استياء أوكرانيا من فيتو أمريكي على استخدام أسلحة نوعية غربية ضدّ روسيا

استياء أوكرانيا من فيتو أمريكي على استخدام أسلحة نوعية غربية ضدّ روسيا

2024-09-13
113 مشاهدة


تواجه أوكرانيا إحباطاً متزايداً بما تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية عليها من قيود في استخدام أسلحة غربية نوعية ضدّ أهداف داخل روسيا، في مقابل استمرار محاولات المسؤولين في كييف توسيع هوامش استهداف مواقع روسية ذات أهمية عالية.

فما الأسلحة التي ما تزال قَيْد حظر الاستخدام ضِمن ساحة المعارك في روسيا؟ وما أسباب الولايات المتحدة لهذا التحفُّظ والمنع؟ وهل تنجح المحاولات الأوكرانية في إقناع صانع القرار في واشنطن بدعم سياسات كييف بشكل أكبر؟
 

نص الترجمة:
 

يتزايد إحباط أوكرانيا يوماً بعد يوم بسبب القيود التي فرضتها إدارة بايدن على الأسلحة التي توفرها الولايات المتحدة الأمريكية لأوكرانيا، بحيث تشترط عدم استخدامها ضدّ أهداف داخل روسيا.

في الأسبوع الأخير من آب/ أغسطس 2024، عندما شنت روسيا هجمات صاروخية وهجمات واسعة النطاق بالطائرات دون طيار على المدن والبِنْية التحتية للطاقة، ترأَّس وزير الدفاع الأوكراني رستم أوميروف (Rustem Umerov)، ورئيس ديوان الرئيس الأوكراني أندريه يرماك (Andriy Yermak)، وفداً إلى واشنطن، في محاولة جديدة لتغيير السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة. ووفقاً للتقارير كان الفريق الأوكراني يسعى للحصول على إذن لاستهداف عدد محددٍ من الأهداف ذات القيمة العالية، باستخدام الصواريخ الأمريكية.

كانت المهمة التي ذهب من أجلها الوفد تتركز على الردّ المباشر على الأعذار المختلفة القادمة من البنتاغون في كل مرة، ومن المسؤولين عن الأمن القومي الأمريكي حول سبب استمرار القيود وضرورتها، في الوقت التي أصبحت التحفُّظات الأمريكية (الخطوط الحمراء) غامضة إلى درجة عدم وضوحها.

على سبيل المثال، فقد تم رفع الحظر الشامل عن ضرب أهداف في روسيا في أيار/ مايو 2024، عندما أبلغت أوكرانيا أنَّها يمكن أن تضرب تجمعات القوات الروسية على الجانب الآخر من الحدود بينما هي تستعد لمهاجمة مدينة خاركيف، بعدها قام الجيش الأوكراني بالعبور إلى كورسك داخل الأرضي الروسية، ونشروا هناك بطاريات راجمات صواريخ هيمارس (HIMARS) ضد القوات الروسية التي تم استدعاؤها لصد الغزو، ولم تُبدِ واشنطن أي اعتراض.

السبب الذي تم تقديمه في الماضي لمنع أوكرانيا من استخدام الأسلحة الأمريكية ضد أهداف في روسيا كان الخشية من أن يؤدي ذلك إلى رد فعل تصعيدي من الكرملين، مما قد يسبب أضراراً أكبر لأوكرانيا، وقد يدفع روسيا إلى استخدام الأسلحة النووية، ثم بشكل تدريجي تراجعت تلك الخشية، وأصبحت أكثر ضعفاً.

يظهر واضحاً أن التهديدات النووية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هي مجرد تهديدات فارغة، بينما لم تتردد روسيا في اتخاذ إجراءات أخرى كما يقول السير لورنس فريدمان (Lawrence Freedman) وهو مؤرخ عسكري، فإن الهجمات الصاروخية والطائرات المسيَّرة التي وقعت نهاية آب/ أغسطس هي جزء من حملة منهجية لجعل حياة الأوكرانيين العاديين بائسة قدر الإمكان، وخاصة في المستقبل مع قدوم فصل الشتاء. ويضيف: "روسيا ترغب في أن يترك مئات الآلاف من الناس منازلهم، مما قد يؤدي إلى خلق أزمة لاجئين جديدة في البُلدان الأوروبية المجاورة".

في الأشهر الأخيرة، تم تقديم أسباب جديدة لتقييد أوكرانيا، فقد قال مسؤولون (لم تتم تسميتهم): إن الإدارة لا تريد تعريض "إعادة ضبط" العلاقات مع موسكو للخطر في وقت ما في المستقبل، بينما يرى مسؤولون آخرون أن السماح لأوكرانيا باستخدام نظام أتاكمز (ATACMS) الذي يمتاز بمدى أطول من هيمارس ضد أهداف في روسيا لن يغير الصورة الإستراتيجية؛ لأن الأهداف تبقى خارج المدى المتاح، بعد أن نقلت روسيا معظم الطائرات المستخدمة لإطلاق القنابل القوية الموجهة إلى قواعد جوية تقع خارج نطاق 300 كم (المدى الذي يبلغه صاروخ نظام أتاكمز)، وأنه في كل الأحوال يعتبر مورداً نادراً (أعداد هذا النوع من الصواريخ قليلة) وبذلك ينبغي استخدامه بشكل أفضل ضد أهداف في شِبه جزيرة القرم.

كما ظهر مؤخراً أن الإدارة الأمريكية منعت بريطانيا وفرنسا السماح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة التي قدمتها لها وهي من نوع "ستورم شادو" (Storm Shadow) خارج الأراضي الأوكرانية، وقد تمكنت من القيام بذلك؛ لأن هذه الصواريخ تحوي بعض المكونات الأمريكية.

القائد السابق للقوات الأمريكية في أوروبا الجنرال بين هودجز (Ben Hodges) يصف هذا بأنه "صناعة الأعذار المستمرة، والتي هي مضللة وغير دقيقة". على سبيل المثال، ليس من الواضح لماذا ينبغي أن تكون "قلة أعداد صواريخ أتاكمز" قيداً، بينما يوضح تقرير مفصل من شركة دفاع إكسبريس (Defence Express) وهي شركة استشارية أوكرانية، أن الولايات المتحدة ربما تمتلك مخزونات لا تقل عن 2500 صاروخ، والتي دخلت الخدمة أول مرة قبل أكثر من 30 عاماً.

إن الادّعاء بأن هناك نقصاً في الأهداف المهمة هو أيضاً محل شك، فيقول معهد دراسة الحرب، وهو مركز أبحاث في واشنطن، إنَّ "الضربات الأوكرانية بعيدة المدى ضد الأهداف العسكرية الروسية داخل عمق روسيا ضرورية لتقليص القدرات العسكرية الروسية على امتداد المسرح القتالي، وإزالة القيود على استخدام أوكرانيا للأسلحة المقدَّمة من الغرب ستُمكِّن القوات الأوكرانية من ضرب مجموعة واسعة من الأهداف المهمة التي تدعم جهود روسيا الحربية".

يُقدِّر المعهد أن حوالَيْ 250 هدفاً عسكرياً تقع ضِمن نطاق صواريخ أتاكمز، من بينها 17 هدفاً هي قواعد جوية قد تكون الطائرات قد انطلقت منها، والعديد من هذه الأهداف هي قواعد عسكرية كبيرة، ومحطات اتصالات، ومراكز دعم لوجستية، ومستودعات وقود وذخيرة، والتي سيكون من الصعب نقلها دون أن يكون لذلك تأثير سلبي كبير على مجهود روسيا الحربي.

الجنرال هودجز الذي لا يزال مستشاراً رفيع المستوى لحلف الناتو في مجال اللوجستيات، يقول: "لا يوجد سبب أخلاقي أو قانوني يمنع استهداف هذه الأهداف"، ويؤكد أن الرئيس الأمريكي بايدن يتلقى الكثير من النصائح من مسؤولين من حِقْبة الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما، وقد أخطأ هؤلاء المسؤولون مراراً في التعامل مع روسيا، ويضيف: "إذا لم يُغيِّر بايدن موقفه، فسوف تتلطخ سمعته". ويتفق السير لورانس مع هذا الرأي، حيث يقول: "الأمريكيون عالقون في فخّ من صنع أيديهم، ولا يعرفون كيف يخرجون منه". ويضيف أن بايدن "رجل عجوز عنيد".

سيحظى الرئيس الأوكراني قريباً بفرصة أخيرة لإقناع الرئيس الأمريكي بتبنِّي نهج جديد قبل مغادرة الأخير منصبه، حيث يلتقي الرئيسان في أيلول/ سبتمبر 2024 في نيويورك على هامش الجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة.

في هذه الأثناء يُثبِت الأوكرانيون قدرتهم على تطوير بدائل للأنظمة الغربية، حيث طائراتهم المسيرة بعيدة المدى التي تزداد تطوُّراً أصبحت تضرب بانتظام أهدافاً في عمق روسيا، حيث تم استهداف مستودعات نفط ضمن مقاطعتَيْ روستوف وكيروف على بُعد يصل إلى 1,200 كيلومتر من الحدود الأوكرانية يوم 28 آب/ أغسطس، ثم تم ضرب مصفاة نفط قرب موسكو في واحدة من أكبر هجمات الطائرات المسيَّرة في الحرب يوم 1 أيلول/ سبتمبر.

تقوم أوكرانيا بتطوير أسلحة أكثر قوة، حيث أعلن الرئيس الأوكراني مؤخراً عن اختبار ناجح لأول صاروخ بالستي أوكراني، ويعتقد فابيان هينز (Fabian Hinz) خبير الصواريخ في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية (IISS) ومقره لندن، أن هذا الصاروخ هو على الأرجح تطوير لصاروخ (Hrim-2) وقد تم تطويره تباعاً على مدار عقد من الزمن تقريباً، بتمويل جزئي من السعودية، ويرى هينز أنه ليس من المفاجئ أن تمتلك أوكرانيا المهارات التقنية والمعرفة الصناعية اللازمة لإنتاج صواريخ ذات قدرة مُعتبرة، فلقد كانت أوكرانيا في السابق جزءاً من برامج الاتحاد السوفياتي للصواريخ الإستراتيجية وصواريخ كروز، وتفاخر البلاد بمهندسين شباب ممتازين، وقد أثبتت بالفعل ما يمكنها تحقيقه من خلال صاروخ كروز مضادّ للسفن محلي الصنع، يُدعى نبتون (Neptune)، وكذلك النسخة الأخرى من الصاروخ المُعَدّة للهجمات البرية.

ومع ذلك، يرى بن باري (Ben Barry) المتخصص في الحروب البرية في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية (IISS) ضرورة الحذر من أنه على الرغم من أن أوكرانيا تخوض بالفعل "معركة تستهدف العمق الروسي" ضدّ مجموعة متنوعة من الأهداف في روسيا، إلا أنها قد تواجه صعوبة في توسيع إنتاج أنظمتها بعيدة المدى، أيضاً فإن الأوكرانيين من خلال إظهار قدراتهم يقدمون حُجّة أقوى للسماح لهم باستخدام صواريخ "أتاكمز" و"ستورم شادو" ضدّ تلك الأهداف في الوقت الحالي، وكما قال وزير الخارجية الليتواني غابريليوس لاندسبيرجيس (Gabrielius Landsbergis) بعد الهجوم الذي شنته روسيا نهاية آب/ أغسطس 2024 ضد المدن الأوكرانية: "الطائرات الروسية تحظى بحماية أفضل من المدنيين الأوكرانيين؛ بفضل الضمانات الغربية".



ترجمة: عبد الحميد فحام
المصدر: (الإيكونوميست THE ECONOMIST)