انتخابات لبنان تمرّ بسلام والبلاد تدخل منعطفاً حاسماً
2022-05-171942 مشاهدة
بعد طول أخذ وردّ، ووسط ظروف اقتصادية غير مسبوقة، حصلت الانتخابات النيابية في لبنان، حيث توجّه المواطنون إلى صناديق الاقتراع أمس الأول الأحد، ليختاروا 128 نائباً لولاية من أربع سنوات، موزعين على الطوائف والمذاهب، وذلك استناداً إلى قانون انتخاب مركّب ومعقد يعتمد على النسبية مع ما يُطلق عليه «الصوت التفضيلي».
وسيطر على المعركة الانتخابية عنوانان أساسيان، الأول يتمثل بـ «مواجهة حزب الله» مقابل «دعم المقاومة»، والثاني بـ «مواجهة السلطة الفاسدة» من قبل «التغييريين» مقابل سعي القوى التقليدية إلى الحفاظ على مكانتها. وانخفضت نسبة الاقتراع من 49.7% في انتخابات 2018 إلى 41.1% هذا العام، وهو أمر كان متوقعاً نظراً للإحباط الذي تعيشه البلاد جراء الأوضاع المعيشية الصعبة.
حصلت هذه الانتخابات في موعدها الدستوري، بعد مخاوف محلية ودولية من مغبة عدم إجرائها، لأسباب عدة، من بينها الأمنية واللوجستية والتقنية، ومن بينها السياسية. ويضاف إلى ذلك في طبيعة الحال، إعلان رئيس «تيار المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، مقاطعة الانتخابات ترشيحاً وتصويتاً، وهو ما شكل صدمة خلطت الأوراق في الشارع السنّي، خصوصاً أن آل الحريري يمثلون، منذ أيام رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، غالبية الطائفية السنية.
أهمية هذه الانتخابات أنها تأتي في وقت يمرّ فيه لبنان بظروف اقتصادية غير مسبوقة، حيث شهدت البلاد في السنتين الأخيرتين، انهياراً كبيراً في مختلف القطاعات، يقوده انهيار في الليرة اللبنانية، التي خسرت أكثر من 90% من قيمتها مقابل الدولار.
وقد سجّلت هذه الانتخابات علامات بارزة، من شأنها أن تؤثر على المشهد المقبل في البلاد، وتتمثل أبرزها فيما يلي:
أولاً، نجح «التغييريون» الذين يواجهون الطبقة الحاكمة، وجزء منهم كان له دور أساسي في حراك «17 تشرين» أو ما يطلق عليه «ثورة 17 تشرين»، في حصد عدد من المقاعد ناهز العشرة بحسب آخر النتائج. لكن من غير المعروف إلى أي مدى سينجح هؤلاء في تشكيل كتلة واحدة وموحدة.
ثانياً، حصد «حزب الله»، وحليفته فيما يسمى بـــ «الثنائي الشيعي»، «حركة أمل»، كل المقاعد المخصصة للشيعة في لبنان (27 مقعداً) فيما سجّل «الثنائي» خسارة على مستويين، ركز عليهما خصومه:
1- خسر مقعداً درزياً ومقعداً أرثوذكسياً في الجنوب (لمصلحة مرشحَين من المجتمع المدني)، علماً أن هذا الأمر كان متوقعاً مع الجدل الذي أحيط بمرشحي «الثنائي» لهذين المقعدين. كما تمّ خرق لائحة «الثنائي» من قبل حزب «القوات اللبنانية» في المقعد الماروني في بعلبك – الهرمل (هذا المقعد كان أيضاً لـ «الــقوات» في المجلس المنتهية ولايته).
2- سقط في الانتخابات عدد من حلفاء الحزب، ومن بينهم طلال أرسلان ووئام وهاب (من الطائفية الدرزية).
ثالثاً، على الرغم من الحديث عن عدم نجاح مقاطعة الحريري، سجّلت مناطق فيها عدد كبير من المقترعين السنة، أكبر نسب تراجع مقارنة بعام 2018، وتحديداً في صيدا (-16%) والمنية (-15%) وطرابلس (-10%) والضنية (-15%)، فيما أفضت الانتخابات إلى تشرذم في القوى السنية.
رابعاً، طغى الحديث الإعلامي بعد إقفال صناديق الاقتراع، حول نجاح حزب «القوات اللبنانية» في الحصول على عدد مقاعد أكبر مما حصل عليه خصمه اللدود في الشارع المسيحي وحليف «حزب الله»، «التيار الوطني الحرّ» (كان يملك الكتلة الأكبر في انتخابات 2018)، لكن الأخير ينفي ذلك، على أن تحسم النتائج النهائية الرسمية هذا الأمر.
ومن المتوقع أن يدخل لبنان بعد هذه الانتخابات منعطفاً حاسماً، يشهد استحقاقات هامة وربما مفصلية، وتتلخص فيما يلي:
أولاً، الاستحقاق الأبرز الذي يلي الانتخابات يتمثل بانتخاب رئيس لمجلس النواب، أي المنصب الثاني في الدولة، وهو من حصة الشيعة بحسب العُرف. وفيما أعلنت عدد من الكتل أنها لن تنتخب رئيس «حركة أمل» نبيه بري، الذي يشغل المنصب منذ عام 1992، يُتوقع أن تحصل مناكفات سياسية، وربما أزمة ميثاقية، مع غياب أي نائب شيعي خارج إطار «الثنائي» المؤلف من «حزب الله» و«حركة أمل»، وبالتالي غياب أي مرشح منافس لبري.
ثانياً، استحقاق تعيين رئيس جديد للحكومة، ثم تشكيل الحكومة، وهما حدثان قد يدخلان البلد في أزمة جديدة لأشهر، وذلك قياساً على ما حصل خلال تشكيل الحكومات في السنوات الماضية.
ثالثاً، المسار الإنقاذي والإصلاحي الذي يجب أن تسلكه الحكومة الجديدة، بالتعاون مع مجلس النواب، وهو مسار دونه الكثير من العقبات.
رابعاً، استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية (من حصة المورانة عُرفاً)، والذي يأتي مع انتهاء ولاية الرئيس الحالي ميشال عون في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. ومن المتوقع أن يشهد هذا الاستحقاق الكثير من المناكفات السياسية، وحتى ضمن الفريق الواحد، مع بروز اسمين أساسيين إلى الآن، وهما حليفا «حزب الله»، رئيس «التيار الوطني الحر» وصهر الرئيس عون، جبران باسيل، ورئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية.