سياسات الهجرة لدى الاتحاد الأوروبي ونهاية حقوق الإنسان في أوروبا

سياسات الهجرة لدى الاتحاد الأوروبي ونهاية حقوق الإنسان في أوروبا

2024-02-19
865 مشاهدة


تتبع سياسات الهجرة في الاتحاد الأوروبي مساراً متشابكاً يُلقي بظلاله على مفهوم حقوق الإنسان في أوروبا، من خلال تسليط الضوء على التحديات والتراجعات في حماية اللاجئين والمهاجرين، يكشف هذا المقال عن كيفية تحوُّل السياسات تحت ضغط الأجندات السياسية والأيديولوجيات المتطرفة، مما يهدد بإنهاء القيم الأساسية للكرامة الإنسانية والعدالة التي طالما تغنت بها القارة.

نصّ الترجمة:

في شهر كانون الثاني/ يناير، تصدّر رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيسKiriakos Mitsotakis المشهد بشكل لافت في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، حيث كانت الهجرة واحداً من المواضيع العديدة المطروحة للنقاش، في مقابلة مع ريتشارد كويست من شبكة CNN الأمريكية على هامش المنتدى، أعرب ميتسوتاكيس عن ثقته بالسياسات التي تتبعها حكومته قائلاً: إن اليونان "قد تمكنت على الأرجح من التعامل مع مشكلة الهجرة بشكل أفضل من معظم الدول الأوروبية الأخرى"، وأضاف أن حزبه "فاز بانتصار كبير في الانتخابات؛ لأننا استطعنا إدارة قضية الهجرة من خلال سياسة هجرة صارمة ولكن عادلة".

لكن سياسة الهجرة هذه، التي وصفها بـ "الصارمة والعادلة في آنٍ معاً" أدت إلى وفاة الكثير من طالبي اللجوء، حيث لقي أكثر من 500 شخص حتفهم، بمن فيهم 100 طفل، في حوادث الغرق لقارب مهاجرين قُبالة الساحل اليوناني بالقرب من بيلوس Pylos في 14 حزيران/ يونيو. وقد اتُهم خفر السواحل اليوناني بالتسبب في ما يُعتبر أحد أسوأ الكوارث البحرية في البحر الأبيض المتوسط بمحاولته سحب القارب إلى المياه الإقليمية الإيطالية.

نفت السلطات اليونانية المسؤولية عن وقوع الحادث المأساوي، واتخذت بدلاً من ذلك خُطوة مثيرة للجدل بإلقاء القبض على تسعة من الناجين، متهمة إياهم بأنهم وراء التسبُّب بالغرق. في غضون ذلك، تم إغلاق التحقيق في الحادثة وتحويله إلى النيابة العامة، بالتزامن مع توجُّه ميتسوتاكيس إلى دافوس. هذا التطور جاء بعد رفض السلطات القضائية لطلبات محامي الناجين، الذين طالبوا بالنظر في أدلةٍ قد تُثبت براءة موكليهم.

تُسلّط القصص المأساوية للموت على الحدود الأوروبية الضوء على المسار الذي تتخذه أوروبا نحو توحيد صفوفها تحت شعارات "القانون والنظام" التي يروج لها اليمين المتطرف، والتي تتسم بالعنصرية والعداء للمهاجرين. هذا التوجه يشير إلى انحدار القارة الأوروبية نحو مستقبل قاتم قد يشهد تآكُل مبادئ حقوق الإنسان التي طالما كانت جزءاً لا يتجزأ من قِيَمها الأساسية.

ميثاق الهجرة العنصري للاتحاد الأوروبي

لطالما كانت قضية الهجرة تمثل أداة سياسية مهمة وعنصراً أساسياً في خطاب اليمين المتطرف في أوروبا، في العقد الأخير بدأت الأحزاب السياسية الأخرى، التي تشكل مختلف أطياف الساحة السياسية الأوروبية، في استغلال هذه القضية أيضاً وبشكل متزايد، استخدمت هذه الأطراف الهجرة كأداة في محاولات يائسة لتحسين وضعها الانتخابي المتراجع، ونتيجة لهذا التوجُّه، شهدت سياسات الهجرة الأوروبية تحوُّلاً كبيراً نحو اليمين، بحيث أصبحت تعكس بشكل متزايد الأجندة العنصرية لليمين المتطرف وخطابه القائم على استبعاد غير الأوروبيين.

"الميثاق الجديد للهجرة" للاتحاد الأوروبي هو مثال على ذلك، فقد توصّل البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي إلى اتفاق مبدئي بشأنه قبل خمسة أيام من عطلات عيد الميلاد نهاية 2023. وصفت روبرتا ميتسولا Roberta Metsola، رئيسة البرلمان الأوروبي، ذلك اليوم بـ"اليوم التاريخي"؛ بينما وصفته منظمات حقوق الإنسان بـ"الكارثة". في 8 شباط/ فبراير، صادقت دول الاتحاد الأوروبي على القانون، وهو الآن في انتظار المصادقة النهائية الرسمية من قِبل البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي.

ستشمل اللوائح التي يُقدمها الميثاق جميع مراحل عملية اللجوء: بدءاً من عمليات الفحص الأولي لطالبي اللجوء عند وصولهم وجمع البيانات الخاصة بهم، وصولاً إلى تحديد القوانين التي تحدد الدولة العضو المسؤولة عن معالجة طلباتهم. رغم أن هذه الأحكام تهدف إلى "تغيير جذري في كيفية تعاملنا مع الهجرة واللجوء"، إلا أنها تتضمن العديد من الثغرات التي تفتح المجال لسوء الاستخدام وتقوية سياسات العنف على حدود الاتحاد الأوروبي.

لفتت منظمات حقوق الإنسان الانتباه إلى أن الميثاق الجديد للهجرة قد يمهد الطريق لاحتجاز طالبي اللجوء، بمن فيهم العائلات والأطفال، في مرافق تشبه السجون، هذا الإجراء قد ينتج عنه تصاعُد في أعمال العنف من جانب السلطات الحدودية، وقد يُفضي أيضاً إلى ترحيل الأشخاص إلى دول ثالثة تفتقر إلى الأمان والحماية الكافية.

لن يضمن الميثاق طريقاً آمِناً ولائقاً لعملية طلب اللجوء التي كان من الممكن أن تسهم في إنقاذ حياة الأشخاص، ولن يحول دون تكرار كوارث مثل حادثة غرق سفينة بيلوس. على العكس من ذلك، وفقاً لمنظمة العفو الدولية، سينتج عن الميثاق الجديد "تفاقُم في المعاناة على كافة مراحل رحلة البحث عن اللجوء" داخل أوروبا.

بالإضافة إلى ذلك، قامت دول مثل بولندا والمجر برفض آلية إعادة التوطين، والتي كانت تتطلب منها قبول اللاجئين، وفي تحوُّل مثير، يقدم الميثاق خياراً بديلاً لهذه الدول يتمثل في دفع مبلغ 20,000 يورو (ما يعادل 21,550 دولاراً) عن كل لاجئ، مما يعني إمكانية شراء طريقة للتهرب من التزاماتها القانونية الأوروبية والدولية.

وهذا يعني أن العبء سيكون أثقل على عاتق الدول الواقعة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، ويشير أيضاً إلى تآكُل الأُسس القانونية الرئيسية التي تحمي حقوق اللاجئين.

مستقبل مظلم لأوروبا الحصينة

بشكل عامّ يشير ميثاق الهجرة إلى اتجاه سائد داخل الاتحاد الأوروبي يهدف إلى تضييق نطاق القانون الدولي بما يجعله غير مؤثر بالنسبة للأشخاص الذين كان من المفترض أن يوفر لهم الحماية.

عجز الاتحاد الأوروبي عن تطوير نظام موحَّد لِلُّجُوء يتسم بقواعد ولوائح واضحة، فضلاً عن عدم قدرته على تخفيف العبء عن الدول التي تشكل نقاط الدخول، وتزايدت عسكرة إجراءات السيطرة على الحدود، وتوجُّهها نحو تحويل عبء مشكلة الهجرة إلى دول ثالثة، كل ذلك يُظهر استمرار محاولات الاتحاد الأوروبي للتهرُّب من مسؤولياته بموجب القانون الدولي تجاه طالبي اللجوء.

التَّبِعات طويلة الأمد للتهوين من شأن الأعراف القانونية الدولية قد تؤدي إلى انهيار النظام الدولي العالمي، وهو ما يمكن أن يُؤذن بنهاية نظام حقوق الإنسان الذي نعرفه اليوم.

يثير ميثاق الهجرة الأوروبي مخاوف جدية بشأن سياسته للجوء، التي تتضمن تمييزاً بين الأشخاص الباحثين عن اللجوء، لقد أوضح الاتحاد الأوروبي أن الأحكام المتعلقة بالميثاق لن تكون مطبَّقة على اللاجئين الأوكرانيين، مما يعني أن بروكسل تعتمد نهجاً انتقائياً في تطبيق القانون الدولي، هذا الإعلان يكشف عن تفضيل واضح يُظهر أن بعض الأشخاص -بناءً على أصولهم العِرْقية- يُعتبرون أحق بالحصول على مسار آمِن نحو الأمان، في حين يُحرم آخرون من هذا الحق.

يكتسب الوضع طابعاً أشد فظاعة عند التفكير في أن ميثاق الهجرة مصمَّم بشكل يهدف إلى صدّ الأشخاص الهاربين من النزاعات والأزمات في إفريقيا والشرق الأوسط، وهي مناطق غالباً ما تكون الدول الأوروبية متورطة فيها بشكل مباشر.

عَبْر التفريق الواضح والصريح بين الأفراد الذين يستحقون اتباع مسار آمِن وقانوني لتقديم طلبات اللجوء والهجرة وأولئك الذين لا يتم منحهم هذا الحق، يقوم الاتحاد الأوروبي بالتأسيس لسابقة خطيرة، هذا النوع من التمييز في حق الحصول على الحماية وفقاً للقانون الدولي، وتوزيع الحقوق بشكل متفاوت بين المجموعات المختلفة، يمهد الطريق لقَوْنَنَة الفصل العنصري "apartheid".

يبدو أن الاتحاد الأوروبي قد عين نفسه حكماً لِمَن له الحق في الحياة والكرامة ومَن لا يملك ذلك، وهذا يتضح أيضاً في ردّ فعله على الحرب في غزة.

قامت أوروبا بغضّ الطرف عن الاتهامات بارتكاب إبادة جماعية في غزة، واستمرت دولها في بيع الأسلحة إلى إسرائيل، مكررة بذلك الحجة المثيرة للجدل التي تبرر بها إسرائيل "حقها في الدفاع عن نفسها" في مواجهة شعب تحتلّ أرضه.

يجدر التأكيد على أن اليمين المتطرف يُعَدّ من أشد القوى دعماً لإسرائيل في أوروبا، حيث يستغل النزاع في غزة لتعزيز أجندته الخاصة، مروِّجاً لأفكار تتعلق بالحرب الثقافية ومحاولاً تنقية صورته من تهم معاداة السامية.

يشهد الدعم لليمين المتطرف في أوروبا ارتفاعاً مُلاحَظاً، وهو ما لا يُعزى -على عكس ما ادعته بعض الشخصيات الرسمية في الاتحاد الأوروبي مثل إلفا يوهانسون Ylva Johansson، المفوضة للشؤون الداخلية- إلى "الهجرة غير الشرعية" وحَسْبُ. بل يرجع ذلك إلى أن "المحافظين الوسطيين" في أوروبا، أمثال ميتسوتاكيس، قد تبنوا بشكل متزايد أجندة اليمين المتطرف، سعياً وراء تحقيق مصالح سياسية واقتصادية ضيقة، هذا بالتأكيد سينعكس في الانتخابات البرلمانية الأوروبية المقبلة المقررة في حزيران/ يونيو.

إذا لم تشهد السياسات الأوروبية تحوُّلاً جذرياً بعيداً عن المسار المعادي للإنسانية والقاسي الذي تتخذه حالياً، فإن المستقبل الذي ينتظر الاتحاد الأوروبي يبدو قاتماً. نحن الآن نسير على درب يقود مباشرة إلى أوروبا يهيمن عليها ساسة مثل فيكتور أوربان Viktor Orbáns، وخيرت فيلدرزGeert Wilderss، ومارين لوبان Marine Le Pens، حيث ستكون لهم الكلمة العليا في تحديد القضايا التي تُطرح على جدول الأعمال وتلك التي يتم تجاهُلها. 

ترجمة: عبد الحميد فحام
المصدر: (الجزيرة الإنجليزية)