ينبغي على الولايات المتحدة أن تعمل مع المجالس العسكرية الجديدة في منطقة الساحل
2023-09-041053 مشاهدة
في أحدث إصدارات موقع "وورلد بوليتيكس فيو" كتب كل من الباحث مايكل شوركين والاقتصادي الأسترالي كولن بي كلارك مقالاً عن الانقلابات الأخيرة التي تجري في منطقة الساحل، وتحدثا فيه عن الحاجة بالنسبة للولايات المتحدة لأن تغتنم الفرصة من أجل التعامل والتنسيق مع المجالس العسكرية في منطقة الساحل الإفريقية بعد سلسلة الانقلابات التي تحصل في تلك البُلدان من أجل تفويت الفرصة على الروس ومنعهم من تزويد قادة الانقلابات بالمرتزقة، والذي بدوره سيرسخ السيطرة الروسية في هذه البُلدان لأنه -وبحسب المقال- إذا اختارت الأنظمة التي وصلت إلى السلطة عن طريق الانقلابات في النيجر وبوركينا فاسو ومالي المرتزقة الروس كخيارهم الوحيد، فإن الوضع في المنطقة سوف يزداد سوءاً خاصة أن الانطباع الشعبي في تلك الدول عن الديمقراطية انطباع سيئ.
نص الترجمة:
الانقلاب الأخير في النيجر يمثل للولايات المتحدة معضلة اعتادت على التعامل معها في كيفية إجراء التعاون الأمني، حيث إنه يمكن للولايات المتحدة أن تتخذ موقفاً مبدئياً في الدفاع عن الديمقراطية الدستورية -ودفاعاً عن الفكرة التي تقول: إن الديمقراطية مهمة من أجل الأمان والاستقرار على المدى الطويل- أو تختار بشكل عملي أن تغضّ الطرف، وتعمل مع الذين قاموا بالانقلاب في نيامي.
في الحقيقة، ليس هناك حل سهل، ولكن الديناميات الحالية في الساحل، والتي تشير إلى أن القاعدة والجماعات المرتبطة بداعش قد تزداد قوة بسرعة في المنطقة، تدعو -الديناميات- صانعي السياسة الأمريكيين إلى اتباع الطريق العملي البراغماتي.
إن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، أو كما يرمز لها بـ JNIM، وإقليم دولة الإسلام في الساحل، الذي يرمز له بـ ISSP، وإقليم دولة الإسلام في غرب إفريقيا، الذي يرمز له بـ ISWAP، من بين أكثر الجماعات القادرة على القيام بعمليات في القارة، إذ إن تنظيم JNIM يتحكم الآن في معظم مالي وحوالَيْ 40 في المئة من بوركينا فاسو، وفقاً لتقديرات الحكومة الأمريكية، وتتنامى قوة تنظيم ISSP في بوركينا فاسو ومالي والنيجر وقد ازداد عدد الهجمات في المنطقة كلها، وتُظهر البيانات التي تم تحليلها بواسطة مؤشر الإرهاب العالمي أن الساحل كان مسؤولاً عن 43 في المئة من الوفيات الناتجة عن الإرهاب عالمياً في عام 2022، مقارنة بنسبة 1 في المئة فقط من الوفيات الإجمالية في عام 2007. وقد قدّم انسحاب فرنسا من مالي في العام الماضي خدمة ودفعاً كبيراً لتنظيم داعش، ومن المرجح أن يكون لانسحابها المحتمل من النيجر تأثير مماثل هناك أيضاً.
بالإضافة إلى ذلك، تشير إمكانية استعداد روسيا لملء الفراغ القوي الذي ستتركه الولايات المتحدة وفرنسا من خلال نشر مرتزقة مجموعة فاغنر إلى ضرورة التواجد الأمريكي في المنطقة. فمجموعة فاغنر نشطة الآن في ممر ناشئ للانقلابات، بما في ذلك في السودان، ومالي، وبوركينا فاسو. وقد تكون النيجر هي التالية قريباً، وبما أن مساعدة فاغنر تُعتبر علاقة مبنية على الفائدة المادية البحتة، بدون شروط تتعلق بحقوق الإنسان، فإنها خيار سهل للحكومات العسكرية في الساحل. كما أن قوات فاغنر تجذب قادة الحكومات العسكرية؛ لأنهم يمكنهم استخدام المرتزقة كحرس شخصي لهم، بينما يعملون ظاهرياً على مكافحة الجماعات الجهادية التي تعمل في المنطقة. وقد أعدت روسيا الأرضية لفاغنر في المنطقة من خلال حملات التضليل التي تثير مشاعر معادية للغرب، وخصوصاً المعادية لفرنسا كما أن هناك قلّة قليلة فقط تعتقد أن وفاة يفغيني بريغوجين ستؤدي إلى حدوث اضطرابات في عمليات فاغنر الإفريقية.
لكن مخاوف الولايات المتحدة بشأن التأثير الروسي ينبغي أن تظل ثانوية مقارنة بالمخاوف السياسية الأخرى في الساحل، بما في ذلك احتمال انهيار الدولة وتوسع التمرد الذي يلبس لبوساً جهادياً، العنف الرهيب الذي تعاني منه حالياً الدول الثلاث الرئيسية في الساحل —بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر— يهدد بالفعل الدول المجاورة. وتشمل هذه الدول بنين، وتشاد، وكوت ديفوار، وغانا، وموريتانيا، ونيجيريا، والسنغال، وفي هذا الإطار يوجد هنالك اعتقاد مفاده أنه كلما ساءت الأوضاع في بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، فإن الأوضاع بالنسبة للدول الأخرى القريبة من تلك المنطقة ستسوء، وكذلك سيصعب العثور على حلول دائمة.
إذا كانت الأنظمة التي جاءت إلى السلطة عَبْر الانقلابات في النيجر وبوركينا فاسو ومالي لديها مرتزقة روس كخيار وحيد لها، فإن الوضع في المنطقة سيصبح أسوأ، كما يوضح التاريخ القريب في بوركينا فاسو ومالي، حيث كان المخطط الرئيسي لمحاربة التمرد في تلك البُلدان هو تصعيد العنف الذي تمارسه الدولة. وغالباً ما يعني هذا استهداف المجتمعات العِرْقية بمساعدة مجموعة فاغنر. لم يكن لمجموعة المرتزقة الروسية أي مشاكل في مساعدة قوات الأمن التابعة للدولة على استهداف المدنيين، وفي مالي يبدو أن وجود مرتزقة فاغنر في الدوريات المشتركة يشجع القوات المالية على إرهاب المدنيين. من الناحية الإستراتيجية، فالنتائج تُعتبر معاكسة للهدف المنشود، كما تولد هذه التكتيكات المدمرة استياء، يساعد بدوره الإرهابيين والمتمردين على تجنيد المزيد من الأفراد، وجمع التبرعات لدعم نشاطاتهم، وجمع المعلومات المفيدة لعملياتهم.
يجب على جهود التعاون الأمني بقيادة الغرب في الساحل أيضاً أن تأخذ في الاعتبار الواقع الناشئ الذي يشير إلى أن شريحة كبيرة من السكان في جميع دول الساحل أصبحت الآن مرتابة بشدة بشأن مزاعم الديمقراطية لحكومات المنطقة المدنية، وصولاً إلى احتقار فكرة الحكم الديمقراطي، يعتقد العديد من سكان بوركينا فاسو ومالي والنيجر أن الحكومات العسكرية التي تحكم بلدانهم الآن هي أكثر شرعية سياسية وتمثيلية من الأنظمة الدستورية التي استبدلوها، كما أن هناك مشكلة كبيرة تكمن في ارتباط الحكومات المدنية السابقة بفرنسا، التي تنامت المشاعر ضدها وَفْق تصوُّرات الكثيرين، وغالباً ما يتم التشكيك في دوافع فرنسا حيث يوفر هذا المقاومة المناسبة للمساعدة الفرنسية، مما يعني توفير فرصة للولايات المتحدة، التي يبدو أن هناك قدراً أقلَّ من العداء تجاهها من قِبل الشعوب المحلية.
ورغم أن الولايات المتحدة لا تثير نفس النوع من ردود الفعل اللاذعة التي تثيرها فرنسا، فإن العديد من سكان الساحل ينظرون إلى الاهتمام الأمريكي بالديمقراطية باعتباره محاولة لفرض النفوذ الأجنبي والحفاظ عليه. بالنسبة للعديد من الأشخاص الذين يعيشون في هذه البلدان، تُعَدّ الانقلابات تعبيراً عن الإرادة الشعبية، بينما يعتبرون الديمقراطية معاكسة لشعورهم. من الصعب جداً معرفة مدى انتشار مثل هذه المشاعر، لكن هناك دلائل تشير إلى أن نسبة كبيرة وربما الأغلبية في المنطقة قد تحمل وجهات نظر مماثلة. تشير حقيقة أن دفاع الولايات المتحدة عن الديمقراطية لا يعني الكثير في المنطقة إلى أن المواقف المبدئية قد لا تعني شيئاً في الوقت الحالي، بالنظر إلى هذه الواقعة سيكون العمل مع الحكومات العسكرية الجديدة بدلاً من محاولة تجويعها من خلال العقوبات مرجحاً لكسب دعم الجمهور في منطقة الساحل.
عند الحاجة، أثبتت إرشادات الولايات المتحدة بشأن التعاون الأمني أنها مرنة، وتُعَدّ الحالة في مصر مثالاً توضيحياً على ذلك، فعندما تولى عبد الفتاح السيسي السلطة في انقلاب قاده في مصر في عام 2013، تابعت الولايات المتحدة أعمالها كالمعتاد؛ لأن القاهرة كانت تُعتبر شريكاً إستراتيجياً لا يمكن لواشنطن التخلي عنه. ينبغي تطبيق هذا النوع من المرونة، خصوصاً في الساحل، حيث تجعل الحدود المفتوحة والفساد وضعف سيادة القانون وقوات الأمن الدولية -التي لا تمتلك الموارد الكافية- والتحديات مثل تغير المناخ وعدم الأمان الغذائي والهجرة الوضع خطيراً وصعباً بشكل خاص.
لا توجد خيارات جذابة للغرب في التعامل مع الساحل، فإذا قررت الولايات المتحدة العمل مع الحكومات غير الديمقراطية في المنطقة، فسيكون من الضروري استخدام العوامل المتاحة لتشجيع الدول الشريكة على التحسن. من الصعب الإقرار بأن سِجِلّ الولايات المتحدة في هذا الصدد ضعيف، ولكن من خلال الامتناع عن المشاركة على الإطلاق ستضمن الولايات المتحدة أن مشكلة العنف الذي يسمي نفسه جهادياً في الساحل ستزداد سوءاً.
ترجمة: عبد الحميد فحام
المصدر: (وورلد بوليتيكس ريفيو)