ما المخاطر في الانتخابات الرئاسية في تشاد؟

ما المخاطر في الانتخابات الرئاسية في تشاد؟

2024-05-08
915 مشاهدة


في ظل انتخابات مصيرية في تشاد، تعيش البلاد لحظات حاسمة ستحدد إنْ كانت ستتغلب الديمقراطية على السيطرة العسكرية، فيما تحاول الحكومة المحلية استعادة الاستقرار بعد وفاة حاكمها. وسط هذه الأجواء، تظهر الشخصيات المعارِضة البارزة كنقاط محورية في معركة الديمقراطية، لكن الشكوك تحوم حول نزاهة العملية الانتخابية برُمّتها، مما يجعل المراقبة الدولية أمراً مهماً لضمان شرعية النتائج وتأمين الاستقرار في المنطقة.

نص الترجمة:

يتوجه التشاديون إلى صناديق الاقتراع من أجل التصويت لاختيار رئيس جديد للبلاد فيما قد تكون الانتخابات الأكثر أهمية في البلاد منذ ثلاثة عقود. وستمثل هذه الانتخابات نهاية مرحلة التحوُّل إلى الديمقراطية من قِبل الحكومة العسكرية الحاكمة، وهي واحدة من عدة حكومات تتولى السلطة حالياً في غرب إفريقيا ووسطها. لكن بعض الخبراء يقولون إن التصويت يهدف فقط إلى إضفاء الطابع الرسمي الشرعي على سيطرة الجيش على السلطة.

وتشهد البلاد اضطرابات سياسية منذ عام 2021، عندما استولى الرئيس المؤقت محمد إدريس ديبي Mahamat Idriss Deby على السلطة لأول مرة وسط مقاومة شرسة من قِبل قُوى المعارضة التي تطعن في شرعية حكمه.

بلغت الفوضى ذروتها في شهر شباط/ فبراير الماضي بعد أن أطلقت القوات الحكومية النار على يايا ديلو Yaya Dillo ــ أحد أقوى شخصيات المعارضة ــ وأنصاره في مقر حزبهم في العاصمة نجامينا N’Djamena، مما أدى إلى مقتلهم.

وفي الوقت نفسه، تُعَدّ تشاد واحدة من أفقر البلدان في العالم، حيث يعيش ما لا يقل عن 40% من سكانها البالغ عددهم 17 مليون نسمة تحت خط الفقر. كما دفعت الحرب في السودان المجاور أكثر من 500 ألف سوداني إلى الفرار إلى تشاد، مما يزيد من الضغوط على الأخيرة مع تزايُد المخاوف من امتداد الصراع.

يتمتع الجيش التشادي، المعروف بأنه من بين أفضل الجيوش في المنطقة، بنفوذ في جميع أنحاء منطقة الساحل المضطربة، حيث أدت توغُّلات الجماعات المسلحة وموجة من الانقلابات إلى حدوث انقسامات إقليمية وقوّضت مكانة القوى الغربية مثل فرنسا والولايات المتحدة.

وقال دان إيزينجا Dan Eizenga، الباحث في المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية (ACSS): "تشاد شريك أمني رئيسي في القتال ضد الجماعة المسلحة بوكو حرام حول بحيرة تشاد". "ولذا فإن العملية الانتخابية في تشاد لها تداعيات كبيرة ليس فقط على تشاد، بل على العديد من البلدان".

وتتمتع فرنسا، الداعم الرئيسي للحكومة التشادية الحالية، بوجود عسكري كبير في البلاد، بينما يتراجع دعم الولايات المتحدة للحكومة الحالية، حيث أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن نيتها سحب نحو 75 جندياً متمركزين في البلاد، لكنها أضافت أن القرار قد يتغير بعد الانتخابات، مما يشير إلى أهمية الانتخابات المزمع انعقادها في 6 أيار/ مايو. ومن المتوقَّع إجراء جولة ثانية من التصويت في 22 حزيران/ يونيو، على أن تُعلَن النتائج الأولية في 7 تموز/ يوليو.

مَن هم أبرَزُ المرشحين؟

وافق المجلس الدستوري في البلاد على طلبات لـ 10 مرشحين في آذار/ مارس، على الرغم من تزايُد الانتقادات الشديدة لمنع بعض شخصيات المعارضة من المشاركة بسبب "مخالفات" ارتكبوها خلال فترة تقديم طلباتهم. ومن أبرز المرشحين الذين تم إقرار ترشُّحهم، الجنرال محمد إدريس ديبي، وهو الرئيس الانتقالي الذي وصل إلى السلطة كعضو في حزب حركة الإنقاذ الوطني Patriotic Salvation Movement الحاكم. وسيخوض الانتخابات ضِمن ائتلاف تشاد المتحدة United Chad الذي يتكوّن من عدة أحزاب أخرى موالية للحكومة.

تولّى ديبي البالغ من العمر 39 عاماً منصبه في نيسان/ إبريل 2021، بعد وفاة والده الرئيس إدريس ديبي أثناء قتال جماعة متمردة في شمال البلاد، بعد أن مرّ على حكمه للبلاد حتى وفاته، أكثر من 30 عاماً.

وفي أعقاب وفاة ديبي الأب، علّق الجيش العمل بالدستور، وأعلن مرسوماً بإنشاء مجلس عسكري انتقالي لقيادة البلاد لمدة 18 شهراً، وتعيين محمد ديبي رئيساً للمجلس، وبالتالي رئيساً للدولة.

ديبي الابن هو أحد أصغر زعماء تشاد سناً، لم يُعجب معارضيه الذين انتقدوه منذ اليوم الأول "لاستيلائه على السلطة بشكل غير قانوني،" وطالبوه بالتنحي، وبحسب الدستور، فإن رئيس مجلس النواب هو الذي يحكم في حالة وفاة الرئيس. لكن بدلاً من ذلك، قام ديبي بتمديد الفترة الانتقالية لعدة أشهر حتى 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2024. وفي محاولة لإضفاء الشرعية على موقفه -يقول الخبراء- وقّع ديبي اتفاقيات سلام مع شخصيات معارضة رئيسية في عام 2022.

كما اقترح تغييرات على الدستور ضِمن استفتاء تم التصويت عليه في كانون الأول/ ديسمبر2023، حيث صوّت التشاديون بـ "نعم" على تدابير جديدة مثل إنشاء مجالس محلية لنقل السلطة من يد الحكومة المركزية؛ وخفض الحدّ الأقصى لفترة الولاية الرئاسية من ست إلى خمس سنوات، وخفض الحد الأدنى للسن من 40 إلى 35 عاماً، فضلاً عن تعزيز الهيئة الانتخابية بجعلها مستقلة عن الحكومة.

مَن هي شخصيات المعارضة الرئيسية؟

حُكْم ديبي المستمر منذ ثلاث سنوات يُذكِّرنا بأسلوب والده: القاسي والمليء بحملات القمع ضد المعارضة، مثل قمع احتجاجات تشرين الأول/ أكتوبر 2022.

لقد تعرّض قادةُ المعارضة الرئيسيون للمضايقة، أو في حالات أسوأ، للقتل، مثل يايا ديلو، الذي كان ابن عم ديبي. وتم اعتقال صالح ديبي إتنو Saleh Deby Itno، آخِر أقارب ديبي الذين تحالفوا مع ديلو.

في الوقت نفسه، كان ديبي يسعى لاستقطاب أعضاء المعارضة الآخرين، وتعيينهم في مناصب رفيعة، وهي إستراتيجية استخدمها ديبي الأب أيضاً عدة مرات. ومن الشخصيات المعارضة المعتمدة الرئيسية في الانتخابات:

سوكسيه ماسرا Succes Masra - رئيس الوزراء المعيَّن من قِبل ديبي وخبير اقتصادي تلقى تعليمه في جامعتَيْ هارفارد وأكسفورد، كان ماسرا أقوى شخصية معارضة حتى تعيينه في كانون الثاني/ يناير 2024، وقام بحملته الانتخابية تحت قيادة حزب "المحوّلين" Les Transformateurs. كان ماسرا عضواً في ائتلاف المعارضة "واكيت تاما" Wakit Tama، الذي بدأ احتجاجاً على الحكم الطويل لديبي الأب في عام 2021. بعد وفاة ديبي الأب واستيلاء ابنه على السلطة، قاد ماسرا احتجاجات المعارضة فيما يُسمَّى بـ "الانقلاب". وفرّ من البلاد إلى الولايات المتحدة بعد أن فتح الجيش النار على مئات المتظاهرين في نجامينا في 20 تشرين الأول/ أكتوبر2022، بعد أن أعلن ديبي أنه سيترشح للانتخابات، بدلاً من تسليمه للسلطة. وقد قُتل في تلك الحادثة ما لا يقل عن 50 شخصاً.

ومع ذلك عاد ماسرا إلى تشاد في كانون الأول/ ديسمبر 2023، بعد محادثات السلام مع حكومة ديبي، التي أشرفت عليها الكتلة الاقتصادية الإقليمية لدول وسط إفريقيا (ECCAS). وتم تعيينه رئيساً للوزراء في الأول من كانون الثاني/ يناير 2024، وهي خُطوة انتقدتها بشدة جماعات المعارضة الأخرى، التي قالت إن ماسرا انضم إلى الحكومة العسكرية. وفي 6 أيار/ مايو، سيواجه ماسرا رئيسه ويخوض الانتخابات ضِمن ائتلاف العدالة والمساواة، وهي المرة الأولى في تاريخ البلاد التي يتنافس فيها رئيس مع رئيس وزراء في الانتخابات.

قال إيزينجا: إن "العديد من المراقبين يقولون إنه قد يكون بين الرجلين نوع من أنواع الاتفاق غير المُعلَن الذي يقضي بأن يقوم الفائز بتعيين الآخر رئيساً للوزراء وبالتالي الحفاظ على الوضع الراهن، كما تزعم عدة أحزاب معارضة أن ماسرا يوفر وَهْم المنافسة الانتخابية".

ألبرت باهيمي باداكي Albert Pahimi Padacke - رئيس الوزراء السابق مرتين ومرشَّح رئاسي لمرة واحدة في عهد ديبي الذي يكبره سناً، سيترشح عن حزب RNDT-Le Reveil شِبه المعارض أو التجمع الوطني للديمقراطيين التشاديين، الذي تحالف مع الحزب السياسي لديبي في ذلك الوقت وحصل على المركز الثاني في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في نيسان/ إبريل 2021.

المرشحون الآخرون 

علادوم جارما بالتازار Alladoum Djarma Baltazar- سياسي ومؤسِّس حزب العمل الاشتراكي التشادي للتجديد أو العمل من أجل تجديد تشاد (PRET). كما ترشح للرئاسة في انتخابات نيسان/ إبريل 2021 التي فاز بها ديبي الأب للمرة السادسة، قبل أيام فقط من وفاته.

ثيوفيل بونجورو بيبزون Theophile Bongoro Bebzoune – مدرس ورئيس حزب التجمع والمساواة في تشاد أو التجمع من أجل الديمقراطية والتقدم (PRET). وهو عضو في المجلس الانتقالي الذي يتزعمه ديبي.

ليدي باسمدة Lydie Beassemda – المرأة المرشحة الوحيدة، ووزيرة التربية والتعليم الحالية. وستترشح باسمدة عن حزب الديمقراطية والاستقلال أو Parti pour la drmocratie et l’independance Integratedes. وترشحت لأول مرة في عام 2021، لكنها حصلت على ثلاثة بالمائة فقط من الأصوات.

منسيري لوبسكريو Mansiri Lopsekreo – سيترشح عن حزب النخبة Les Élites. وهو مهندس ومرشح لأول مرة، ويحظى بدعم متزايد في شمال تشاد وشرقها.

بريس مبايمون جيدمباي Brice Mbaimon Guedmbaye– يترشح للانتخابات الرئاسية للمرة الثالثة. وسيتنافس تحت راية حركة الوطنيين التشاديين من أجل الجمهورية أو حركة الوطنيين التشاديين من أجل الجمهورية (MPTR).

ياسين عبد الرحمن سكين Yacine Abdermane Sakine – مصرفي يبلغ من العمر 39 عاماً ويحظى بشعبية كبيرة بين الشباب. وعلى الرغم من ترشُّحه عن الحزب الإصلاحي، إلا أنه عضو أيضاً في ائتلاف المعارضة "واكيت تاما"، وتم اعتقاله خلال الاحتجاجات بعد استيلاء الجيش على السلطة في عام 2021.

نصرة جيماسنجار Nasra Djimasngar - أكاديمي يترشح لأول مرة ضِمن حزبه "يوم جديد" (Un Jour Nouvel).

هل سيكون تصويتاً حرّاً ونزيهاً؟

يقول بعض الخبراء: إن الانتخابات مجرد إجراء شكليّ لمساعدة ديبي على ضمان إحكام قبضته على السلطة، إذ إنه منذ مقتل ديلو واستيعاب ماسرا، لم يمر وقت كافٍ لظهور شخصية مُعارِضة قوية أخرى.

وقال إيزينجا: "مجرد ميزة تولّيه المنصب تجعل فرص مَن ينافسه في السباق الانتخابي معدومة، وهذا على افتراض أن المنافسة ستحدث بموجب القوانين الانتخابية في تشاد". "وبالتالي، فإن ماسرا وديبي هما المرشحان الوحيدان المتوقَّع حصولهما على جزء كبير من الأصوات".

وعلى الرغم من أن حكومة ديبي أنشأت الوكالة الوطنية لإدارة الانتخابات والمجلس الدستوري في كانون الثاني/ يناير، كجزء من الإصلاحات الجديدة التي تم الاتفاق عليها خلال محادثات السلام مع أعضاء المعارضة، إلا أن النقّاد يقولون إن هاتين الهيئتين ستتبعان موقف الحزب الحاكم حيث تم اختيار بعض مفوضيهما من قِبل الرئيس ديبي نفسه.

لقد تقلّص اقتصاد تشاد، الهشّ أصلاً، في العقد الماضي - فعلى سبيل المثال، انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 961 دولاراً في عام 2014 إلى 710 دولارات في عام 2019، وفقاً للبنك الدولي.

 كما أن انعدام الأمن والاعتماد المفرط على عائدات النفط هما العاملان الرئيسيان اللذان يؤثران على العجلة الاقتصادية، فالنفط، وهو المورد الرئيسي لتشاد، من المتوقَّع أن ينخفض إنتاجه بشكل حادّ؛ لأن احتياطيات البلاد محدودة جداً. وبفوز ديبي في الانتخابات، قد تشهد تشاد حاكماً قوياً آخر لعقود من الزمن، فضلاً عن استمرار حالة الركود الاقتصادي.

يضيف إيزينجا قائلاً: أعتقد أننا لن نستطيع التفاؤُل بالمستقبل من خلال تجربتنا في السنوات الست الماضية، فنحن بشكل أساسي نمتلك اقتصاداً هشّاً ومستويات عالية من الفساد التي تخدم إلى حدّ كبير الشبكات نفسها من الأشخاص المرتبطين سياسياً.

ومع ذلك هناك آمال في أن يتمكن رئيس الوزراء ماسرا، وهو خبير اقتصادي عالمي، من إحداث تقدُّم في المزيد من الاستثمارات في قطاعَي التعليم والصحة في البلاد.

 

ترجمة: عبد الحميد فحام
المصدر:( الجزيرة - النسخة الإنجليزية)