عام على انفجار مرفأ بيروت
2021-08-045762 مشاهدة
تمهيد
شكّل الانفجار الذي وقع في مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت مساء الرابع من آب/أغسطس عام 2020، حدثاً كبيراً على الصعيدين المحلي والدولي، نظراً لحجمه الهائل الناتج عن مئات الأطنان من مادة نيترات الأمونيوم، التي كانت مُخزنة في أحد عنابر المرفأ. وأدى هذا الانفجار، الذي وُصف بأنه أحد أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ، إلى سقوط أكثر من 200 قتيل وآلاف الجرحى، كما ترك عشرات آلاف المشردين، حيث أحدث دماراً واسعاً في مناطق عدة من المدينة، فيما دفع آلاف اللبنانيين إلى اتخاذ القرار بالهجرة.
في أعقاب هذا الانفجار، وفي الأيام التي تلته، بدا أن ما بعده لن يكون كما قبله. فالدمار والمأساة كانا كبيرين جداً على شعب مثقل أصلاً بالأزمات. وكانت كل المؤشرات تقول بأن تطوُّرات كبرى ستحدث، وقد تتخطى التحقيق في الانفجار، لتصل إلى تغييرات وإصلاحات في مصلحة الشعب اللبناني. ظهر ذلك جلياً في التصريحات الدولية، والزيارات الرسمية إلى بيروت، وعلى رأسها زيارة الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، في 6 آب/أغسطس، بعد يومين من وقوع الانفجار، حيث جال في الشوارع السكنية المدمّرة قرب المرفأ، ثم كرّر الزيارة في 31 آب/أغسطس، حيث كان يضغط لتشكيل حكومة إنقاذ وتنفيذ إصلاحات جذرية في الدولة اللبنانية.
محلياً، بدا خلال الساعات الأولى التي تلت الانفجار، أن القضاء وأجهزة المحاسبة ستطلق تحقيقات سريعة وحاسمة، لكشف أسباب المأساة التي حلّت باللبنانيين، وتِبْيان المتورطين في السكوت عن وجود كمية كبيرة من نيترات الأمونيوم في المرفأ، خصوصاً أنها كانت مُخزنة منذ عام 2014. وقد صرّح وزير الداخلية محمد فهمي بعد الانفجار، بأنه ستتمّ خلال خمسة أيام، معرفة الأسباب وتقديم المتورطين إلى العدالة.
واليوم، مع حلول الذكرى الأولى للانفجار الهائل، وعلى الرغم من تحويل القضية إلى المجلس العدلي، بقيت التحقيقات تراوح مكانها، مع توقيف عدد من الضباط الصغار وبعض الموظفين الرسميين، من دون وجود أي رواية واضحة حول أسباب وملابسات وجود تلك الكمية الكبيرة من نيترات الأمونيوم في أحد معابر المرفأ، وكيفية انفجارها. وقد تمت تنحية المحقق العدلي "فادي صوان"، وتعيين "طارق البيطار" محققاً عدلياً مكانه.
ولتوضيح صورة المشهد الحالي مع أبعاده المختلفة، لا بد من التطرق باختصار إلى آخِر مستجدات التحقيقات، وما تواجهه من تعقيدات وعقبات على الصعيدين القانوني والسياسي، وهي مستجدات من شأنها أن تسمح بوضع سيناريوهات عدة حول مستقبل القضية برمتها.
لكن تمهيداً لتناول تطوُّر التحقيق في الانفجار والعقبات التي تواجهه، من المفيد رسم صورة عامة عن أثر الانفجار وتداعياته على أبرز الفاعلين السياسيين على الساحة اللبنانية، إذ إن محاولة فهم مدى تأثر كل من الفاعلين، من شأنها أن تساعد في فهم المشهد العام، وفي فهم العقبات أمام التحقيق وآفاق القضية، بشكل خاص من الناحية السياسية.