تأثير الانقلابات الإفريقية في خارطة نشاط الجماعات "الجهادية"
2023-09-131143 مشاهدة
تعرّض غرب القارة الإفريقية ووسطها منذ 2020 إلى ثماني انقلابات في عدة دول، مثل غينيا وتشاد، تلاها انقلابات مالي وبوركينا فاسو والنيجر وصولاً إلى الغابون أخيرًا، وترافقت هذه الانقلابات بتزايُد نفوذ الجماعات "الجهادية" في دول الساحل وغرب إفريقيا، مما يفرض على السلطات الانقلابية في هذه الدول تحدِّيات أمنية مضاعفة.
تفرض خارطة الانقلاب نفسها في الساحة الدولية، مما يعيد للأذهان حراك الربيع العربي قبل عقد من الزمان، وتأثيراته الأمنية –"الجهادية" والمحلية- وتأثيراتها في السياسة الخارجية للمنطقة. بالمثل من ذلك يجدر التوقف عند حراك الجماعات المتطرفة في القارة الإفريقية، وبيان مدى استفادتها من التحركات الانقلابية، والمآلات التي يمكن الوصول إليها في ظلها.
تظهر خارطة التنظيمات "الجهادية" المتطرفة في القارة الإفريقية انتشار أيديولوجيا القاعدة في الشرق مثل الصومال وكينيا والسودان، في حين أن الغرب الإفريقي والشمال الإفريقي يشهدان صراعًا بين طرفَي التداولية الجهادية، داعش والقاعدة، حيث يبدو أن كفة الصراع في الشمال والوسط والغرب الإفريقي والساحل تميل لصالح تنظيم داعش، حيث يستقطب عناصرَ جُدُداً ومساحات انتشار جديدة، في حين أن القاعدة ما زالت متمركزة في بعض مناطقها التقليدية مثل شمال غرب بوركينا فاسو ووسط مالي وغربها.
شجع الوضع الأمني الهشّ في القارة الإفريقية تنظيم داعش على بناء مساحة واسعة من الانتشار في بعض البُؤَر المجاورة للقاعدة وغيرها من المساحات التي لا ينتشر فيها أصلاً، مثل الجنوب الليبي الذي يحاول داعش الانتشار فيه مجدداً، وجنوب النيجر وشمال شرقي نيجيريا، وشمال مالي وشرقها، وشمال شرقي بوركينا فاسو، في حين أنه بنى لنفسه حضوراً أساسيّاً في موزمبيق وبعض مناطق تنزانيا والكونغو، وتُظهر المؤشرات وجود توجُّه لتمدده نحو بوروندي.
من اللافت للنظر أن داعش -بالتوازي مع خفوت نشاطه نسبيّاً في كل من العراق وسورية- يُظهِر جهوداً كبيرة في تثبيت وجوده في وسط القارة الإفريقية وغربها، مما يؤكد سعيه للاستفادة من تدهور الأوضاع الأمنية في السودان، وانعكاسات تراجُع الأمن في كل من مالي وبوركينا فاسو وأخيراً النيجر.
يمكن أن تستفيد التنظيمات الجهادية من هذا الحراك من خلال نقطتين أساسيتين، هما: توسيع مساحة نشاط داعش واستقطاب المزيد من العناصر إلى صفوفه، ومواجهة تنظيم القاعدة ومنعه من تحقيق المكاسب في القارة بوصفه خصمه الأيديولوجي الأبرز في العالم، وهو ما تُرجِم واقعاً بالاشتباكات والتحشيدات المتكررة بين الطرفين منذ 2020 في ساحات النفوذ المتداخلة بينهما في مالي وبوركينا فاسو والنيجر والتي أسفرت عن مقتل العشرات من الطرفين.
من المرجح أن حالة الانفلات الأمني والنقمة التي قد تسببها الانقلابات ستزيد من مصادر تمويل وقدرات تجنيد التنظيمات الجهادية، بما في ذلك الرسوم التي تفرضها هذه التنظيمات على شبكات التهريب والمزارعين وحركة المرور التجارية في مناطق سيطرتها.
إلى جانب ذلك فإن ضعف القطاعات العسكرية وهشاشة الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة الرسمية والمجتمعات المحلية في كثير من مواضع القارة الإفريقية هيّأ للتنظيمات حلفاء محليين كثيرين مستعدين لإعلان الولاء لها مقابل التعهد بتمويلها أو إضفاء الحماية عليها، كما هو الحال في الكونغو الديمقراطية خاصة، حيث باتت معقلَ "داعش" الرئيسي في وسط إفريقيا؛ حيث تنشط عشرات الجماعات المسلحة، وقد استطاع استقطاب "تحالف القوى الديمقراطية" التي أعلنت مبايعتها لداعش، وباتت واحدة من أشرس الجماعات المتمردة في الكونغو.
على العموم فإن القارة الإفريقية مرشحة للمزيد من الانقلابات في الآونة المقبلة، وبالتالي فإن تنظيمَي القاعدة وداعش في إفريقيا سيمارسان المزيد من الضغوط على القبائل والمجتمعات المحلية لتختار الولاء لأحدهما -في إطار الصراع على النفوذ- أو لتكون بوابة ماليّة تدرّ المزيد من الموارد والدخل للتنظيمين.
إلى جانب ذلك، فإن مساحات انتشار داعش وتكتيكات تحرُّكه في مناطق الانقلاب وغيرها، تجعله الأكثر حظًّا في زيادة النفوذ في المستقبل، حيث يسعى التنظيم لتحقيق أقصى استفادة من هشاشة الأوضاع السياسية والأمنية في القارة لملء الفراغ الناتج عن تراجُع الدولة ومؤسساتها وأجهزتها الأمنية.