طرد روسيا من سوريا فرصة الغرب بعد الإطاحة بنظام الأسد

طرد روسيا من سوريا فرصة الغرب بعد الإطاحة بنظام الأسد

2024-12-12
170 مشاهدة

لقد خلق السقوط السريع لنظام الأسد في سوريا فرصاً عظيمة أمام الغرب، فهل تتحرك الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية بالسرعة اللازمة لاستثمار هذه اللحظة؟ 

ألكسندر كروثر  Alexander Crowther وجاهارا ماتيسك  Jahara  Matisek يجيبان عن هذا السؤال ويناقشان الموضوع في مقال نشراه عَبْر مركز تحليل السياسات الأوروبية (CEPA)، ويترجمه مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية. 

نصّ الترجمة 

في خضمّ الدمار الذي خلفته المغامرة الإمبريالية التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الشرق الأوسط، تظهر فرصة جديدة أمام الغرب تتمثل في إمكانية طَرْد روسيا من المنطقة كليّاً، مما يؤدي إلى إضعاف إستراتيجيتها القائمة على النهب والهيمنة في مناطق أخرى، وخاصة في إفريقيا. 

كانت المنشآت البحرية والجوية التي تستخدمها روسيا قد حصلت على تصريح من نظام بشار الأسد الدموي، ومع الضبابية حول الوضع الحالي للقوات الروسية داخل سوريا، فتشير بعض   التقارير إلى أن بعضها لا يزال موجوداً لكنه متوارٍ عن الأنظار خشية هجوم محتمل، إلا أنه لا شك أن الحكومة الجديدة يمكنها أن تأمر هذه القوات بمغادرة البلاد بشكل نهائي دون عودة؛ وقد تكون العوائد من مثل هذه السياسة هائلة على عدة أصعدة. 

تتيح المنشآت البحرية الروسية في ميناء طرطوس للكرملين القدرة على التمدُّد الإستراتيجي عَبْر البحر الأبيض المتوسط، وقد ازدادت أهمية هذا الميناء بشكل كبير منذ أن أغلقت تركيا المضايق أمام السفن الحربية التي تغادر أو تدخل البحر الأسود مع بداية الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا. 

لا يمكن لروسيا الوصول إلى البحر المتوسط دون ميناء طرطوس إلا من خلال موانئها في بحر البلطيق أو بحر بارنتس، وهي مناطق بعيدة جداً عن البحر المتوسط. 

وإضافة لأهمية الموقع الروسي في البحر الأبيض المتوسط فإن قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية تُعَدّ وسيلة أبعد من مجرد الهيمنة على الأجواء السورية، بل هي بوابة لعمليات الكرملين في إفريقيا، لا سيما في ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى والسودان. 

سيكون من الصعب للغاية على روسيا الحفاظ على عملياتها التي تعتمد على استعراض القوة مقابل المال في إفريقيا دون الأصول العسكرية الموجودة في سوريا. 

هناك مكافأة محتملة أخرى للغرب في سوريا، حيث يتوجب على وكالات الاستخبارات الغربية أن تسعى للوصول إلى ملفات النظام السابق، والتي تشكل كنزاً محتملاً، خاصة أن قوات المعارضة اقتحمت أيضاً السفارة الإيرانية في دمشق، وكما   قال مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون : "سيكون من المثير للاهتمام أن نرى ما تكشفه الملفات". 

على الرغم من أن إدارة الرئيس الأمريكي بايدن "تتابع عن كثب الأحداث الاستثنائية في سوريا، وتبقى على اتصال دائم مع الشركاء الإقليميين، إلا أن الوضع يتطلب اتخاذ إجراءات عملية". 

إذا تحركت الحكومة الأمريكية بسرعة بالتنسيق مع الحلفاء الأوروبيين والشركاء العرب، يمكنهم المساعدة في تشكيل واقع معادٍ لإيران وروسيا وتنظيم داعش، مع التأكيد أنَّ جميع الأنشطة الهادفة إلى التأثير تعتمد على التوصل إلى اتفاق مع القادة الجُدُد في سوريا. 

إن الفصيل الرئيسي في القُوى التي كانت تشكل المعارضة السورية هو هيئة تحرير الشام، وقد قادت الهيئة معظم العمليات العسكرية التي أسقطت نظام الأسد، ويبدو أنها مستعدّة لحسم الأمر في سوريا، لكنها ستحتاج إلى مساعدة خارجية لإعادة بناء بلد دمره 13 عاماً من الحرب بشكل كامل. 

زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع)   أشار إلى أنه لا يسعى للانتقام، وانتقد إيران بسبب تدخُّلها في بلاده، بينما   نقلت مواقع عن أحد ضباط الجيش السوري الحر (دون ذكر اسمه) أنه قال: 

"حاربنا تنظيم داعش في الماضي وهزمناه، التطرف في سوريا هو منتج أجنبي مستورد، ونحن السوريين لا نريد أي تدخُّل أجنبي في بلدنا، نحن منفتحون على الصداقة مع الجميع في المنطقة – بما في ذلك إسرائيل، ليس لدينا أعداء سوى نظام الأسد وحزب الله وإيران، ما فعلته إسرائيل ضد حزب الله في لبنان ساعدنا كثيراً". 

واضح أيضاً أن هناك أطرافاً أخرى في سوريا لن يقبلوا بذلك، لكن ينبغي إدراك أن هذه هي اللحظة المناسبة لتحقيق المكاسب، فالوضع شديد التغيُّر، والآن هو الوقت الأمثل لتحقيق الاستفادة القُصوى. 

بغضّ النظر عن أيّ هدف سياسي آخر، فإنه يجب إزالة هيئة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وعلى الرغم من أن التنظيم تعود جذوره إلى جبهة النصرة (التي كانت متحالفة مع تنظيم القاعدة)، إلا أن الهيئة اندمجت مع عدة فصائل مسلحة أخرى عام 2017،   ووفقاً لشبكة  NPR (الراديو الوطني العام) الأمريكية، فقد تبرأت علناً من الإرهاب الدولي، وبدأت تقدم وجهاً أكثر اعتدالاً، وليس لديها خطط لتطبيق الشريعة، وهي تتعاون مع فصائل مسلحة أخرى في إدارة العمليات العسكرية، وأي حلّ سياسي في سوريا يجب أن يشملهم جميعاً. 

يجب أن يكون المسار المستقبلي لسوريا قائماً على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة   2254 لعام 2015، الذي يدعو إلى إجراء انتخابات حرّة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة مع انتقال سياسي يقوده السوريون خلال 18 شهراً، يجب على العالم أن يعمل مع النظام الناشئ لضمان أن يكون جميع السوريين في الحلّ وأن تُحفَظ حقوقهم جميعاً. 

هناك الكثير من التشاؤُم في التعليقات بشأن مستقبل سوريا، وهو صدى حزين لخيبة الأمل الغربية في ليبيا وأماكن أخرى في بداية هذا القرن، لكن هناك مكاسب إستراتيجية تلوح في الأُفُق، وإضافة إلى الفرصة لإلحاق الضرر بالمشاريع الاستعمارية الروسية الخطيرة، فقد نرى تركيا تستفيد من عودة 3 ملايين لاجئ سوري لديهم وضع حماية مؤقتة إلى ديارهم، مما يمثل انتكاسةً لطموحات إيران الإقليمية، ونهايةً لوجود داعش، ووقفاً لتورُّط النظام القديم المُؤذِي في تهريب المخدرات وحبوب الكبتاغون. 

إنّ الحصول على بلد مستقر ينبذ الإرهاب والحرب هو جائزة تستحق النضال من أجلها، وكما يقول شكسبير: "من هذه القمامة -وهي الفوضى- دعونا نقطف هذه الزهرة، وهي الفرصة." 

 

المصدر : مركز تحليل السياسات الأوروبية (CEPA) 

ترجمة:عبدالحميد فحام