انخراط الحوثيين في الصراعات الإقليمية والدولية.. الدوافع والآثار

انخراط الحوثيين في الصراعات الإقليمية والدولية.. الدوافع والآثار

2024-12-21
115 مشاهدة
Download PDF

 

الملخَّص التنفيذي  

تنخرط جماعة أنصار الله "الحوثيون" في صراعات إقليمية ودولية، بشكل مباشر وغير مباشر، في ظلِّ تشابُك الأطراف الدولية والجماعات الفاعلة دون الدولة، والحرب بالوكالة، التي تسود المشهد الدولي، بما في ذلك المنطقة العربية.  

هناك عدَّة عوامل تدفع الجماعة للانخراط في هذه الصراعات، بهدف تحقيق أجندات خاصَّة بها على صعيد البُعد المحلِّي والبُعد الخارجي. وهذا الانخراط ستكون له آثار مختلفة على اليمن، بدت بوادرها تتشكَّل بالإعلان عن تحالُف دولي لمواجهة هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر.  

هذا التقرير التحليلي الذي ينشره مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية يسلط الضوء على أشكال انخراط الجماعة في الصراعات الإقليمية والدولية، ويحلِّل الدوافع والأسباب لهذا الانخراط، والأبعاد التي تقف وراءه، والتداعيات والآثار التي يمكن أن تترتَّب عليه على صعيد الجماعة والمجتمع والسلطة الشرعية في اليمن.  

تمهيد 

شنَّت القوَّات التابعة لجماعة أنصار الله "الحوثيين" في اليمن هجوماً بالصواريخ والطائرات المسيَّرة ضدَّ إسرائيل في 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لتكون هذه الهجمة فاتحة انخراطها في الحرب الدائرة في غزَّة إثر عمليَّة "طوفان الأقصى" التي قامت بها حركات المقاومة الفلسطينية ضدَّ إسرائيل والمناطق العسكرية التابعة لها في محيط غزَّة، واستمرَّت الجماعة في هجمتها هذه، معلِنةً عن مشاركتها في الحرب لإسناد غزَّة والمطالبة بوقف "العدوان الإسرائيلي" عليها، ثمَّ تطوَّرت الهجمات لتشمل استهداف السفن التجارية الإسرائيلية وتلك المتعاملة معها تصديراً أو استيراداً في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن.  

شهدت منصَّات التواصل الاجتماعي في أيلول/ سبتمبر 2024 ظهور عشرات الشبَّان اليمنيين في مقاطع متعدِّدة يناشدون فيها الحكومة اليمنية بإعادتهم إلى وطنهم بعد تورُّطهم في عمليَّات تجنيد لصالح روسيا في أوكرانيا، مؤكِّدين تعرُّضهم للخداع مِن قِبل سماسرة يمنيين، ولمعاملة قاسية مِن قِبل جهات التجنيد الروسية.  

هذه الأحداث تسلِّط الضوء على توجُّه الجماعة لممارسة أدوار إقليميَّة ودولية مِن خلال الانخراط في الصراعات الجارية، عَبْر إمكاناتها ومِن خلال مساهماتها العسكرية واللوجستية، وتثير التساؤل حول طبيعة الأهداف والدوافع لممارسة أدوار كهذه والانخراط في صراعات مثل هذه؟ وعن تأثير ذلك على الواقع اليمني مستقبلاً؟ خصوصاً أنَّ الصراع في فلسطين وفي أوكرانيا لا يشكِّل صراعاً داخلياً ضِمن هذين البلدين أو حتى إقليمياً على مستوى قُوى المنطقة، بل هما في حقيقة الأمر يأخذان طابعاً دولياً معقداً، وإن كانا في جغرافيا محدودة.  

أولاً: الحوثيون ومهاجمة إسرائيل  

مع نجاح عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 التي وجهت فيها فصائل المقاومة الفلسطينية ضربة عسكرية إلى إسرائيل، عمدت حكومة نتنياهو إلى شنِّ هجوم عسكري كبير على قطاع غزَّة، وبشكل غاية في التوحُّش، وخارج أيِّ اعتبارات قانونية وأخلاقية، هذا بدوره أفضى لخلق حالة تعاطُف واسعة في المنطقة العربية والإسلامية، بل والدولية، وفرض تحيُّزات على الصعيد الإقليمي والدولي.  

فقد عمدت إيران، بحكم تزعُّمها "محور المقاومة" بما يحمله من شعارات نصرة القدس وفلسطين لتسجيل موقف مناصر لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" وحركة الجهاد الإسلامي في غزَّة، بتحريك أذرعها التابعة لها في المنطقة للانخراط في عمليَّات عسكرية ضدَّ إسرائيل، وهذا الاشتباك مع الكيان الإسرائيلي بطبيعته يخدم أجندات إيرانية بالأساس، سواء على مستوى سمعتها ومكانتها داخليّاً وإقليميّاً، أم على مستوى حضورها ونفوذها في المنطقة، أم على مستوى المفاوضات والمباحثات حول برنامجها النووي ومستقبل وجودها في المنطقة.  

كان حزب الله اللبناني وجماعة الحوثيين في اليمن مِن أوائل التنظيمات التابعة لإيران تحرُّكاً باتِّجاه إسناد المقاومة الفلسطينية كما أُعلن؛ حيث قام الحوثيُّون بعدَّة هجمات صاروخية وعَبْر الطيران المسيَّر تجاه إسرائيل منذ 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ثمَّ عمدوا إلى استهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن بهجمات تستهدف السفن الإسرائيلية، أو تلك التي ترتبط بالموانئ الإسرائيلية (استيراداً وتصديراً)، الأمر الذي أفضى مع تصاعُد العمليَّات لتشكيل حلف دولي بقيادة الولايات المتَّحدة الأمريكية لمواجهة هجمات الحوثيين وتأمين الملاحة الدولية، تحت اسم "حارس الازدهار" [1]  

ورغم الهجمات التي وجَّهتها دول تحالف "حارس الازدهار" للحوثيين في الحديدة وصنعاء [2] وغيرها [3] إلَّا أنَّ الجماعة لم تتوقَّف عن إطلاق الصواريخ والطيران المسيَّر ضدَّ أهداف إسرائيلية، أو ضدَّ السفن العابرة بخليج عدن والبحر الأحمر ومضيق باب المندب، حتَّى تمكَّنت مِن إحداث إصابات مباشرة وأضرار بالغة في عدد مِن السفن والمصالح الإسرائيلية، بما في ذلك الاستهداف في 19 تموز/ يوليو 2024 الذي طال تل أبيب [4] .  

عدا هذه الهجمات، عمد الحوثيون إلى تبنِّي خطاب مؤيِّد للمقاومة الفلسطينية ومهاجم لإسرائيل، على مستوى القنوات والصحف والمواقع ووسائل التواصل الاجتماعي التابعة لهم، أو المحسوبة على الموالين للجماعة، واستعرض الحوثيون في تلك الوسائل الإعلامية عمليَّاتهم، وأظهروا إسنادهم لغزَّة، بهدف خلق حالة مِن التجييش الشعبي وراءهم، ولتجنيد مَن يمكن تجنيده مِن الشباب بذريعة الاستعداد لمواجهة "الصهاينة" [5] ، لهذا حرصت الجماعة على حشد الجماهير أسبوعيّاً في ميدان "السبعين" وسط العاصمة صنعاء عقب صلاة الجمعة، مع حضور شعارات الجماعة و"زواملها" [6] وكلمات رموزها، وظلَّ زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي يُطِلُّ مِن شاشة التلفاز لإلقاء كلمات بهذا الشأن، يُدين فيها المتخاذلين مِن الأنظمة العربية ويصفهم بالعملاء [7] .  

كشفت وسائل الإعلام عن إرسال الحوثيين لعناصر مقاتلة إلى لبنان وسوريا، بعد إعلان الجماعة مِن وقت مبكِّر عن وجود غرفة عمليَّات موحَّدة للساحات [8]    مع بقيَّة الجماعات والتنظيمات التابعة لإيران،في كلٍّ مِن لبنان وسوريا والعراق، وبات اسم جماعة الحوثي حاضراً في وسائل الإعلام مع حضورها العسكري في المشهد الإقليمي بقيامها بعمليَّات إطلاق الصواريخ والطيران المسيَّر، وبات المتحدث العسكري يحيى سريع شخصاً يحظى بمتابعة وسائل الإعلام المختلفة لكلماته وبياناته العسكرية.  

هذا الدور الذي قامت به الجماعة خلق لها صورة مغايرة في العالم العربي الذي تعاطف مع غزَّة بشكل كبير، وأصبح الكثير مِن أبناء مصر وشمال إفريقيا، وأبناء العالم الإسلامي، ينظرون للجماعة على أنها قوَّة إسلامية مناهضة لـ "الصهيونية" والقُوى الغربية "الاستعمارية"، وهذا بدوره غسل سمعة الجماعة وأعاد تشكيل صورتها في الأذهان خارج اليمن، بعد الجرائم التي ارتكبتها ضدَّ خصومها المحلِّيين.  

على مستوى العلاقة بإيران أصبحت الجماعة أكثر اندماجاً مع المشروع الإيراني في المنطقة بتكاليفه السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، وباتت كياناً يمكن الاعتماد عليه بشكل أكبر، ما يعني المزيد مِن الدعم والإسناد الإيراني، خصوصاً عقب الضربات التي تلقاها حزب الله اللبناني، والحرب التي شُنَّت عليه بقوَّة مِن قِبل إسرائيل، وشملت مناطق الجنوب والضاحية الجنوبية في بيروت.  

رغم قيام إسرائيل بمهاجمة اليمن واستهداف مصالح يمنية لبيان قدرتها على الإضرار بالحوثيين إلَّا أنَّ انخراطها في حرب مفتوحة مع اليمن في ظلِّ تعدُّد الجبهات سيرفع كلفة حروبها، دون تحقيق مكسب حقيقي في اليمن، خصوصاً مع كبر جغرافيَّته وتنوُّع تضاريسه وبُعده عنها؛ لهذا يعلم الحوثيون أنَّ المسألة بالنسبة لهم لن تكون مكلفة بشكل كبير وأنَّ مردودها على الجماعة محلِّيّاً وإقليميّاً ودوليّاً سوف يكون أكبر.  

ثانياً: الحوثيون وحرب روسيا في أوكرانيا  

انخرطت روسيا في مشروعها لغزو أوكرانيا منذ نهاية شباط/ فبراير 2022، ما أشعل فتيل الحرب بين الدولتين، ومنذ ذلك الحين يعاني الجيش الروسي مِن استنزاف مستمرٍّ في مقاتليه نتيجة استمرار الحرب الدائرة بفضل حجم كبير من الدعم الغربي لأوكرانيا.  

لقد خسرت روسيا في هذه الحرب منذ بدايتها ما يزيد عن 700 ألف جندي بين قتيل وجريح ومفقود وأسير؛ كما أنَّ عدد القتلى اليومي ارتفع إلى ما بين 1500 إلى 2,000 جندي، بعد أن كان عام 2022 لا يتجاوز 200 جندي [9] ، هذا النزيف الكبير في قوَّات الجيش دفع السلطات الروسية للقيام بحملة تجنيد واسعة داخليّاً في أوساط الشعب الروسي، وفي أوساط المهاجرين الأفارقة والعرب، واتِّجهت إلى التعاون مع كوريا الشمالية لإرسال مقاتلين مِن جيشها [10] .  

ولأنَّ جمهورية إيران ترتبط بعلاقات وتحالُفات عدَّة مع روسيا، في عدَّة قضايا وملفَّات مِن بينها الملفُّ السوري، حيث عمل الطرفان في جبهة واحدة لمساندة نظام بشَّار الأسد ضدَّ الثوَّار المناهضين له منذ عام 2011، فقد عملت إيران على إمداد روسيا بالسلاح في ظلِّ حربها الدائرة بأوكرانيا.  

هذه المنافع المتبادَلة بين إيران وروسيا وضعت الحوثيين باعتبارهم حلفاء لإيران ضِمن إطار العلاقة بين نظام موسكو ونظام طهران، مِن هنا يأتي الحديث عن عمليَّات نقل مقاتلين يمنيين إلى روسيا، عَبْر وكلاء حوثيين، ويجري استقطاب هؤلاء المقاتلين مِن داخل البلاد وخارجها إلى سلطنة عُمان، ومِنها إلى دبي، ومِن ثَمَّ إلى العاصمة الروسية، حيث يجري تحويلهم إلى مقاتلين "مرتزقة"، إذ يتمُّ توجيههم إلى ثكنات عسكرية قريبة مِن جبهات القتال بحدود أوكرانيا لتلقِّي تدريبات عسكرية، وأساسيَّات في اللغة الروسية، في فترة قصيرة لا تتجاوز أسبوعين، ومِنها نقلهم إلى مناطق التماسّ [11] .  

لا شكَّ أنَّ هذا الإسناد الحوثي لروسيا التي تواجه حلف "الناتو" في أوكرانيا بكلِّ ثقله العسكري والاقتصادي والاستخباراتي واللوجستي، سيعني للقيادة الروسية شيئاً كثيراً، وهو ما انعكس في مواقف روسيا مِن الجماعة مؤخَّراً، فهناك تقارير تشير إلى وجود محادثات بين الحوثيين وروسيا برعاية إيرانية للحصول على أسلحة وخدمات عسكرية روسية، ضِمن بوادر استثمار هذا الانخراط لجماعة الحوثي في العلاقات الروسية الإيرانية.  

روسيا تناقش بالفعل عمليَّات إمداد الحوثيين بأسلحة تمكِّنهم مِن استهداف السفن في البحر الأحمر، والحوثيون على اتِّصال مستمر مع القيادة الروسية لتطوير العلاقات بجميع المجالات، بما في ذلك الاقتصاد والسياسة والجيش [12] .  

الكرملين ذهب إلى نفي ما تم تداوُله في الولايات المتحدة حول توجُّه موسكو لتسليح الحوثيين بصواريخ، بالرغم مِن أن فلاديمير سولوفيوف وهو شخصيَّة بارزة في وسائل الإعلام المدعومة مِن الكرملين وحليف قوي للرئيس الروسي قال سابقاً على قناة روسية: إنَّ "موسكو يجب أن تزوِّد الحوثيين اليمنيين بأسلحة روسيَّة لاستخدامها في الهجمات على السفن الأمريكية والبريطانية"، مضيفاً أنَّ الحوثيين "سيحصلون على كلِّ شيء، وستكون لديهم زوارق شِبه غاطسة مسيَّرة، وستكون لديهم أسلحة قويَّة" [13] .  

ثالثاً: دوافع الانخراط بالصراعات الإقليمية والدولية  

لم تكتفِ جماعة الحوثي بخوضها معارك قتالية مع فئات يمنية عدَّة، وتمرُّدها ضدَّ السلطة الشرعية، وذهبت إلى أبعد مِن ذلك بافتعالها تهديداً للسعودية على حدودها الجنوبية، في خدمة للأجندات الإيرانية، وهو ما جعل اليمن مسرحاً لعمليَّة "عاصفة الحزم" العسكرية، التي أطلقتها السعودية تحت مظلَّة "التحالف العربي" في 26 آذار/ مارس 2015، كما أنَّ الجماعة جنَّدت نفسها للقتال إلى جانب   

القوَّات الأمريكية، منذ قيامها بالانقلاب وإمساكها بالسلطة في العاصمة صنعاء في أيلول/ سبتمبر 2014، ضدَّ تنظيم "القاعدة".  

ومع إخفاق "التحالف العربي" في تحقيق أهدافه المعلنة، وزيادة تمكُّن الحوثيين خلال فترة الحرب التي امتدَّت إلى قُرابة 10 سنوات، بات الحوثيُّون يتطلَّعون إلى بناء نفوذ واسع في المنطقة، وذلك مِن خلال مدِّ تحالفاتهم وعلاقاتهم مع أطراف عدَّة، وقد أدَّى بروز الحوثيين في قوَّة فاعلة في المنطقة وحاضرة في المشهد اليمني والإقليمي لأن تكون محطَّ اهتمام روسيا والصين، في ظلِّ بناء التحالفات التي تنسجها الدول الكبرى في المنطقة، وحالات الاستقطاب الدولية السائدة منذ عَقْد مِن الآن. وبالتالي فإنَّ هذا الحضور والاشتباك مع الأحداث في الإقليم، على صعيد فلسطين والبحر الأحمر، أو في المستوى الدولي في أوكرانيا، يحقِّق للحوثيين الأجندات التالية:  

-     تبييض صفحات الجماعة الماضية وتحسين صورتها ورفع أسهمها على الصعيد الشعبي، المحلِّي والإقليمي، وعلى صعيد التحالفات الدولية.  

-    عَسْكَرة الحالة القائمة في اليمن، وتعزيز القبضة الأمنية، ومواجهة المعارضين للجماعة في الداخل بذريعة المخاطر الخارجية والصراعات التي تستهدف اليمن، والمساهمة في جبهات المقاومة والمناصرة لفلسطين.  

-     رفع مستوى قدرات الجماعة وإمكاناتها العسكرية مِن خلال الميدان، والارتباط بقوى إقليمية ودولية عدَّة، ما يتيح لها تعدُّد الخيارات، وتوسيع دائرة المنافع المتبادلة.  

-    تعزيز التحالفات الإقليمية والدولية، الأمر الذي يخدمها على صعيد حضورها الإقليمي والدولي، وضِمن أروقة الأمم المتَّحدة والمنصَّات الدولية المختلفة.  

-    رفع سقف المطالب على صعيد المباحثات والمفاوضات الجارية على مستوى التسوية السياسية التي تسعى السعودية لإنهائها، رغبة في إغلاق الملفّ اليمني، فالجماعة تظهر بعد سنوات مِن الحرب أقوى بأساً وأوسع حضوراً وأقدر أداء وأسلوباً في الصراع والتحالفات.  

-    الحصول على موارد مالية وماديَّة وأسلحة وتقنيَّات وخدمات لوجستية مِن بعض الدول، في مقابل ما يقدِّمه الحوثيون لها على صعيد الإقليم أو في ملفَّاتها الخاصَّة، كما هو حاصل في إرسال مقاتلين مرتزقة للقتال إلى جانب الجيش الروسي بأوكرانيا.  

بالتالي، هناك جملة مِن الدوافع الذاتية والخارجية والموضوعية تجعل مِن انخراط جماعة الحوثي في الصراعات الإقليمية والدولية أمراً مهمّاً بالنسبة لها.  

فعدا الأجندات التي أشرنا لها، فإنَّ جماعة الحوثي لا بدَّ لها مِن سند خارجي قوي يدعم مشروعها في اليمن، لأنَّ عودتها إلى التسوية السياسية والعملية الديمقراطية سيعيدها إلى حجمها الحقيقي، بعد أن ينزع عنها قوَّتها العسكرية الضاربة، وهذا الإسناد الخارجي يقتضي مقابلاً، على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني، وهو ما يفسِّر قوَّة التحالف الرابط بين جماعة الحوثي والنظام الإيراني؛ رغم الاختلاف المذهبي بينهما.  

إنَّ التشابُك الذي تعيشه السياسة الدولية يمنع على أيِّ قوَّة صاعدة البقاء في فضاء الحياد، ويوجب عليها الانخراط في حالة التدافع والاشتباك بين القُوى الكبرى والقُوى الإقليمية الدائرة في فَلَكها، فالجماعة لا يمكنها أن تبقى متمسِّكة بإنجازاتها وهي سلطة أمر واقع فاقدة للشرعية الدستورية والشعبية دون أن تكتسب سنداً دوليّاً، يسعى لرعايتها والاعتراف بها، وربَّما منحها الشرعية والاعتراف الدولي، لهذا فالجماعة تتخادم مع روسيا كما تتخادم مع الولايات المتَّحدة، ولديها قابلية للتخادم مع بقيَّة الدول الكبرى الفاعلة في مجلس الأمن، ومِن غير الممكن -وهي المنخرطة في التحالُف مع إيران- أن تتجنَّب الاشتباك مع الملفَّات الإقليمية والدولية لها.  

إذن هناك دوافع عدَّة تجعل مِن الضروري على الجماعة الحضور في النزاعات الإقليمية والصراعات الدولية، مِن خلال قَدْر مِن المشارَكات والمواقف، وهذا بدوره سيفرض عليها تدريجيّاً الانخراط أكثر في هذه النزاعات والصراعات، والتحيُّز الواضح مع الأقطاب الإقليمية والدولية.  

مِن جانب آخر، فإنَّ وضع غياب الدولة في اليمن يشجِّع دولاً مثل إيران وروسيا -وربَّما الصين مستقبلاً- لجعل البلاد ممرّاً ومنطلقاً لبعض العمليَّات التي تتطلَّب تبنِّيها مِن جماعات خارج الدولة، وميداناً للحرب بالوكالة لتقليل الخسائر والأضرار، وهو الأمر ذاته للولايات المتَّحدة الأمريكية وبريطانيا،بالتالي سيكون أمام الجماعة عدَّة عروض مِن الأطراف المتنازعة والقُوى المتصارعة للاختيار بينها، ومِن الواضح أنَّ الجماعة ترى أنَّ الغرب مرهون لاقتصاديَّات النفط وأموال الخليج، وأنَّه لا يمكن الوثوق به مستقبلاً، وأنَّها تميل لعوامل عدَّة للانحياز للمعسكر الشرقي بقطبيْهِ: روسيا والصين.  

رابعاً: آثار الانخراط بالصراعات الإقليمية والدولية  

هناك عدَّة آثار ستنتج عن انخراط الحوثيين في الصراعات الإقليمية والدولية، سواء على صعيد الجماعة، أو المجتمع اليمني، أو المشهد السياسي والعسكري في البلاد، أو على صعيد الحكومة الشرعية والقُوى المنضوية تحتها، ومِن هذه الآثار:  

-    ستنعكس مشاركة الحوثيين في الصراعات الإقليمية والدولية على الجماعة باتِّجاهين: إيجابي يتمثَّل في تعزيز التحالفات الخارجية واكتساب الجماعة قدراتٍ وإمكاناتٍ وسيولةً ماليةً ودعماً لوجستياً، وآخر سلبي يتمثَّل في استهدافها مِن قِبل الطرف الآخر عسكريّاً واقتصاديّاً، وسيكون على الجماعة مقارنة المكاسب بالخسائر والنظر إلى مآلات المسار الذي تنتهجه في سياساتها وتحالُفاتها.  

-    على صعيد المجتمع اليمني، سوف تزداد المعاناة الإنسانية والاقتصادية، وستبقى الحلول السياسية السلمية بعيدة المنال، فيما ستكون البلاد معرَّضة لمزيد مِن الحصار والتضييق، وهذا بدوره سيرفع الأسعار والغلاء ويهبط بالعملة اليمنية إلى مستويات أسوأ، وهناك حديث عن تنسيق دولي إقليمي للقيام بعمليَّة عسكرية ضدَّ الحوثيين مِن خلال السلطة الشرعية [14] .  

-    على صعيد المشهد السياسي والعسكري، سيكون مِن الصعب على الأطراف اليمنية المناوئة للحوثيين قبول تنازُلات جائرة ضدَّهم لصالح الحوثيين، وسيبقى الحلُّ العسكري هو الخيار الأفضل لهم لاستعادة دولتهم وأمنهم واستقرارهم، غير أنَّ هذا سيجعلهم في مواجهة غير مباشرة مع القُوى  

المستفيدة مِن جماعة الحوثي على الصعيدين الإقليمي والدولي، فضلاً عن أنَّ الولايات المتَّحدة وبريطانيا غير جادَّتين في القضاء على الانقلاب، وغاية ما ستعملان من إسناد هو تحريك الجبهات الموالية للشرعية لاستخلاص الساحل الغربي ومحافظة البيضاء وبعض المناطق مِن جماعة الحوثي لتحجيم قدرتها العسكرية تجاه تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب، وهذا يعني عودة المواجهات المسلَّحة وإمكانية أن تهدِّد الجماعة مأرب وتعز بمزيد مِن الضربات والقصف، وربما الاجتياح البرِّي.  

-    على مستوى الحكومة الشرعية والقوى المنضوية تحتها، يبدو أنَّهم ارتهنوا لوعود إقليمية، وفقدوا اتِّصالهم بالقوى العالمية، في حين نسجت الجماعة علاقاتها مع دول عدَّة، وعزَّزت مِن قدراتها التسلُّحية رغم الحصار المفروض عليها، وبالتالي ستظلُّ الشرعية مرهونة في المسارين العسكري والسياسي بما ستقرره "اللجنة الرباعية" المسؤولة عن الملفِّ اليمني، والمتمثِّلة في: الولايات المتَّحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات.  

خاتمة  

يبدو أنَّ جماعة الحوثي في اليمن تستفيد مِن الظروف التي تعصف بالمنطقة والعالم لتوسِّع علاقاتها وتبني مشروعها السياسي على حساب الداخل اليمني، ولصالح تفرُّدها بالسلطة والقضاء على خصومها تحت لافتات أمنية وعسكرية وسياسية؛ وهذا بدوره سيجعل اليمن ميداناً للاستغلال الإقليمي والدولي ومخزناً للمقاتلين والجماعات المسلَّحة حتَّى حين.  

 

الهوامش:  

[1]  تحالف "حارس الازدهار".. قوة بحرية دولية لمواجهة الحوثيين، الجزيرة نت، 30/12/2023.     الرابط      

[2] ضربات أمريكية وبريطانية على أهداف في صنعاء والحديدة والحوثي يتوعد بالرد، الجزيرة نت، 12/01/2024.     الرابط  

[3] مقاتلات أمريكية وبريطانية تشن 4 غارات على مواقع للحوثيين شمال مدينة الحديدة، روسيا اليوم، 22/06/2024.     الرابط  

[4]    هجوم تل أبيب.. إسرائيل تحت الصدمة وحديث عن الرد "بضربة قوية"، الجزيرة نت، 19/07/2024.     الرابط  

[5] اليمن: الحوثيون يجنّدون المزيد من الأطفال منذ 7 أكتوبر، هيومن رايتس ووتش، 13/02/2024،     الرابط  

[6] الزوامل: هي قصائد شعبية وأناشيد باللهجة العامية، يتغنَّى بها اليمنيون في المناسبات وعند الترويح عن النفس.  

[7] زعيم "أنصار الله": نحن مستمرون في عملياتنا ولن نخذل الشعب الفلسطيني أبداً، القدس العربي، 05/09/2024،     الرابط  

[8] الحوثيون يتوعدون بمواصلة استهداف إسرائيل حتى ينتهي "العدوان" على غزة، Euronews، 31/10/2023.     الرابط  

[9] انظر: خسائر تكبدتها روسيا وأوكرانيا خلال 1000 يوم من الحرب، موقع الجزيرة نت، 20/11/2024،     الرابط  

[10] إيليا أبيشيف، لماذا يستعين بوتين بجنود من كوريا الشمالية وكيف يستفيد منهم في حرب أوكرانيا؟، موقع BBC عربي، 13/11/2024.     الرابط  

[11] انظر: القتال مقابل المال.. كيف استغل السماسرة تجنيد مواطنين يمنيين للقتال مع الروس في أوكرانيا؟!، موقع المصدر أونلاين، 01/10/2024،     الرابط  

[12]  انظر: الحوثيون يجندون مرتزقة للقتال في روسيا.. ومخاوف من اتساع دائرة الحرب، صحيفة الدستور المصرية، في: 24/11/2024م، متوفر على الرابط التالي:  

https://www.dostor.org/4874923#goog_rewarded  

[13]  انظر: روسيا تعلق على اتهامها بتسليح الحوثيين، الجزيرة نت، في: 7/10/2024م، متوفر على الرابط التالي:  

https://2u.pw/jzcjWMz3  

[14]  بين مناورة الحوثيين وتحرُّكات السعودية.. هل يتجه المشهد في اليمن نحو حرب جديدة؟ عامر الدميني، الموقع بوست، في: 30/10/2024م، متوفر على الرابط التالي:  

https://almawqeapost.net/interviews/103052