محرِّكات الانفتاح الدولي والعربي على النظام السوري ومآلاته

محرِّكات الانفتاح الدولي والعربي على النظام السوري ومآلاته

2024-07-26
1619 مشاهدة
Download PDF



تمهيد

تعود إرهاصات الانفتاح الدولي والإقليمي الأُولى على النظام السوري إلى منتصف عام 2017، وتمثلت بتصريحات إيجابية من الأردن تشير إلى إمكانية تصحيح العلاقات بينه وبين النظام[1]، وبعد قُرابة عام بدأت الإمارات تعمل على تجهيز سفارتها في دمشق، والتي تم افتتاحها في أواخر عام 2018 بعد قطيعة بين الطرفين امتدت قُرابة 7 سنوات.

الدفعة الأقوى للتطبيع العربي مع النظام السوري كانت في أيار/ مايو 2023 عندما تمت دعوة بشار الأسد لحضور القمة العربية في جدة، بالتوازي مع التطوُّر الملموس في العلاقات بين الرياض والنظام السوري، الذي وصل إلى درجة إعادة تعيين سفراء متبادَلين بين الجانبين مع مطلع 2024.

تخلل ما سبق إرسال تركيا رسائل متكررة بين عامَيْ 2022 و2023، تؤكد استعداد أنقرة لتطوير العلاقات مع النظام السوري، والتعاون في ملفات عودة اللاجئين ومكافحة الإرهاب.

وفي عام 2024 زار عدد من المسؤولين الأوروبيين دمشق، والتقوا مع مسؤولين في النظام السوري، أبرزهم وزير الخارجية التشيكي.

أولاً: الأسباب غير المباشرة للانفتاح على النظام السوري

توجد أسباب عامة ومتغيرات حصلت على الساحتين الدولية والسورية، مهّدت الأجواء لانفتاح العديد من الدول على النظام السوري، ويمكن تلخيصها بالآتي:

1-متغيِّرات الموقف الأمريكي

تبنَّت أمريكا خطاباً تصعيدياً تجاه النظام السوري منذ بداية الحَراك الشعبي ضدّه، ودعمت لاحقاً تشكيل غرف عمليات لتنسيق الدعم العسكري لفصائل المعارضة السورية في جنوب البلاد، وشمالها ووسطها، قبل أن تتغير أولوياتها في عام 2015 بعد تأسيس التحالف الدولي لمكافحة تنظيم "داعش"، ثم أتبعتها عام 2016 بوقف برنامج الدعم المخصَّص للمعارضة السورية عقب اتفاق وزيرَيْ خارجية روسيا وأمريكا الذي عُرف باتفاق "كيري - لافروف"[2]، وقامت بعدها بتركيز قواعدها العسكرية في شمال شرقي البلاد، وبالمجمل توقف دعمها العسكري والسياسي للمعارضة، وامتنعت عن ممارسة ضغوط حقيقية على النظام السوري من أجل إسقاطه أو إجباره على الانخراط في الحلّ السياسي، وبالمقابل استمرت بفرض العقوبات عليه لمنع استعادة عافيته الاقتصادية وكامل شرعيته السياسية.

2-التدخُّل العسكري الروسي المباشر في سورية

 أدى التدخُّل العسكري الروسي المباشر في سورية في شهر أيلول/ سبتمبر 2015، والدعم الذي قدمته موسكو للنظام السوري إلى إحداث فارق ميداني لصالح الأخير، بعد عمل دبلوماسي روسي مع الدول العربية والإقليمية مهَّد الأجواء لاستعادة سيطرة النظام على أحياء حلب الشرقية والجنوب السوري، وكامل ريف دمشق[3].

ومع التغييرات الميدانية التي حصلت على الأرض، اتجهت العديد من الدول الداعمة للمعارضة السورية إلى مراجعة مواقفها، خاصة أنها باتت تنظر إلى الوجود الروسي في سورية على أنه طويل الأَمَد، وعلى أنه وجود ضامن للأمن وسيادة الدولة السورية في مقابل الدور الإيراني أو الأمريكي الداعم للميليشياوية، كما لعبت موسكو دوراً مؤثراً في عمليات التطبيع العربية والإقليمية مع النظام منذ 2019 حتى 2024.

3-المتغيِّرات على الساحة الدولية التي طرأت منذ عام 2022

شهدت الأعوام الأخيرة متغيِّرات واسعة على الساحة الدولية، استحوذت على اهتمامات الفاعلين الدوليين، وامتد هذا الأثر إلى سورية، ومن أبرز هذه المتغيرات اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وتراجُع الاهتمام الدولي بالملفّ السوري، مما دفع بعض الأطراف الإقليمية خاصة المتضررة من جمود الملفّ السوري للبحث عن حلول تساعدها على تخفيف عِبْء اللاجئين، والتخلص من المشاكل الأمنية التي تعاني منها نتيجة الفوضى على الحدود السورية.

ثانياً: الدوافع الخاصة للفاعلين الدوليين والإقليميين للانفتاح على النظام السوري

توجد دوافع خاصة لكل فاعل دولي أو إقليمي عمل على الانفتاح على النظام السوري، ويمكن تلخيصها بالآتي:

1- الإمارات: تُعتبر الإمارات ذات طموح سياسي كبير، وتبحث دائماً عن تفعيل دورها على المستوى الإقليمي والدولي، ومع توسُّع دور روسيا في الشرق الأوسط نسَّقت الإمارات نشاطها مع الجانب الروسي في عدة بلدان أبرزها ليبيا، وتوسَّع التعاون ليشمل سورية.

أيضاً استفادت الإمارات من إعادة علاقتها مع النظام السوري في تعزيز دورها بالوساطة الإقليمية، وهذا ظهر جلياً في حرب غزة بعد عملية 7 أكتوبر 2023، عندما دخلت وسيطاً لمنع التصعيد على الجبهة السورية[4].

تحرص الإمارات أيضاً على الجانب الاقتصادي، وإقامة علاقات طيبة مع دول البحر المتوسط مثل ليبيا وسورية وتركيا، بهدف البحث عن فرص اقتصادية جديدة.

2- الأردن: تشكل الهواجس الأمنية والتأثر بالمواقف الدولية والخليجية، الدوافع الرئيسية التي دفعت الأردن للانفتاح على النظام السوري، حيث وجد نفسه أمام توجُّه "أمريكي – عربي" للتنسيق مع روسيا في الملفّ السوري، ثم اصطدم بالتهديدات الأمنية القادمة من الأراضي السورية نتيجة تهريب المخدرات والسلاح عن طريق الميليشيات المدعومة من إيران إلى الأراضي الأردنية.

أيضاً ثَمة دوافع اقتصادية ساهمت بحرص الأردن على استعادة علاقتها بالنظام السوري، حيث حاولت عمّان العمل على إعادة فتح طرقات التجارة الدولية التي تربط بين أوروبا والخليج مروراً بسورية، بالإضافة إلى مساعيها لتفعيل خطّ الغاز العربي، لكن جهودها اصطدمت بتعقيدات المشهد السوري نتيجة تعدُّد الفاعلين الدوليين.

3- السعودية: ظهرت مؤشرات واضحة على رغبة السعودية بتغيير سياساتها في المنطقة، وتحولت في دورها من داعم لأطراف النزاعات في اليمن وليبيا وسورية، إلى راعٍ للتسويات، مع التركيز أكثر على المقاربة الاقتصادية وفتح آفاق اقتصادية من أجل تطبيق رؤية 2030.

التوجُّهات السعودية الجديدة دفعتها للمصالحة مع إيران برعاية الصين، التي تبحث هي الأخرى عن الاستقرار في الشرق الأوسط من أجل استكمال مشاريعها الخاصة بطريق التجارة الدولي (مبادرة الحزام والطريق)، كما أن الرياض احتاجت وساطة إيران وروسيا من أجل فرض التهدئة باليمن[5]، وترتب على هذا المسار تطوُّر الجهود لدرجة استعادة العلاقات مع النظام السوري.

4- تركيا: بمراقبة الخطّ البياني للموقف التركي من النظام السوري، يمكن ملاحظة حجم تغيُّره منذ عام 2011 مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سورية وصولاً إلى يومنا هذا، حيث تأثر الموقف التركي بأربعة عوامل مهمة، الأول هو المتغيِّرات بالسياسة الأمريكية وتحوُّل واشنطن إلى دعم تنظيم "قسد" شمال شرقي سورية الذي تعتبره أنقرة ذراعاً لحزب العمال الكردستاني، والثاني هو التدخل العسكري الروسي المباشر، وما أدى إليه من تراجُع ميداني للمعارضة السورية واستعادة النظام السوري للكثير من المناطق التي خسرها بما فيها مناطق قريبة من الحدود التركية، واضطرار الجانب التركي للتنسيق مع روسيا في الملفّ السوري، وما يترتب على هذا من مراعاة المطالب الروسية بالانفتاح على النظام، والعامل الثالث هو التقدُّم بمشروع "الإدارة الذاتية" الذي ترعاه "قسد"، ووصوله إلى ما يشبه الاستقلال، مما زاد من مخاوف تركيا من تقسيم سورية، والعامل الرابع هو الوضع الداخلي السياسي التركي والتجاذُبات بين الأطراف السياسية بخصوص ملفّ اللاجئين، وتحميل الحكومة التركية مسؤولية تدفُّق الملايين من السوريين إلى الأراضي التركية، الأمر الذي انعكس سلباً على حزب العدالة والتنمية في صناديق الانتخابات منذ 2019 وصولاً إلى انتخابات البلدية 2024.

5- بعض الدول الأوروبية: اتجهت العديد من الدول الأوروبية خاصة التي تقع على خطّ المقدِّمة في استقبال موجات اللاجئين لفتح قنوات الاتصال مع النظام السوري نظراً لتصاعُد مستوى الهجرة غير الشرعية بسبب الأزمات الواسعة حول العالم في ظلّ الصراع الروسي الأوكراني، وتفاقُم الصراعات في إفريقيا مثل السودان وليبيا.

شهد عام 2024 تكرار الزيارات التي قام بها مسؤولون أوربيون إلى دمشق، أبرزهم رئيس الاستخبارات الإيطالي، ووزير الخارجية التشيكي، وبحسب ما رشح عن هذه اللقاءات من معلومات، فقد تركز الحديث فيها عن مسألة احتواء اللاجئين داخل سورية من خلال تأسيس مناطق آمِنة[6].

ثالثاً: مستقبل الانفتاح الدولي والإقليمي على النظام السوري

من الواضح أن الدول التي اتخذت قرار الانفتاح على النظام السوري ماضية قُدُماً في هذا المسار، والتوجُّه عموماً يتعدى التكتيك، ويرقى لأن يكون مساراً استكشافياً من قِبل هذه الدول لمدى إمكانية العمل على مقارَبات جديدة في الملفّ السوري تتيح لهم معالجة الهواجس أو حلّ المشاكل الناجمة عن الأزمة السورية، سواء فيما يخص ضبط الحدود مجدَّداً أم حلّ مشكلة الهجرة واللاجئين، أم محاولة توسيع النفوذ في سورية من خلال الانفتاح على جميع الأطراف.

الانفتاح الإقليمي والدولي على النظام السوري حصل نتيجة متغيِّرات سياسية وميدانية سبق الإشارة لها، ومستقبله أيضاً مرتبط بجملة من العوامل، أبرزها مدى استعداد النظام السوري ذاته لتغيير سياسته والاستجابة لمطالب الدول الراغبة بتطوير العلاقات معه[7]، بالإضافة إلى النفوذ الإيراني ومستقبله، ومدى إمكانية تقليصه في ظلّ التصعيد الحاصل بين إسرائيل بدعم أمريكي في قطاع غزة وامتداد التصعيد إلى جنوب لبنان ومناطق سيطرة جماعة الحوثي في اليمن، والتوقُّعات بانتهاج أمريكا نهجاً متشدداً ضدّ النفوذ الإيراني خاصة حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض مجدَّداً.

أيضاً يُعتبر الصراع الروسي مع الغرب في أوكرانيا من العوامل التي ستؤثر على الأوضاع في سورية، فلو انتهى الصراع، ستتمكن روسيا من إعادة التركيز على الملفّ السوري، وهذا قد يدفع الدول أكثر باتجاه تعزيز العلاقات مع النظام السوري برعاية روسية، على أمل التوصُّل إلى تفاهُمات تُساهم في الحل النهائي.

ولا يمكن إغفال الموقف الأمريكي وتأثيره على مسار تطبيع الدول مع النظام السوري، ففي حال قررت واشنطن التشدُّد وعدم إعفاء النظام من العقوبات، وقامت بالضغط على الأطراف التي تحاول تطوير العلاقات مع النظام لتصل إلى المستوى الاقتصادي، فالمتوقع أن يؤثر هذا النهج على جهود التطبيع مع النظام.

خاتمة

حصلت الكثير من المتغيِّرات الإقليمية والدولية منذ عام 2011 إلى 2024، وبناءً عليه تغير التعاطي الدولي مع النظام السوري، وقد ساهمت الدول الراعية للنظام -وخاصة روسيا- في عدم سقوطه إلى وقتنا الحالي، واستطاعت من خلال نفوذها الاقتصادي والسياسي التأثير على مواقف العديد من دول الجوار السوري ودفعها لتجربة مقارَبة جديدة تجاه سورية.

لقد تغيرت أولويات العديد من الدول الفاعلة في الملفّ السوري وَفْقاً للتطوُّرات الدولية والإقليمية، وبناءً عليه قامت بمراجعات لسياستها الخارجية، كما في حالة السعودية على سبيل المثال.

 إن تعقيدات المشهد السوري نتيجة كثرة الدول المتدخِّلة فيه، وتحوُّل الملفّ مع الزمن إلى جزء من التجاذُبات والصراعات الدولية، سوف تؤثر بشكل كبير في مستقبل الصراع السوري، ومواقف الدول الفاعلة فيه، وبالتالي لا يمكن أن نتوقع عودة العلاقات بين مختلف الدول والنظام السوري إلى الوضع الطبيعي دون الوصول إلى حلّ شامل في سورية.

 

 

يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)

الهوامش:

[1] الأردن يضبط علاقاته مع سورية: تطبيع مع النظام وتعاوُن مع المعارضة، صحيفة العرب، 5 أيلول/ سبتمبر 2017، تاريخ الدخول 11 تموز/ يوليو 2024، الرابط.

[2] Faysal Itani. The End of American Support for Syrian Rebels Was Inevitable. The Atlantic, 21 July 2017, link.

[3] لافروف: 3 أسابيع كانت تفصل دمشق عن السقوط، روسيا اليوم، 17 كانون الثاني/ يناير 2017، تاريخ الدخول 23 تموز/ يوليو 2024، الرابط

[4] Barak Ravid, UAE warns Syria's Assad not to get involved in Hamas-Israel war, Axios, Oct 9, 2023.link.

[5] انفتاح روسيا على جماعة الحوثي في اليمن.. رغبة بالوساطة أم رسائل إلى السعودية، صحيفة العرب، 1 آذار/ مارس 2023، تاريخ الدخول 23 تموز/ يوليو 2024، الرابط.

[6] إيطاليا تبحث مع الأسد رفع العقوبات مقابل تخفيف أزمة اللجوء، تلفزيون سورية، 31 أيار/ مايو 2024، تاريخ الدخول 23 تموز/ يوليو 2024. الرابط.

[7] الدفاع التركية تعلن شروطها للانسحاب من سورية، روسيا اليوم، 22 آب/ أغسطس 2023، تاريخ الدخول 23 تموز/ يوليو 2024، الرابط.