تطوير العلاقات مع تركيا يمكن أن يساعد مصر في أزمتها الاقتصادية.

تطوير العلاقات مع تركيا يمكن أن يساعد مصر في أزمتها الاقتصادية.

2024-03-06
965 مشاهدة


إن تطوير العلاقات بين مصر وتركيا يمكن أن يكون مفتاحاً للخروج من أزمة اقتصادية مصرية خانقة، حيث يشير التواصل الدبلوماسي بين البلدين إلى آفاق واعدة لتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والاستثمار، وهو ما يضع الاقتصاد المصري على مسار الاستقرار والتعافي.

نص الترجمة:

يواجه الاقتصاد المصري أسوأ أزمة في السنوات الأخيرة، وإذا لم يتم التعامل مع المشكلة وحلّها، فقد تزيد الأزمة الاقتصادية من حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، تمتلك مصر، بفضل وجودها في موقع يصل بين إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، دوراً دولياً في المنطقة عموماً وفي طرق التجارة العالمية ومساراتها بفضل موقعها الإستراتيجي، حيث تربط قناة السويس بين شمال أمريكا وأوروبا والمحيط الهندي.

بالإضافة إلى ذلك، تتمتع مصر بثراء ثقافي وبكتلة كبيرة من القوى العاملة، حيث يبلغ عدد سكانها حوالَيْ 115 مليون نسمة، مما يمثل حوالَيْ 1.4% من سكان العالم، ومن الميزات الكبيرة أيضاً حقيقة أن 60% من سكان البلاد تقلّ أعمارهم عن ثلاثين عاماً، مما يُعتبر ميزة إضافية للإنتاج. وبفضل موقعها الجغرافي، تتمتع مصر بإمكانيات هائلة، خاصة فيما يتعلق بالطاقة الشمسية، ومع ذلك وعلى الرغم من كل هذه الظروف فإن اقتصاد البلاد يعاني باستمرار من الصعوبات منذ ما يقرب من خمسة وسبعين عاماً، حيث تُظهر إحصائيات البنك الدولي أن معدل الفقر ارتفع في مصر، حيث ارتفع عدد السكان الذين هم تحت خط الفقر من 25.2% في عام 2010 إلى 32.5% في الفترة من 2017 إلى 2018. وتمر مصر، التي عانت مسبقاً من مشاكل اقتصادية في الماضي، بتحدٍّ صعب بعد تعرُّض قيمة عملتها لثلاثة انخفاضات متتالية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.

ما يقرب من ثلث سكان مصر تحت خط الفقر

إن الحرب بين روسيا وأوكرانيا -وهما أهم دولتين في إمدادات القمح على المستوى العالمي- أثرت بشدة على مصر، كأكبر مستورد للقمح في العالم، أدت هذه الحرب أيضاً إلى تعطيل السياحة في مصر، التي كانت تمثل حوالَيْ 5% من الناتج المحلي الإجمالي قبل وباء كورونا، لقد شكّل ارتفاع أسعار الحبوب ضغوطاً خطيرة على احتياطيات مصر من النقد الأجنبي والعملة، وتخلّى المستثمرون الأجانب خلال هذه الفترة عن شراء سندات مالية مصرية.

في السنتين الأخيرتين تراجعت قيمة الجنيه المصري إلى النصف، حيث وصلت مستويات المعيشة في البلاد إلى وضع متدهور مع معدل تضخم يبلغ حوالي 30%. أصبحت مصر، البلد الأكثر ازدحاماً سكانياً في العالم العربي، في المرتبة التاسعة كأكثر البلدان تقدُّماً بطلبات اللجوء إلى الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2020، بينما وفقاً لبيانات البنك الدولي، أصبح نحو ثلثَيْ سكان مصر تحت خط الفقر في عام 2019.

لم تساعد عائدات السياحة في مصر ولا الأموال التي قدمها صندوق النقد الدولي للحكومة في حلّ مشكلة التضخم ومشكلة الدولرة (زيادة استخدام الدولار الأمريكي بدلاً من العملة المحلية) المرتفعة في البلاد، وعلى الرغم من قدرتها على أن تصبح مركزاً سياحياً رائداً بتاريخها وموقعها، إلا أن مصر حققت دخلاً سياحياً متواضعاً بحوالَيْ 8-9 مليارات دولار سنوياً بين عامَيْ 2014 و2022.

بالمقارنة مع دول أخرى في المنطقة، حققت دولة الإمارات متوسط ​​دخل سنوي قدره 30 مليار دولار في الفترة نفسها، وهو أعلى بعدة مرات من مصر.

كثيراً ما طرقت إدارة القاهرة، التي كانت تعاني من نقص في السيولة، باب صندوق النقد الدولي للحصول على الدعم من أجل حلّ الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، فأصبحت مصر ثاني أكبر دولة مدينة لصندوق النقد الدولي، حيث أبرمت أربع اتفاقيات قروض منذ عام 2016 ، وبينما يعيش أكثر من نصف سكان البلاد بدخل أقل من مستويات خط الجوع، ارتفع الدَّيْن الخارجي لمصر إلى 164 مليار دولار خلال السنوات العشر الأخيرة من حكم السيسي، تحتاج مصر، التي تمتلك احتياطيات من النقد الأجنبي في البنك المركزي تبلغ 34 مليار دولار، إلى سداد دين بقيمة 40 مليار دولار هذا العام.

بالإضافة إلى ذلك، ظلّت تدفُّقات الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر متواضعة نسبياً، حيث بلغت 11 مليار دولار في عام 2020، ويتراجع حجم الاستثمار الأجنبي بالمقارنة مع بلدان أخرى متوسطة الدخل مثل الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، والتي اجتذبت تدفُّقات استثمارية أعلى بكثير من الاستثمار الأجنبي المباشر في العام نفسه، كما تعاني مصر أيضاً من عجز تجاري مزمن، حيث ارتفع من 48 مليار دولار في عام 2022 إلى 37 مليار دولار بحلول نهاية عام 2023، ويعاني اقتصاد البلاد من عجز مالي خطير.

الحرب في غزة قد توجه ضربة للسياحة المصرية

تتزايد المخاوف يوماً بعد يوم من أن الصراع الدائر في غزة، المتاخمة لشبه جزيرة سيناء المصرية، قد يؤثر سلباً على قطاع السياحة في مصر، وبالتالي يؤدي إلى تفاقُم مشكلة النقد الأجنبي في القاهرة، وتتوقع وكالة التصنيف الائتماني الدولية ستاندرد آند بورز (S & P)  انخفاضاً بنسبة 10 إلى 30 بالمائة في إيرادات السياحة في مصر بسبب تزايد التوترات.

قد يكلف ذلك حوالَيْ 11 في المئة من احتياطيات النقد الأجنبي التي تدخل البلاد وقد يؤدي إلى انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي، الذي يسهم فيه قطاع السياحة بشكل كبير.

ومع ذلك، حتى إذا تم حلّ التوترات في غزة بسرعة ولم تتأثر عائدات السياحة بالحجم الذي يخشاه المحللون، فمن الواضح أن الاقتصاد المصري يحتاج إلى إصلاحات أكثر عمقاً لتلبية مطالب صندوق النقد الدولي ودائنيه الدوليين ولضمان الاستقرار. 

يقول الخبراء: إن البلاد ربما تحتاج إلى ما لا يقل عن 10 مليارات دولار من التمويل قصير الأجل لتقليل ديونها وتخفيف صدمة انخفاض قيمة عملتها، ومع ذلك لا يبدو أن مثل هذا الحلّ ممكن في هذه المرحلة.

العلاقات التركية المصرية: قبل الانقلاب وبعده

شهدت العلاقات بين تركيا ومصر توتراً بسبب انقلاب السيسي عام 2013، ودعم الجماعات المتنافسة في الصراع الليبي، وعلاقات مصر مع اليونان في النزاع البحري في شرق البحر الأبيض المتوسط، وخاصة بعد أن أطاح السيسي، الذي كان وزيراً للدفاع في ذلك الوقت، بالرئيس محمد مرسي في عام 2013، حيث توقفت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تقريباً، تسير العلاقات السياسية في اتجاه تحسُّن منذ عام 2021، عندما زار وفد تركي مصر لبحث مسألة التطبيع بعد ثماني سنوات من القطيعة بين البلدين، واعتباراً من تموز/ يوليو من العام الماضي، قامت كل من القاهرة وأنقرة باتخاذ خُطوة نحو تحسين العلاقات بين البلدين من خلال تعيين سفراء في عاصمتيهما لأول مرة منذ 10 سنوات.

لقد فُسرت اللقاءات الأخيرة التي عقدها رئيسَا البلدين في القاهرة يوم 14 شباط/ فبراير الماضي، على أنها فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، فقد تم خلال اللقاءات مناقشة العديد من القضايا المهمة، ليس فقط العلاقات التجارية، بل أيضاً استخراج الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط، وتطوير العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، والأوضاع في غزة وليبيا والسودان وإفريقيا.

الاتصال الدبلوماسي بين تركيا ومصر لا يعني البلدين فقط

لقد تمت متابعة اللقاء بين الزعيمين بعناية من قِبل المجتمع الدولي، وخاصة فيما يتعلق بإنهاء الحرب المستمرة بين فلسطين وإسرائيل بطريقة سلمية، توفر هذه المحادثات فرصة لإنهاء الصراع المستمر منذ حوالَيْ 10 سنوات في ليبيا، وفرصة أكثر فعالية لإيجاد حلّ للصراعات المستمرة في السودان، حيث تدور الحرب الأهلية منذ حوالَيْ 10 سنوات.

إن القضية الأكثر أهمية اقتصادياً للتقارُب بين البلدين هي التعاوُن في مجال الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط، وبالنظر إلى اعتماد تركيا على واردات الطاقة، هناك إمكانية للتعاون الإستراتيجي مع مصر من خلال منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط، وبالنظر إلى الظروف القائمة، فإن إقامة علاقات أوثق بين تركيا ومصر للمشاركة في التعاون الإقليمي قد يوفر مزايا كبيرة في المستقبل.

تعليقاً على هذا الموضوع، قال رئيس قسم الغاز الطبيعي السابق في شركة بوتاش Botaş وخبير الطاقة عارف أكتورك Arif Aktürk: إن اتفاقيات المنطقة الاقتصادية التي وقعتها إدارة القاهرة مع اليونان والإدارة القبرصية اليونانية في جنوب قبرص خلال الفترة التي كانت فيها العلاقات الدبلوماسية مع مصر متوترة أدت إلى حالة من التوتر مع تركيا.

وأضاف أكتورك: “سيكون من المهم بالنسبة لنا أن نتمكن من التعاون مع مصر فيما يتعلق بموارد الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط، فمصر لديها محطتان للغاز الطبيعي المسال لا يتم استخدامهما بكامل طاقتهما، ويمكن لتركيا إبرام عقد طويل الأجل لاستجلاب الغاز الطبيعي المسال لعام 2025 وما بعده، ويمكن زيادة التعاون في أكثر من قطاع". وأضاف أكتورك أيضاً أن التطورات المتعلقة بتجارة الغاز الطبيعي قد تزداد إيجابيةً على المدى القصير، وقد تلعب الشركات التركية دوراً أكثر نشاطاً في مجالات التنقيب عن النفط وإنتاجه في مصر.

وعلى الصعيد الاقتصادي والصناعي، هناك العديد من المصالح المشتركة بين مصر وتركيا التي يمكن أن تطور التعاون الإستراتيجي، فوفقاً للأرقام الصادرة عن البنك المركزي المصري، تُعَدّ تركيا خامس أكبر شريك تجاري لمصر، وفي المقابل فإن الشريك التجاري الرئيسي لتركيا في إفريقيا هو مصر، فلقد استمر التبادل التجاري بين البلدين حتى خلال الفترة التي كانت فيها العلاقات الدبلوماسية سيئة، وبلغ حجم التجارة ما يقرب من 10 مليارات دولار سنوياً، وقد أعرب قادة البلدين عن عزمهم على زيادة التجارة الثنائية في السنوات المقبلة، بهدف الوصول إلى 15-20 مليار دولار.

أجرى رئيس مجلس الأعمال التركي-المصري DEIK، مصطفى دينيزرMus­tafa Deni­zer، تقييمات مهمة حول العلاقات التجارية بين البلدين، ذكر دينيزر أن الاستثمارات التي بدأت مع اتفاقية التجارة الحرة في عام 2007 استمرت في النمو وتضاعفت ثلاث مرات تقريباً حالياً، حيث أكد أن حجم التجارة ارتفع من 1.5 مليار دولار إلى 10 مليارات دولار.

أضاف دينيزر: لقد حققت مصر تحسُّناً في مجال صادرات الطاقة  لكنها في حاجة ماسّة إلى السلع الاستهلاكية، وبحاجة إلى الاستثمار بشكل كبير، أتوقع أن يتم النظر بإيجابية للعلاقة مع تركيا في هذه الفترة، وإذا تم اتخاذ خُطوات من أجل إجراء التجارة بالعملة المحلية، فيمكن تحقيق حجم التبادل التجاري المستهدَف بين البلدين والبالغ 15 مليار دولار في وقت قصير.

أشار دينيزر إلى أن معظم الاستثمارات في السنوات الخمس عشرة الماضية تمت بشكل أساسي في منتجات الملابس والمنسوجات، وقال إن الاستثمارات في قطاعات السلع الاستهلاكية والخدمات اللوجستية وتجارة التجزئة والأغذية والجلود قد تظهر أيضاً كأولوية في الفترة المقبلة.

وفي إشارة إلى أن مصر تعاني من مشاكل مالية منذ 3-4 سنوات، قال مصطفى دينيزر في كلمته: إن مصر تواجه صعوبات في استيراد السلع وجذب الاستثمارات بسبب عدم تجديد اتفاقياتها مع صندوق النقد الدولي، وأضاف أن مصر ستبقى تواجه مشاكل في جذب المستثمرين خلال السنوات القليلة المقبلة.

وذكر دينيزر أن المستثمرين الأتراك يوفرون 70 ألف فرصة عمل مباشرة باستثماراتهم في مصر، كما يوفرون فرص عمل بشكل غير مباشر لنحو 100 ألف مصري، وقال "المستثمرون الأتراك يديرون ثلث إجمالي القطاع الاستثماري في مصر، خاصة في الملابس النسيجية، وأتوقع أن يرتفع هذا المعدل بنسبة 50 في المائة خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة"، وأضاف: "بالإضافة إلى ذلك، لدى المستثمرين الأتراك خطة استثمارية بقيمة 500 مليون دولار لهذا العام والعام المقبل".

كذلك، صرح شريف فيات Şeref Fayat، رئيس مجلس قطاع الملابس الجاهزة بشركة TOBB، أن مصر تُعَدّ مركزاً جذاباً للإنتاج، خاصة في مجال النسيج. وقال فيات: "تتمتع مصر بميزة كبيرة في القطاعات كثيفة العمالة، وبالتالي، في السنوات الأخيرة، وضع المصنعون في تركيا، بسبب التكاليف وعدم رغبتهم في خسارة عملائهم، خططاً لنقل خطوط إنتاجهم إلى مصر. ويقول: "أتوقع زيادة الاستثمارات في الأجهزة الكهربائية والعديد من القطاعات المتعلقة بالمستهلكين في المستقبل". وأشار فيات إلى خسارة ما يقرب من 200 ألف وظيفة في قطاع النسيج والملابس الجاهزة العام الماضي في بلاده، وتوقع خسارة نحو 80 ألف وظيفة في النصف الأول من العام الجاري.

 وأضاف أن نقل الإنتاج إلى مصر سيؤدي إلى فقدان العمالة في بلده في المقام الأول، لكن على المدى الطويل يمكن أن يكون له نتيجة إيجابية لقلة القوى العاملة في مختلف القطاعات. وتعليقاً على تفاقُم الأزمات في البحر الأحمر، قال شريف فيات أيضاً: إنه إذا امتدت الأزمة إلى دول المنطقة فقد تُسبب صعوبات في الاستثمارات والإنتاج هناك.

من ناحية أخرى، صرح المدير العامّ لشركة Qlux Ideas، بوراك أوندرBurak Önder، أن القطاعات كثيفة العمالة تواجه ظروفاً صعبة بسبب حالة سعر الصرف المتدهورة، لكن نقل الإنتاج إلى بلد آخر ليس بالأمر السهل بسبب زيادة التكاليف.

قال بوراك أوندر: "يجب أن تتمتع الدولة التي سيتم فيها الاستثمار بقدرة مناسبة من حيث المواد الخام والقوى العاملة المؤهَّلة والصناعات الفرعية. وعندما ننظر إلى مصر نرى أنها لا تملك المؤهلات اللازمة للاستثمار، كما أنها دولة تعيش وسط الأزمات بسبب موقعها الجغرافي، ولن يكون سلوكاً عقلانياً بالنسبة للمستثمرين أن ينقلوا إنتاجهم إلى بلد آخر لمجرد توفير العمالة الرخيصة".

تشير زيارة الرئيس أردوغان إلى مصر إلى تحسُّن كبير في العلاقات بين البلدين، ومع دخول البلدين حقبة جديدة في العلاقات الثنائية، فإن العالم سوف يتابع هذا التطوُّر على أمل أن يكون له تأثير إيجابي ليس فقط في مصر وتركيا، ولكن أيضاً في منطقة الشرق الأوسط، ومع ذلك، إذا كانت هناك تطوُّرات مثل اتفاقية المنطقة الاقتصادية الخالصة أو اتفاقية السلطة البحرية بين البلدين في المستقبل، فقد يسهم هذا في مناقشة قضايا مختلفة في شرق البحر الأبيض المتوسط لاحقاً.

ترجمة: عبد الحميد فحام
المصدر: (Business Week TR)