بايدن يراهن على الصواريخ بعيدة المدى لإجبار بوتين على التفاوض
2024-11-23120 مشاهدة
في تحوُّل مفاجئ في موقف الولايات المتحدة سمحت الإدارة الأمريكية مع اقتراب انتهاء ولايتها باستخدام أوكرانيا للصواريخ الأمريكية في حربها ضدّ روسيا، فهل يأتي هذا الموقف رداً على ما تم تداوُله من مشاركة كوريا الشمالية إلى جانب الروس في الحرب؟ أو أن ما دفع إدارة بايدن لاتخاذ هذا الموقف هو خلط الأوراق وتعقيد الموقف لعرقلة الصفقة التي قد يبرمها ترامب مع بوتين؟
يقدم مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية ترجمة مقال تحليلي كتبه فيليب ألكوي ونشره له موقع Left Voice الأمريكي اليساري، يناقش فيه تأثير القرار الأمريكي في إطالة زمن الحرب وتوسُّعها أو مساهمته في دفع الأطراف لطاولة المفاوضات.
نص المادة المترجمة
أفادت عدة صحف أمريكية مساء الأحد 17 تشرين الثاني/ نوفمبر (2024) بأن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أعطت الحكومة الأوكرانية الإذن أخيراً باستخدام صواريخ بعيدة المدى لضرب الجيش الروسي، وقد يدفع هذا القرار فرنسا وبريطانيا إلى اتخاذ خُطوة مماثلة، ويُعَدّ هذا انتصاراً سياسياً بالنسبة لأوكرانيا وإنْ جاء متأخراً، حيث كانت كييف تحاول الحصول على هذا الإذن منذ عام، في المقابل على الجانب الروسي هناك حديث عن تصعيد خطير مرتبط بالتدخل المباشر لحلف شمال الأطلسي "الناتو" في الحرب، مما يزيد من خطر المواجهة المباشرة بين روسيا والقُوَى الغربية.
ربما كان الدافع وراء تحوُّل الموقف الأمريكي (قرار بايدن رفع الحظر عن استخدام الصواريخ) هو فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فقد أعلن ترامب مراراً خلال حملته الانتخابية وبأسلوبه الدعائي غير الواقعي -كما العادة- أنه ينوي إنهاء الحرب في غضون 24 ساعة من توليه المنصب، وهذا يثير مخاوف الراغبين في استمرار الحرب إلى أجل غير مسمى، حيث يخشون أن يُجبِر الرئيسُ الجديدُ أوكرانيا على التفاوض وَفْق عرض يقدم انتصاراً لبوتين، الأمر الذي جعل إدارة بايدن تتجنب هذا الاحتمال الكارثي بالنسبة للمصالح الإمبريالية الأمريكية، من خلال السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخها، الأمر الذي تُحسّن فيه كييف أوراق قوتها على طاولة المفاوضات.
لقد انبرى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بسرعة كبيرة للتفاخر عَبْر مقطع فيديو مساء الأحد وهو يقول: "الحديث عن الهجمات أو التحذير منها ليس الأسلوب الذي تتبعه أوكرانيا، ستكون اللغة التي نتحدث بها هي لغة الأفعال والعمل العسكري دون الحاجة إلى التصريحات المسبقة".
إنه من السابق لأوانه الحكم على النجاح المحتمل لاستخدام هذه الأسلحة، إذ يمكن أن يكون لها تأثير تكتيكي معين في استهداف مستودعات الأسلحة والجنود الروس، وربما الكوريين الشماليين، لكنَّ تأثيرها الإستراتيجي يصعب تقديره.
تأتي الخُطوة الأمريكية ضِمن مساعي واشنطن إلى تعزيز موقف حليفتها، لكن في الوقت نفسه تواصل حكومة الولايات المتحدة فرض بعض القيود على كييف، وفي هذا السياق أشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن "المسؤولين الأمريكيين قالوا: إن الصواريخ ربما تُنشر في الوقت الحالي ضد القوات الروسية والكورية الشمالية في الأراضي التي استولت عليها أوكرانيا في منطقة كورسك جنوب روسيا، فقد توغلت أوكرانيا في كورسك جزئياً من أجل السيطرة على أراضٍ روسية من أجل استخدام ذلك وسيلة للضغط في محادثات السلام، وقد تلجأ أوكرانيا إلى ضربات بصواريخ بعيدة المدى لتأمين موقفها قبل أيّ مفاوضات قد يدفع إليها ترامب".
على ما يبدو فإن التحول في الموقف الأمريكي يهدف في المقام الأول إلى تعزيز مواقع الجيش الأوكراني حالياً في منطقة كورسك الروسية، استعداداً للمفاوضات المحتملة، وليس مساعدة أوكرانيا على الفوز بالحرب وإعلان الانتصار، وبالتالي فقد يكون لاستخدام كييف لهذه الصواريخ تأثير معاكس يؤدي إلى تأجيج المعارك واشتداد القتال، خاصة في دونباس، فضلاً عن ازدياد حملات القصف الروسية، وعندها سوف يسعى الطرفان المتحاربان إلى تعزيز مواقعهما على الأرض قبل المفاوضات المحتملة.
بالنسبة للمخاوف من أن سياسة ترامب قد تكون مؤيِّدة لبوتين أكثر من اللازم، فإنَّ بعض المحللين يعتقدون أنَّ خطوة بايدن تصبّ في مصلحة ترامب أيضاً، مثل ما كتبه محلِّل الدفاع توم روجان Tom Rogan في موقع أونهرد UnHerd الإخباري البريطاني:
"على المستوى العسكري والإستراتيجي فإن التفوق لأوكرانيا يبقى منخفضاً نسبياً؛ لأن هذه الأسلحة لا يمكنها مضاهاة الإمدادات الأكبر بكثير من القوات والذخائر من روسيا، غير أنَّ هذه الأسلحة تُوفِّر لإدارة ترامب القادمة وسيلة جديدة للضغط على روسيا لقبول اتفاق سلام يتوافق مع سيادة أوكرانيا على المدى الطويل، فعندما يتولى ترامب منصبه في كانون الثاني/ يناير (2025) سيكون قادراً على إخبار بوتين أنه سيستمر في إرسال الصواريخ إلى أوكرانيا حتى تُقدِّم روسيا التنازلات"، "ومن خلال اتخاذ هذا القرار الآن، فإن بايدن يمنح ترامب نفوذاً، مع ضمان إغضاب بوتين من الرئيس المنتهية ولايته بدلاً من الرئيس الذي يحلّ مكانه، لقد اتخذ بايدن موقفاً متشدداً يمنح من خلاله خلفه ترامب فرصة تقديم عرض للرئيس الروسي بوتين، يتمثل في تخييره بين التعامل مع نهج متساهل (الشرطي الجيد) أو استمرار المواجهة مع نهج صارم (الشرطي السيئ).
يُعَدّ هذا النوع من المناورات تقليدياً جداً في النزاعات المسلحة، ويُظهر أن هناك اتفاقات أكثر من الخلافات من الناحية الإستراتيجية بين بايدن وترامب فيما يتعلق بأوكرانيا.
لكن من الخطأ أن نتصور أن هذا التصعيد يمكن احتواؤه بسهولة، فنحن نعيش في فترة أزمة هيمنة الإمبريالية الأمريكية، ونتيجة لهذا أصبح العالم أكثر خطورة، ويرجح أن تزداد احتمالات حصول مواجهات مباشرة بين القُوَى الكبرى، وكان بوتين قد حذّر بالفعل من أن استخدام الصواريخ بعيدة المدى على الأراضي الروسية من شأنه أن يجعل حلف شمال الأطلسي شريكاً في هذه الحرب؛ لأن استخدام الجيش الأوكراني لهذه الأسلحة يحتاج إلى مساعدة مباشرة من قوات الحلف، وهذا خط أحمر جديد تجاوزته القُوى الإمبريالية الغربية في نظر الكرملين، وفي الوقت نفسه فإن هذا القياس مُحرِج لبوتين؛ الذي سيتعين عليه أن يقرر كيف سيرد على حلف شمال الأطلسي؟ في الوقت الذي يحاول فيه عدم إشعال صراع كارثي يريد الطرفان تجنُّبه حالياً بأي ثمن.
هناك عامل آخر يُعقِّد المعادلة، وهو الوجود المُتصوَّر للجنود الكوريين الشماليين الذين يقاتلون في كورسك إلى جانب الجيش الروسي، حيث إنه إذا تم استهداف هؤلاء الجنود فإنَّ التوتُّرات ستنتقل إلى شِبه الجزيرة الكورية، مما يفتح جبهة جديدة وخَطِرة للغاية.
إن الحرب في أوكرانيا لم تتراجع فيما يخص مسألة زعزعة استقرار الوضع الدولي، لا بل تعزز أكثر من السابق أنَّ التصعيد يتجاوز جغرافيا المنطقة التي تدور فيها الحرب، وبالتالي فحتى السيناريوهات التي تذهب إلى استشراف الوصول للمفاوضات لا تستبعد حصول مواجهات عسكرية أشد قسوة من تلك التي شهدناها هذا العام (2024)، وهذه السيناريوهات لا تبشر بأكثر من تجميد مؤقت للصراع، في حين تستمر الحكومات الإمبريالية وشركاؤها من ناحية وبوتين من ناحية أخرى في اللعب بحياة الملايين من الناس.
المصدر: Left Voice
ترجمة: عبد الحميد فحام