرق التهريب والضغط على أوروبا بموجات اللجوء الإفريقية المستمرة.