هل من فرص لإيقاف الحرب في غزة؟
2024-05-13889 مشاهدة
تؤكد تجربة التفاوُض السابقة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، أن كل ما تم تقديمه من مقترَحات إقليمية بشأن وَقْف الحرب لم يحقق شيئاً من تطلُّعات الفصائل والأهالي في غزة، فكل جولات التفاوض التي سبقت الحرب الحالية على غزة لم ترفع الحصار، وساهمت مع مرور الوقت في تعميق الأزمات الاقتصادية والإنسانية التي تعيشها غزة منذ وصول حركة حماس إلى الحكم في عام 2006.
لهذا يسود اعتقاد في الأوساط الفلسطينية أن تلك المقترَحات الإقليمية التي تُطرح في أوقات التصعيد العسكري مصدرها تل أبيب، وليس أمام الوسيط الإقليمي سوى تبنيها وعرضها على الفصائل، وهذا ما يتم ملاحظته بسهولة خلال الحرب الحالية على قطاع غزة؛ لأن قيادة حركة حماس عادةً ما تذهب إلى القاهرة لإعطاء ردها على تلك المقترَحات الإقليمية، حيث يشير سلوكها الدبلوماسي خلال الأشهر الماضية التي أعقبت هجمات السابع من أكتوبر 2024، إلى أنها تتعامل مع الموقف التفاوضي بشكل أفضل من جولات الحروب السابقة؛ لأنها دائماً ما تُبدي حرصها على إنجاز الاتفاق، ولا تُعطي حكومة نتنياهو أي فرصة لتحميلها مسؤولية استمرار الحرب في غزة.
خلال الأشهر الماضية، واجهت قيادة حماس تلك المقترَحات الإقليمية بترحيب شديد، ولم تعبر عن رفضها لأكثر من ثلاث مبادرات، بل ناقشت مع الجانبين المصري والقطري الكثير من التفاصيل المتعلقة بوقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي الشامل من قطاع غزة، وصفقة تبادُل الأسرى مع إسرائيل، وهو ما فوَّت الفرصة على حكومة نتنياهو، الذي يحرص بدوره دائماً على إلقاء الكرة في ملعب قيادة حماس، وجعلها دائماً تحت تأثير الضغط الشعبي والإقليمي.
تراجُع نتنياهو يعرقل اتفاق التهدئة
بعد ساعات قليلة من إعلان حركة حماس عن قبولها بالاقتراح "المصري" في 6 أيار/ مايو 2024، صرح عضو مجلس الحرب بيني غانتس، بالقول إن ما وافقت عليه حماس لا يتوافق مع الحوار الذي يجري حتى الآن مع الوسطاء، وفيه ثغرات كبيرة، وهو ما حرص رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو أيضاً على تأكيده في اليوم التالي، وهو ما يُشير إلى أن إسرائيل قد رفضت اقتراحاً صِيغ مُسبقاً في تل أبيب، أو على أقل تقدير لم يعتد الوسطاء الإقليميون على إطلاع حماس على مقترحات أو مبادرات قبل التوافق حول كافة تفاصيلها مع إسرائيل، فهذه الأخيرة شاركت خلال الأشهر الماضية في إعداد مقترَحات مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية ويليام بيرنز في باريس من أجل صياغة مبادرات وتقديمها إلى حماس في قطاع غزة.
وهنا يأتي السؤال الأهم، لماذا ترفض حكومة نتنياهو مقترَحاً من صناعتها؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال لا بد من الرجوع لمخرَجات اجتماع المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية الذي عُقد في 5 أيار/ مايو 2024، والذي حَظِيَ بتأييد جميع أعضاء المجلس الوزاري لحكومة نتنياهو، وحَسَب العديد من الوكالات الإعلامية الإسرائيلية، إن وزير الحرب في حكومة نتنياهو يواف غالانت، دعا نتنياهو للموافقة على المقترَح "المصري" الذي يضمن استعادة كافة الرهائن الإسرائيليين، وهذا الاجتماع جاء قبل ساعات قليلة على إعلان حركة حماس عن موافقتها على ذلك المقترح.
المراهَنة الإسرائيلية على موقف حماس
يبدو أن نتنياهو وحكومته كانوا يراهنون على عدم موافقة حماس على ذلك المقترَح، خاصةً أنهم بدؤوا بالتجهيز العسكري لاجتياح مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، وهو سلوك إسرائيلي كان يهدف إلى المزيد من الضغط على حماس، ودفعها للتجاوب بشكل إيجابي مع المقترَح "المصري"، حيث شهدت الأيام القليلة التي سبقت وصول موافقة حركة حماس على الاقتراح تسليط الضوء الإعلامي الإسرائيلي والغربي على موقف حماس من ذلك الاقتراح، في محاولة لإحراجها وجعلها أمام موقف صعب أمام الشعب الفلسطيني الذي يواجه الإبادة الجماعية في غزة، والأطراف الإقليمية المختلفة التي اعتادت ممارسة الضغط على الجانب الفلسطيني فقط.
لقد جاءت موافقة حركة حماس على المقترَح "المصري" بمثابة الصدمة غير المتوقَّعة لحكومة نتنياهو، فرئيس الحكومة الأكثر تطرُّفاً في إسرائيل بات يواجه ردة فعل داخلية متناقضة ومستمرة، فحلفاؤه من اليمين الديني الأكثر تطرُّفاً في إسرائيل، وجَّهوا له تهديدات صريحة بالانسحاب والإطاحة بحكومته في حال توصل إلى هدنة مع حماس، على النقيض من ذلك، شهدت تل أبيب حشوداً كبيرة من الاحتجاجات التي تندد باستمرار الحرب، وتطالب الحكومة الإسرائيلية بالتوصل إلى صفقة تبادُل أسرى.
نتنياهو خيار الحركة الصهيونية
والحقيقة هنا أن انهيار حكومة نتنياهو لا يُبعده عن الحكم فحَسْب، بل يعيد النظام السياسي في إسرائيل إلى مرحلة التخبُّط وعدم التوازُن، أو مرحلة الجمود السياسي، حسب ما قيل خلال الفترة الزمنية الممتدة من 9 نيسان/ إبريل 2019، حتى 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، حيث شهدت إسرائيل خمس انتخابات تشريعية، وهو ما يوضح مستوى الأزمة التي يعيشها النظام السياسي، وهذا ما تخشاه الحركة الصهيونية الداعمة لنتنياهو الآن، فكل منهما يدرك تماماً أن الكيان يُعاني من معضلة سياسية حقيقية، وأزمة نُخب سياسية متمثلة في غياب القيادة السياسية القادرة على إدارة الخلافات والتناقُضات داخل النظام السياسي.
وهنا تتقاطع المصلحة بينهما، فنتنياهو لا يواجه العالم بشكل منفرد، بل يحتمي بغطاء الحركة الصهيونية، ودورها الواضح في التأثير على مواقف الإدارة الأمريكية من الحرب على غزة، لذلك فإن إدارة الديمقراطي بايدن، الأضعف سياسياً في تاريخ الولايات المتحدة، لا تُقدِّم دعمها اللامحدود لنتنياهو فحسب، بل تشارك في التخطيط لمستقبل ما بعد الحرب على غزة، وبمجرد إعلان الجيش الإسرائيلي الهجوم على شرق مدينة رفح في 7 أيار/ مايو 2024، وما ترتب على ذلك من إغلاق معبر رفح، شريان الحياة شِبه الوحيد لسكان قطاع غزة، استأنف الجيش الأمريكي عمليات إنشاء الرصيف البحري، وهو ما يزيد المخاوف من استخدام هذا الميناء البحري في عمليات تهجير سكان قطاع غزة، حيث يعيدنا ذلك إلى سياسة تهجير السكان من شمال فلسطين نحو العديد من الدول العربية في عام1967.
ومع حرص حكومة نتنياهو على إفشال اتفاق التهدئة مع حماس، والإصرار على بَدْء عملياتها العسكرية في رفح، تكون غالبية مناطق قطاع غزة قد واجهت الهجمات الإسرائيلية، وهذا ما تحذر منه الكثير من النُّخب في إسرائيل؛ لأن عدم الوصول للرهائن، وتفكيك المقاومة عبر الوصول إلى قيادتها، وأنظمة اتصالها، يُبقي -بلا شك- على الانتقادات الداخلية الموجَّهة لحكومة نتنياهو، في الوقت ذاته سوف تفقد هذه الأخيرة مبرِّرات الحرب؛ لأنها ستكون قد نفذت عملياتها العسكرية في كافة مدن قطاع غزة، وفي الوقت ذاته سوف تفقد أوراق الضغط السياسي على حماس، وهذا ما يزيد من صعوبة الوصول لاتفاق تهدئة مناسب للجانبين.
أخيراً يبدو أن تصوُّر أُفق قريب لإيقاف الحرب في غزة لا يزال بعيداً عن ذلك الواقع الميداني والسياسي، كما أن محاولات البحث عن مستقبل قطاع غزة المبنيّ على نتائج الحرب ما تزال قائمة، وتشغل حكومةَ نتنياهو والأطرافَ المعنية إقليمياً ودولياً، فذلك الفشل في استبدال حكومة حماس بأطراف محلية أخرى، جعل دانيال هاغاري المتحدث العسكري الإسرائيلي بعد أكثر من 200 يوم من الحرب، يؤكد على صعوبة التخلص من حماس، واصفاً غزة بأنها أصعب ساحات القتال في العالم.
وقد أدى رفض نتنياهو للهدنة إلى وضعه في موقف سياسي غير مسبوق مع إدارة بايدن الذي أوقف شحنة تصدير القنابل الثقيلة إلى إسرائيل، وهو ما تسبَّب في موجة هجوم من اليمين الإسرائيلي على الإدارة الأمريكية، الأمر الذي من شأنه أن يُضعف من مستوى شرعية الحرب التي وفَّرتها الإدارة الأمريكية لنتنياهو بعد هجمات السابع من أكتوبر، ولكنه لا يبدو أنه يضغط بشكل كافٍ على نتنياهو ليُوقف حربه التي لا تزال تبدو خياره الأفضل للهروب إلى الأمام.