وفاة بريغوجين تسلّط الضوء على نهاية "فاغنر"، لكن روسيا لن تتخلى عن مهامها

وفاة بريغوجين تسلّط الضوء على نهاية "فاغنر"، لكن روسيا لن تتخلى عن مهامها

2023-08-26
896 مشاهدة


تحدّث موقع المونيتور عَبْر تقرير تحليلي كتبه "أنطون مارداسوف" عن المصير المتوقع لمجموعة فاغنر شِبه العسكرية الروسية بعد مقتل مؤسسها وقائدها يفغيني بريغوجين إلى جانب نوابه وقيادات من الصف الأول في المجموعة في حادث تحطُّم طائرة كانت تقلّهم فوق الأجواء الروسية، وقد تحدث الكاتب كذلك عن عمليات استبدال تقوم بها وزارة الدفاع الروسية، لإحلال شركات عسكرية وأمنية خاصة محلّ مجموعة "فاغنر" التي يبدو أنها ستفقد دورها وتأثيرها بشكل كامل بعد مقتل بريغوجين.

نصّ الترجمة:

مع ورود التقارير التي تفيد بمقتل القيادة العُليا لمجموعة فاغنر في عملية اغتيال محتملة، تُواصِل موسكو بهدوءٍ استبدالَ هذه المجموعة العسكرية الخاصة في عملياتها الخارجية.

يُفترض أن زعيم مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين قد مات إلى جانب كِبار نُوّابه بعد تحطُّم طائرة يوم الأربعاء، وبينما لم يتم الكشف بعدُ عن سبب الحادث، أشار المراقبون على الفور بأصابع الاتهام إلى الدولة الروسية، حيث كان الاغتيال المحتمل متوقَّعاً في أعقاب التمرد الفاشل الذي قامت به المجموعة شِبه العسكرية في حزيران/ يونيو واستبدال موسكو الهادئ اللاحق لمرتزقة فاغنر في بُلدان مختلفة.

وقد أكدت وكالة النقل الجوي الفيدرالية الروسية يوم الأربعاء أن بريغوجين "الشخصية الأسطورية" إلى جانب اثنين من أقرب مساعديه كانوا على متن الطائرة، لكن موسكو لم تؤكد وفاته بعدُ (رغم أن بوتين أعلن يوم الأربعاء عن وفاته وأعرب عن تعازيه لعائلته)، وعلى الرغم من أن بعض المحللين الروس يشيرون إلى أن رئيس فاغنر ربما يكون قد دبَّر موته، إلا أن هذا السيناريو غير مرجَّح نظراً لصفات بريغوجين الشخصية وطبيعة النضال الذي خاضه من أجل نجاح شركته.

وبعد وقت قصير من سيطرة فاغنر على مدينة روستوف- الواقعة على نهر الدون الجنوبي وإطلاق مسيرة الأرتال العسكرية التي توجّهت نحو موسكو في 23 يونيو/ حزيران، توصلت المجموعة إلى اتفاق مع الحكومة لإنهاء الصراع، وعلى الرغم من إعلان الكرملين أن بريغوجين سيغادر إلى بيلاروسيا، فقد استمر في نشاطه السياسي والاقتصادي داخل روسيا وخارجها، حيث وقّع عقوداً حكومية جديدة بقيمة عشرات الملايين من الدولارات، كما واصل كبار نُوّابه أوتكين وتشيكالوف العمل على الحفاظ على وجود المرتزقة في البُلدان الرئيسية، بالإضافة إلى الحفاظ في بيلاروسيا على الوحدة المكونة من 5000 جندي المنسحبة من أوكرانيا وروسيا وبناء طرق لوجستية جديدة للمجموعة في سورية وليبيا وتركيا ومنطقة الساحل.

ومن الواضح أن ظهور نوع من المصالحة بين فاغنر والكرملين في أعقاب اجتماع الرئيس فلاديمير بوتين مع المجموعة بعد أيام قليلة من التمرد كان كاذباً، وفي حين أن السلطات لم تتخذ خطوات جذرية ضد المجموعة -على الأرجح خوفاً من إضعاف مواقف الدولة في الخارج- فقد عمل الكرملين على اعتراض المشاريع التي تمكّن بريغوجين من إضفاء طابع شخصي عليها على مرّ السنين بالتعاون مع الأجهزة الأمنية.

وزعم بعض قادة فاغنر أن عدد المرتزقة - وأشهرهم أندريه "سيدوي" تروشيف - الذين تم نقلهم إلى شركة عسكرية خاصة أخرى (PMC) تحت سيطرة وزارة الدفاع كان قليلاً، وأن معنوياتهم "منخفضة للغاية" ، مما يشير إلى صراع للحصول على العناصر المقاتلة.

وفي الوقت نفسه فإن سلطة بريغوجين وأوتكين وقدرتهما على الحفاظ على قوة في بيلاروسيا وخطر الخطوات المفاجئة التي تلحق الضرر بصورة الكرملين في الخارج، كلها عوامل قلَّلت إلى حد كبير من نفوذ موسكو على فاغنر مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الروسية في عام 2024.

وتعثَّرت عملية جذب مقاتلي فاغنر إلى صفوف الشركات العسكرية الخاصة الموالية للحكومة بسبب اعتقاد المرتزقة بأن مديرهم سيكون قادراً بطريقةٍ ما على التفاوض بشأن التمويل وحمايتهم من الملاحقة القضائية على أي جرائم ارتُكبت في سورية أو ليبيا أو بسبب رفضهم التوقيع على عَقْد مع وزارة الدفاع، وقد تمكّن بريغوجين من الحفاظ على بعض أعماله في روسيا بعد التمرد والحفاظ على فروع فاغنر في المناطق الطرفية لروسيا مثل بيرم، مما يدل على أن المجموعة -ككيان- لديها الموارد اللازمة لمواصلة عملياتها.

ومع ذلك قد يكون هذا مجرد وَهْم، ومن المرجَّح أن الكرملين لم يتطرق على الفور إلى مشاريع بريغوجين الخارجية خوفاً من خلق فراغ في السلطة؛ لأن مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية ما زالوا خطيرين للغاية في سورية، ومع ذلك كان العمل على استبدال فاغنر على نطاق واسع جارياً بلا شك.

وخلال القمة الروسية الإفريقية التي عُقدت الشهر الماضي في سانت بطرسبرغ شارك نائب رئيس المديرية العامة للأركان العامة للقوات المسلحة، أندريه أفريانوف، ضِمن الوفد الرسمي لأول مرة، وذكرت وسائل الإعلام أن أفريانوف هو القائد المسؤول عن تسميم العميل المزدوج سيرج سكريبال وتاجر الأسلحة البلغاري إيميليان جيبريف، وفقاً للشائعات كان أفيريانوف هو مَن كان يطور خطة لاستبدال فاغنر بالكامل في إفريقيا بهيئة عسكرية قوامها 20 ألف شخص، وذكرت قناة VChK OGPU الروسية على Telegram أن "بريغوجين كان معارضاً بشدة لهذا الأمر وبذل كل جهد لمنعه".

وفي الثاني والعشرين من آب/ أغسطس، قام وفد عسكري روسي برئاسة نائب وزير الدفاع يونس بك يفكوروف بزيارة إلى ليبيا، وبالنظر إلى أن يفكوروف يشرف على التدريب القتالي في الجيش الروسي وشارك في المفاوضات مع بريغوجين خلال تمرُّد حزيران/ يونيو، فإن طبيعة محادثاته مع قائد الجيش الوطني الليبي المتمركز في طبرق -خليفة حفتر- كانت على الأرجح استمرار وجود مرتزقة فاغنر في ليبيا، بدلاً من مناقشة البروتوكول المزعوم للعلاقات العسكرية في أعقاب نتائج المنتدى العسكري الدولي الذي عُقد هذا الشهر في موسكو.

كان من المقرَّر تشكيل بديل لفاغنر من خلال عدة هياكل، في المقام الأول الشركات العسكرية الخاصة مثل Redut وConvoy وعدد من المجموعات الأخرى، تعمل شركة Redut PMC في سورية منذ فترة طويلة، وترتبط بمشاريع رجل الأعمال الروسي جينادي تيمشينكو، وتخضع لسيطرة وزارة الدفاع، قادت Redut الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/ فبراير 2022، لكنها أعادت هيكلتها مؤخراً للعمل في مناطق أخرى تتواجد فيها فاغنر بدعم مالي من رجل الأعمال أوليغ ديريباسكا.

الوضع مع شركة Convoy -وهي شركة عسكرية خاصة أخرى- أكثر تعقيداً؛ لأنها حتى وقت قريب كانت شركة غير فعّالة تضمّ العديد من الأشخاص الذين لا يمتلكون خبرات قتالية كبيرة، على خلفية الحرب في أوكرانيا وتمرُّد بريغوجين أصبحت موسكو يائسة، وضخّت الأموال في هذه المجموعة، والتي تَبيّن أنها مفيدة.

يؤدي قطع رأس فاغنر إلى تفكيك المجموعة بشكل فعّال؛ لأن مجلس قيادتها غير قادر على أن يكون فعّالاً بدون بريغوجين وأوتكين وتشيكالوف.

وقد قال مصدر خدم سابقاً في المخابرات العسكرية الروسية للمونيتور: إنه على الرغم من أن فاغنر كان لديها خطة عمل في حالة وفاة زعيمها إلا أنها مؤقتة بطبيعتها، ولا تعني على الإطلاق عملية مستقلة كاملة. وشدَّد المصدر على أنه بدون بريغوجين سيكون من المستحيل إدارة شركة "في مواجهة هياكل الدولة التي أنشأت هذه الأعمال".

ومع ذلك لا يتعين على موسكو بالضرورة أن تستبدل مرتزقة فاغنر في الخارج بآخرين بشكل كامل، يشعر قادة ومقاتلو فروع فاغنر الخارجية بالإحباط، ويواجهون احتمال العمل مع الشركات العسكرية الخاصة التابعة لوزارة الدفاع أو الانخراط في صراع مع الجيش دون موارد كافية أو دعم السلطات المحلية، فضلاً عن احتمال الملاحقة الجنائية في روسيا إذا عادوا إلى بلدهم، كما أن مفارز فاغنر المنسحبة من أوكرانيا وروسيا إلى بيلاروسيا محصورة فعلياً في معسكرات التدريب وتعتمد على الاتفاقيات المبرمة بين موسكو ومينسك.

تبدو وفاة بريغوجين بمثابة نتيجةٍ منطقيةٍ للتمرد وتحذيرٍ رمزيٍّ للمتعاطفين معه داخل النخبة السياسية والاقتصادية والعسكرية الروسية، وفي هذا الصدد فإن الاحتمال الذي تمت مناقشته في وسائل الإعلام الروسية بشأن الموت المدبَّر سيكون بمثابة موته الحقيقي بالنسبة لمستقبل مجموعة فاغنر، لكن بالنظر إلى الشخصية الرائعة المعروفة لرجل الأعمال وظروف تمرُّده، فمن الصعب أن نتصور أن بريغوجين قرر تدمير نفسه أو نقل أعماله إلى وزارة الدفاع بهذه الطريقة الماكرة.

ولكنْ هناك احتمال آخر لا يزال ينبغي النظر فيه، حيث قال العشرات من موظفي شركات بريغوجين لوسائل الإعلام: إن سبب تمرُّد بريغوجين هو "حالته العقلية"، وبينما كان لدى زعيم فاغنر دائماً "ميل خاصّ للعنف"، وفقًا لتقارير وسائل الإعلام، فقد شرح لمرؤوسيه الدافع وراء تمرُّده في عبارة واحدة: "كنتُ أشعر بالفزع".

ومع ذلك -ونظراً للصمت الملحوظ للمسؤولين الروس بشأن حادث تحطُّم الطائرة لما يقرب من 24 ساعة، والذي تخلّلته تعليقات بوتين المختصرة- يبدو حتى الآن وكأن بريغوجين الذي أصبح مزعجاً قد تم القضاء عليه.

ترجمة: عبد الحميد فحام

المصدر: (موقع المونيتور)