أزمة الكتلة الديموقراطية وائتلاف الكرامة في تونس
2020-12-083353 مشاهدة
أولاً: خلفية الموضوع
بدأت الخلاف الحالي بين الكتلة الديمقراطية وائتلاف الكرامة بشكل مباشر وصريح بعد مداخلة للنائب عن ائتلاف الكرامة من جهة صفاقس محمد العفاس في البرلمان يوم 4 ديسمبر حول مفهومه لحقوق المرأة أو الأم العزباء، والتي ميّز فيها بين مفهوم الإسلاميين والعلمانيين للمرأة، وكان الخطاب على صيغة "هم ونحن".
طالبت الكتلة الديمقراطية رئاسة البرلمان بإدراج مناقشة تصريحات العفاس في جلسة عامة، لكن الرئاسة لم تتجاوب مع ذلك، وأحالت الملف إلى لجنة المرأة داخل البرلمان.
دعت لجنة المرأة يوم 6 ديسمبر إلى عقد جلسة خاصة لمناقشة تصريحات العفاس بالموازاة مع اجتماع البرلمان لمناقشة الميزانية السنوية للحكومة. وقد انعقد اجتماع اللجنة يوم الاثنين 7 ديسمبر، فقررت كتلة ائتلاف الكرامة الذهاب إلى الاجتماع لتوضيح الرأي بشأن تصريحات الدكتور العفاس.
لكن اللجنة رفضت مشاركة أعضاء الكتلة، وقاطعت مداخلة لرئيس الكتلة سيف الدين مخلوف، مما أدى إلى صراخ كثير وتعطلت أعمال اللجنة قبل أن يتم رفعها، مع توتر شديد بين الفريقين، فريق الكتلة الديمقراطية وفريق ائتلاف الكرامة.
بعد خروج المشاركين من اجتماع اللجنة من قاعة الاجتماعات، حصلت مشادات كلامية تحولت إلى تدافع اختلف الأطراف في تحديد مسؤولياتها، وجرح النائب عن الكتلة الديمقراطية أنور بالشاهد وظهرت دماؤه على الهواء.
وتتهم الكتلة الديمقراطية ائتلاف الكرامة بالضلوع في عملية العنف وضرب النائب أنور بالشاهد، وتتهم نواب ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف ومحمد العفاس وزياد الهاشمي بذلك، بينما يقول ائتلاف الكرامة إن الأمر يتعلق بجرح النائب بأظافر سيدة من أنصاره حاولت دفعه لإنهاء الخلاف.
وقد تحوّل الإشكال مباشرة إلى قضية رأي عام، حيث بدأت وسائل الإعلام المعادية للنهضة وائتلاف الكرامة بتصوير الحدث كاعتداء إرهابي داخل البرلمان.
تدخلت رئاسة الجمهورية مباشرة ودعت مساء 7 ديسمبر وفداً من لجنة المرأة، يتكون من أمل السعيدي وأنور بالشاهد وسامية عبو وعبد الرزاق عويدات وليلى الحداد ومحمد عمار ومنيرة عياري ونجم الدين بن سالم. وانتهز الرئيس قيس سعيد الحادثة وأرسل تهديدات للأطراف المتهمة، وأعلن رفضه مجدداً للحوار مع المتهمين بالفساد في إشارة إلى قلب تونس، وأيضا تهديدات لحركة النهضة.
وفي يوم 8 ديسمبر انسحب نواب الكتلة الديمقراطية من جلسة مناقشة ميزانية الحكومة، وأعلنوا البدء باعتصام مفتوح احتجاجاً على عدم تمرير بيان الكتلة المُندد بالعنف داخل البرلمان، ورفضاً لما قالت إنه تسويف من طرف رئيس المجلس ومساعديه.
وبالتوازي مع انطلاق الاعتصام المفتوح، انطلقت حملة بيانات مؤيدة لموقف الكتلة، وشارك في الحملة الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية لحقوق الإنسان والنساء الديمقراطيات.
ثانياً: مواقف الفاعلين
1) حركة النهضة
قالت الحركة في كلمتها التي ألقاها النائب عماد الخميري رئيس كتلتها البرلمانية يوم 7 ديسمبر إنها تدين العنف، وأن العنف واحد لا يتجزّأ، وأن النهضة تعرّضت للعنف داخل المجلس كما تعرّض غيرها له، وقال بإن "رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي هو أكثر المتعرضين للعنف اللفظي وأكثر الأطراف الذي تعرضت له العديد من الكتل، لا لنقص في إدارة المجلس إنما لاعتبارات إيديولوجية واعتبارات سياسية".
2) الكتلة الديموقراطية
صعّدت كتلة التيار في البرلمان الموقف من خلال إقرارها الدخول في اعتصام مفتوح في البرلمان للمطالبة برفع الحصانة عن أعضاء كتلة الائتلاف لتقديمهم للعدالة.
3) الاتحاد العام التونسي للشغل
دخل الاتحاد العام التونسي للشغل على الخط ورفض إرسال مبادرته للحوار إلى البرلمان، إلا بعد إصدار البرلمان لبيان إدانة لائتلاف الكرامة.
3) ائتلاف الكرامة
رأى الائتلاف أن موقف العفاس يضمنه الدستور والحصانة التي يمنحها للنائب للتعبير عن رأيه ناخبيه، ورفضوا الاعتراف بممارستهم للعنف، واعتبروا أنهم ضحية مؤامرة تشترك فيها عبير موسي والكتلة الديمقراطية بدعم إماراتي مكشوف.
كما اعتبروا أن الحملة التي يتعرضون لها هي جزء من مؤامرة مدعومة إقليمياً لإجهاض المسار الديمقراطي.
4) قلب تونس
دعا إلى الاحتكام للدستور والتمسك بالحوار. وذهب النائب عن قلب تونس عياض اللومي إلى المطالبة بتنفيذ المادة 72 من الدستور التي تؤدي إلى إعدام من يطالب بحل البرلمان.
ثالثاً: الأثر على الفاعلين
1) ائتلاف الكرامة
ربح ائتلاف الكرامة المعركة شعبياً، لأنه انحاز لمشاعر العديد من التونسيين المحافظين، وقدّم طرحاً لا تُقدّمه حركة النهضة، بما قد يساعد الائتلاف على جذب المزيد من ناخبي النهضة، والذين يرون أن الحركة تُقدم خطاباً مائعاً لا يُعبر عن توجهاتهم.
وبالمقابل، فإنّ الائتلاف يُخاطر بمعاركه المستمرة مع مختلف الأطراف في خسارة تواجده في المشهد السياسي، حيث ربما تدفع عدد من القوى السياسية للمطالبة بحلّه، ولن يجد الكثير من المدافعين عنه حينها.
2) الكتلة الديموقراطية
ستؤدي هذه المعركة إلى تقسيم التيار الديمقراطي في ظل التباين بين رئيس التيار السابق محمد عبو، الذي دعا لتحرك الجيش؛ ورئيسه الحالي الذي يعارض هذا الموقف تماماً ويطالب بالحوار.
وبالمقابل، فإنّ الكتلة الديموقراطية تمكّنت في هذه المعركة من إعادة تقديم نفسها إلى الجمهور الليبرالي باعتبارها المدافع الشرس عن قيمة الجمهورية البورقيبية، وهي تنافس في هذا السياق الحزب الدستوري الحر، والذي تولى في هذا البرلمان قيادة المعارك المشابهة.
3) حركة النهضة
واجهت حركة النهضة في هذه القضية أزمة مزدوجة، فهي من ناحية في موقف صعب، بين تقديم الدعم لحليفها السياسي ائتلاف الكرامة، بما يمكن أن يعني دفاعاً عن مواقفه السياسية، والتي تخرج عن نطاق سقفه السياسي والفكري، كما أن امتناعه عن التعليق على مضمون ما تحدّث به النائب العفاس يُدخله في دائرة الاستهداف، والذي يُعاني منه الكثير أصلاً. وبالمقابل، فإنّ امتناعه عن الدفاع بقوة عن ائتلاف الكرامة تعني المخاطرة بخسارة حليفه القوي، وهو ما لا ترغب به النهضة على الإطلاق.