المصالح المشتركة تدفع الأعداء في الشرق الأوسط للصداقة في الوقت الراهن

المصالح المشتركة تدفع الأعداء في الشرق الأوسط للصداقة في الوقت الراهن

2023-07-28
1433 مشاهدة


نشر موقع ستراتفور (stratfor)، والذي يعرف عن نفسه على أنه منصة الاستخبارات الجيوسياسية الرائدة في العالم تقريراً بعنوان: المصالح المشتركة تدفع الأعداء في الشرق الأوسط للصداقة في الوقت الراهن

يسلط التقرير الضوء على عموم المشهد في الشرق الأوسط، وتطورات العلاقات بين الفاعلين فيه، مع شرح محركات ودوافع الدول لمزيد من التعاون وتطبيع العلاقات على الرغم من الخصومات السابقة.

وتالياً هي الترجمة الكاملة للتقرير:

تتميز العلاقات بين أقوى الدول الشرق أوسطية -بما في ذلك السعودية ومصر وتركيا وإيران- بالهدوء النسبي بالمقارنة مع السنوات الماضية بالرغم من استمرار وجود ما يهدد بعودة التوترات، في السنوات الأخيرة، تحسنت العلاقات الدبلوماسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والعالم العربي بشكل ملحوظ حيث إن الاتفاق بين السعودية وإيران على التقارب في شهر آذار/ مارس من عام 2023 بعد انقطاع العلاقات الدبلوماسية لمدة سبع سنوات كان أكثر الأمثلة بروزاً من بين العديد من الحالات المشابهة في المنطقة، وعلى الرغم من أن الدوافع لهذا التقارب متعددة وكثيرة، وما زالت هناك قضايا حساسة وصراعات مستمرة في المنطقة، إلا أنها تُعَدّ جميعاً جزءاً من اتجاه أوسع لتحسين العلاقات في الشرق الأوسط، ومن أهم معالم ذلك التقارب ما يلي:

قيام وزير الخارجية السعودي بزيارة إيران في السابع عشر من شهر حزيران/ يونيو، في أحدث إشارة على التقدم الملموس في التقارب الذي أدارته الصين بين الخصمين في منطقة الخليج العربي، وكان الصراع بين السعودية وإيران هو أحد العوامل الرئيسية في تهديدات الأمن في المنطقة، بما في ذلك هجمات بحرية بدعم من إيران، وهجمات سيبرانية، وأعمال عنف من ميليشيات وكيلة ضد بعضها البعض، كما خشيت إيران منذ فترة طويلة أن السعودية قد تساعد في تسهيل هجوم أمريكي أو إسرائيلي ضدها.

قيام كل من تركيا ومصر بتبادل السفراء بعد قطيعة دامت 10 سنوات في الرابع من تموز/ يوليو، مما يشير إلى حدوث انفراج دبلوماسي بعد سنوات من انعدام الثقة بسبب التنازع بين أنقرة والقاهرة على مسألة دعم الإسلام السياسي في الحكومات في جميع أنحاء دول الشرق الأوسط.

حضور رئيس النظام السوري بشار الأسد قمة الجامعة العربية في مدينة جدة السعودية في التاسع عشر من شهر أيار/ مايو للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب في بلاده في عام 2011، وهي الحرب التي أدت إلى تعليق عضوية نظامه في الجامعة العربية، وقد أوقفت العديد من دول الجامعة العربية دعمها للفصائل المقاتلة ضد نظام الأسد على مدار الحرب التي استمرت 13 عاماً، وسط اعتراف متزايد في السنوات الأخيرة بأن دمشق تبدو على وشك الانتصار في النزاع.

عودة عدة دول عربية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل خلال السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك الإمارات والمغرب وعمان، أما السعودية -الدولة الخليجية العربية الأقوى- فلم تطبع بعدُ علاقاتها الدبلوماسية رسمياً مع إسرائيل، ولا يُتوقَّع أن تفعل ذلك وهي تحت حكم الملك سلمان، الذي ربط المسألة بقضية الدولة الفلسطينية، ولكن الرياض استقبلت في الآونة الأخيرة رجال الأعمال الإسرائيليين والنشاط التجاري الإسرائيلي بشكل متزايد.

يمكن أن يُعزى التقارب المستمر بين دول الشرق الأوسط جزئياً إلى الشكوك حول التزام الولايات المتحدة المستقبلي تجاه المنطقة وسط تنافسها المتزايد مع الصين وروسيا؛ فتاريخياً كانت الولايات المتحدة داعماً أمنياً أساسياً للعديد من البلدان في الشرق الأوسط، ولكن مع ذلك في عالم اليوم الذي تتعدد أقطابه بشكل ملحوظ، هناك شعور متزايد بعدم اليقين بين شركاء الولايات المتحدة فيما يتعلق بمكان تركيز واشنطن الإستراتيجي وقدراتها السياسية ومواردها العسكرية. وتتساءل القوى الإقليمية مثل السعودية ومصر وتركيا وإسرائيل والإمارات كيف يمكن للولايات المتحدة أن تستغل علاقاتها الأمنية والسياسية في المنطقة لمواجهة نفوذ الصين وروسيا، إن شركاء الولايات المتحدة قلقون من أنهم قد يتعرضون لضغوط لقطع علاقاتهم مع موسكو وبكين، اللتين غالباً لا تطالبان الحلفاء بالامتثال لقضايا مثل حقوق الإنسان مقابل دعمهما الاقتصادي والسياسي والمالي مقارنة بواشنطن، كما أن هؤلاء الشركاء غير متأكدين من كيفية تأثير زيادة تركيز الولايات المتحدة المتزايد على الصين وروسيا على الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، والذي تراجع بالفعل في السنوات الأخيرة، تدفع حالة عدم اليقين هذه بعض حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلى استعادة علاقاتهم مع خصومهم السابقين في محاولة لتقليل تعرضهم للتهديدات المستقبلية التي قد تكون واشنطن غير راغبة أو غير قادرة على المساعدة في نزع فتيلها.

هناك محرك آخر مهم لتحسين العلاقات بين الخصوم السابقين في الشرق الأوسط، وهو الحاجة إلى إيجاد فرص استثمارية وتجارية في أوقات الشك في قدرات الاقتصاد العالمي، فلعقود من الزمان، أعاقت الصراعات في المنطقة نمو الدول الاقتصادي عبر تعطيل تدفق البضائع والأموال والأشخاص عبر حدودها المشتركة، ولكن حتى وقت قريب، كانت الدول ترى أن الضرورات السياسية التي تقوم عليها نزاعاتها المختلفة مع بعضها البعض تستحق التكاليف الاقتصادية التي تهدرها، ولكن تلك الحسابات تغيرت في السنوات الأخيرة بوجود التحديات الكبيرة التي تواجه الاقتصاد العالمي، بدءًا من جائحة كوفيد-19 في عام 2020، مروراً بغزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022 وارتفاع أسعار الفائدة العالمية، وفي الوقت الذي كان فيه العالم يكافح لمواجهة تداعيات الأزمات المتتالية، بدأت المزيد من الدول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الاعتراف بأهمية العمل معاً لإيجاد حلول جماعية تخفف العواقب السلبية على اقتصاداتهم وتعزز مرونتهم العامة في مواجهة التحديات العالمية المتزايدة، هذا بدوره دفع بعض الدول إلى التخلي عن الصراعات السياسية التي كانت في السابق تضر اقتصادها (أو على الأقل تعطل نموها)، على أمل فتح فرص تجارية جديدة وجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي.

زادت التجارة الثنائية بين مصر وتركيا بنسبة 22٪ في عام 2022، ومن المرجح أن تزداد أكثر وسط جهود البلدين الأخيرة لتطبيع العلاقات، مما سيمكن الشركات والمستثمرين المصريين والأتراك من زيادة التعاون، وتعد مصر وتركيا موطناً لاثنين من أكبر الاقتصادات في الشرق الأوسط وقد شهدت العلاقة بين البلدين مقاطعة غير رسمية ورسمية في ذروة الانقسام الدبلوماسي بينهما.

ساعدت الفوائد المحتملة للاستثمار والتجارة الإسرائيليين أيضاً في دفع الدول العربية إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل في السنوات الأخيرة، وبسبب الحروب العديدة السابقة مع الدول العربية حول إقامة الدولة الفلسطينية، بقيت إسرائيل تاريخياً في موقع معزول نسبياً داخل الشرق الأوسط، مما أدى إلى وجود علاقات اقتصادية محدودة مع جيرانها، ومع ذلك، فإن هذا يتغير ببطء وسط جهود التطبيع بموجب اتفاقات أبراهام، التي شهدت زيارات وفود تجارية إسرائيلية بشكل متزايد لدول مثل الإمارات والمغرب والسعودية بحثاً عن صفقات استثمارية.

تساهم الأولويات الأمنية الوطنية المتوافقة أيضاً في تقريب الخصوم الإقليميين السابقين من بعضهم البعض، ففي حالة مصر وتركيا تلاشى خوف الأولى من أن تثير تركيا الفتنة في مصر عبر دعم الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية السياسية الأخرى، حيث استطاعت القاهرة بفعالية كبح القوة السياسية المحلية لهذه الجماعات، ونتيجة لذلك أعادت تركيا ومصر تبادل السفراء في الرابع من تموز/ يوليو للمرة الأولى بعد عشر سنوات من القطيعة الدبلوماسية، مما يشكل خطوة كبيرة نحو التطبيع، بالإضافة إلى ذلك السعودية وإيران لديهما مصلحة أمنية وطنية مشتركة في تعزيز التواصل فيما بينهما حتى يتمكنوا من تخفيف النزاعات المحتملة، على الرغم من أن الصراع بينهما لا يزال قوياً، ولهذا الغرض، اتفقت الحكومتان على استعادة العلاقات الثنائية في العاشر من آذار/ مارس، ومنذ ذلك الحين أعادت إيران فتح سفارتها في الرياض، على الرغم من أن السعودية لم تفعل الشيء نفسه بعدُ في طهران، وفي الوقت نفسه ساعد التهديد النووي المتنامي من إيران في جمع الدول المتجهة نحو الغرب في المنطقة عن طريق تحفيز بعض الدول العربية (بما في ذلك دول الخليج العربية) على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، خاصة في غياب تقدم ملموس في المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران.

بعد فترة وجيزة من صعود الأمير محمد بن سلمان ولي عهد السعودية إلى السلطة في عام 2017 حاول حشد الحلفاء الإقليميين ضد القوات الوكيلة لإيران وضد الحركات الإسلامية السياسية، بما في ذلك تلك التي في قطر، ومع ذلك فشلت هذه المحاولة بشكل كبير، كما يتضح من خلال عدد من الأحداث مثل نهاية الحصار على قطر في 2017 الذي كان أقل من المتوقع، وأدى هذا الفشل إلى جعل السعودية أكثر انفتاحاً على فكرة التعامل مع إيران دبلوماسياً للتخفيف من مخاطر الصراع.

وفقاً للأمم المتحدة في شهر تموز/ يوليو، تبلغ كمية اليورانيوم المخصب في إيران حالياً حوالَيْ 20 مرة أكثر من الكمية المسموح بها بموجب اتفاق العمل الشامل المشترك (JCPOA) النووي لعام 2015، وتزيد هذه الدرجة من التخصيب من إمكانية أن تطور إيران سلاحاً نووياً.

بالرغم من الواقعية الاقتصادية المتزايدة في المنطقة والأولويات الأمنية المتوافقة، فإن العوامل التي تعزز العديد من النزاعات المتجذرة لا تزال قائمة، هذا يعني أن الوضع الحالي للتوافق سيتقلب حسب ديناميكيات النزاع المحلي والإقليمي، بالإضافة إلى التغير في الظروف الاقتصادية المحلية والعالمية، حيث إن الظروف المحيطة بكل علاقة فريدة من نوعها، ويمكن الحديث عن كل واحدة منها على حِدَةٍ كالتالي:

العلاقات الإسرائيلية العربية

تقوم العديد من دول الخليج العربي، وكذلك المغرب بتطبيع العلاقات مع إسرائيل بسبب وعود الاستثمار الاقتصادي، والقلق المشترك بشأن التهديدات الإيرانية، وضمانات التزويد بالمعدات العسكرية والتعاون التجاري من الولايات المتحدة، وتلاشي أهمية قضية الدولة الفلسطينية بين الشباب العربي، حتى الدول العربية التي تسعى إلى التطبيع بحذر أكبر مثل البحرين والسعودية من المرجح أن تحافظ على مسارها، خاصة إذا زاد خطر نشوب صراع مع إيران، سيساعد هذا البناء التدريجي للعلاقات العربية الإسرائيلية طويلة الأمد على تقليل مخاطر نشوب صراع بين إسرائيل والدول الأخرى التي لا تزال غير مهتمة بالتطبيع، بما في ذلك الجزائر ولبنان والكويت.

المخاطر المحتملة التي قد تعكس أو تبطئ مسار التوجه نحو التطبيع تشمل تصعيداً شديداً في النشاط العسكري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، أو تصعيداً شديداً في النشاط العسكري للفصائل الفلسطينية ضد الإسرائيليين، وكِلاهما ممكن في الظروف الحالية، بالإضافة إلى ذلك، فإن تدهوراً خطيراً في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل سيبطئ التقارب الإقليمي، حينها لن تقدم الولايات المتحدة ضمانات أمنية للدول العربية مقابل تطبيع العلاقات.

التطبيع الإقليمي في سورية

يتقبل العالم العربي على نطاق أوسع الواقع بأن حكومة رئيس النظام السوري بشار الأسد ستبقى في السلطة، فبالنسبة للأسد الذي لم تَعُدْ حكومته تُعامَل على أنها أقذر حكومة في العالم العربي فإن الفوائد السياسية للتطبيع واضحة، حتى لو كانت بقية المنطقة لا تزال حذرة من زيادة التعاون الاقتصادي بسبب مخاطر العقوبات المستمرة.

التغييرات التي قد تعرقل هذا التوجه نحو التطبيع تشمل ارتفاعاً سريعاً في صادرات سورية من مادة الأمفيتامين المخدرة (الفينيثيلين)، والتي غالباً ما تُسوّق باسم "كبتاغون"، والتي قد تفسد النوايا الحسنة الناشئة التي يشعر بها العديد من الدول العربية تجاه الحكومة السورية، يمكن أن تؤدي زيادة دراماتيكية في حملات الحكومة السورية العسكرية ضد جماعات وفصائل المعارضة أيضاً إلى برودة وتيرة التطبيع كونها قد تسهم في تهديد أمن البلدان القريبة الأخرى وزيادة المخاطر على السمعة بالنسبة للدول التي تعمل بسرعة على تخفيف الروابط مع سورية.

العلاقات السعودية الإيرانية

تعاونت السعودية وإيران على تطبيع العلاقات في شهر آذار/ مارس 2023 بعد توقُّف دام سبع سنوات بسبب تظاهُر الإيرانيين أمام مباني القنصلية السعودية في عام 2016، وقد وافقت السعودية على إعادة فتح الخطوط الدبلوماسية أساساً من أجل تقليل مخاوفها بشأن تعثر المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، وهو الأمر الذي جعل السعودية معرضة للهجمات الإيرانية، دول الخليج العربية الأخرى -بما في ذلك الإمارات- تحذو حَذْو السعودية من خلال اختبار مزايا إعادة بناء العلاقات مع إيران، ويخفف هذا التقارب الإقليمي المنتشر من مخاطر نشوب صراع مباشر عبر الخليج العربي، فضلاً عن الهجمات الإلكترونية الضارة من إيران أو ضدها.

تشمل المخاطر التي من شأنها تقويض هذا الاتجاه تصاعد العنف في واحدة من المسارح التي تعمل فيها كل من السعودية وإيران بالوكالة للتنازع على مصالح متنافسة، بما في ذلك اليمن ولبنان والعراق، إن التقدم الدراماتيكي لقدرات إيران النووية من شأنه أن يهزّ ثقة السعودية في أن أمنها مضمون من خلال التقارب مع إيران، مما يدفع على الأرجح الرياض إلى تقوية علاقتها مع الولايات المتحدة على حساب إيران، بالإضافة إلى ذلك فإن هجوماً إلكترونياً إيرانياً على السعودية أو على حليف لها من شأنه أن يضر بذلك التقارب.

العلاقات التركية العربية

في أعقاب الربيع العربي مباشرة في أوائل العقد الثاني من الألفية الثالثة، قدم انهيار الحكومات الديكتاتورية في بلدان مثل مصر وتونس فرصة لتركيا لتوسيع نفوذها السياسي في المنطقة من خلال دعم الجماعات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين، ولقد ساهمت القنوات الإعلامية التي تمولها تركيا في بث رسالة هذه الجماعات على مستوى المنطقة، مما أثر بالسلب على علاقات أنقرة مع بعض الدول الأكثر قوة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما في ذلك السعودية والإمارات ومصر، لكن بعد دخول تركيا في أزمة مالية في عام 2019، بدأت في طرد الشخصيات والقنوات الإعلامية ذات الصبغة الإسلامية لإرضاء هذه الدول الغنية، على أمل تأمين الاستثمار الأجنبي وتدفق النقد الذي تحتاجه تركيا، ونتيجة لذلك، تحسنت العلاقات المتوترة بين أنقرة وكل من الرياض وأبو ظبي والقاهرة بالتوازي، والتي كانت تخشى من انتشار الإسلام السياسي في المنطقة.

تشمل المخاطر التي من شأنها عرقلة هذا الاتجاه عودة تركيا إلى دعم الإسلام السياسي و/أو الإعلام الإسلامي في المنطقة، ربما كجزء من محاولة الرئيس رجب طيب أردوغان لكسب التأييد بين مؤيديه المحافظين.

 

 

ترجمة :  عبد الحميد فحام

المصدر : ( ستراتفور)