القمة الأمريكية الأفريقية: الحشد في مواجهة الصين
2022-12-141441 مشاهدة
خلال الفترة من 13 إلى 15 ديسمبر/ كانون الأول 2022، عُقدت القمة "الأمريكية - الأفريقية" الثانية (الأولى كانت 2014) في واشنطن بمشاركة ممثلي نحو 49 دولة من دول القارة، القمة التي تم الترتيب لها منذ عدة أشهر تزايدت أهميتها بعد القمة "العربية ـ الصينية" التي شهدتها العاصمة السعودية الرياض في التاسع من ديسمبر 2022.
في هذه القمة لم تتم دعوة خمس دول أفريقية (هي بوركينا فاسو ومالي وغينيا والسودان) بسبب قيام الاتحاد الأفريقي بتعليق عضويتها عقب موجة انقلابات، كما لم تتم دعوة إريتريا لعدم وجود علاقات دبلوماسية لها مع الولايات المتحدة. بجانب عدم حضور رئيس زيمبابوي، إيمرسون منانجاجوا بسبب خضوعه لعقوبات تحظر دخوله الولايات المتحدة لاتهامه بتقويض الديمقراطية وارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان.
وحول جذور هذه القمة يُمثل قانون النمو والفرص في أفريقيا المعروف اختصاراً باسم "أجوا" أساس السياسة الاقتصادية للولايات المتحدة فيما يتعلق بالتعاون التجاري مع أفريقيا منذ صدوره في عام 2000، وقد وفّر القانون لدول أفريقيا جنوب الصحراء المؤهلة فرصة إدخال أكثر من 1800 منتج إلى السوق الأمريكية معفاة من الرسوم الجمركية، لكنه لم يساهم في اكتشاف كافة الإمكانيات التي تزخر بها القارة، وينتهي سريان القانون عام 2025، ومن هنا تشكل قمة 2022 خطوة على طريق بحث الأُطُر الجديدة للتعاون.
وبجانب القانون دخلت اتفاقية التجارة الحرة الأمريكية الأفريقية حيِّز التنفيذ في يناير/ كانون الثاني عام 2021 بالتزامن مع نمو النفوذ الاقتصادي الصيني في أفريقيا والذي تجاوز المعدلات الأمريكية، فقد كشفت بيانات خدمة أبحاث الكونجرس الأمريكي عن أن الصين أبرمت في عام 2020 فقط اتفاقيات بقيمة 735 مليار دولار مع 623 شركة، وبلغت قيمةُ 800 صفقة تجارية واستثمارية مع 45 دولة أفريقية أكثرَ من 50 مليار دولار في عام 2021، في مقابل أن الولايات المتحدة استثمرت 22 مليار دولار في 80 شركة فقط في أفريقيا خلال نفس الفترة.
وتأتي القمة الثانية، بعد أقل من ستة أشهر من قمة الأعمال الأمريكية الأفريقية التي انعقدت بين 19 و22 يوليو في المملكة المغربية، بمشاركة مسؤولين من الحكومة الأمريكية، ومسؤولين من 50 بلداً أفريقيّاً، وعالجت قضايا السيادة الصحية والغذائية، والابتكار، والتكنولوجيات الجديدة، والطاقات المتجددة والتقليدية والبِنْيات التحتية.
كما تأتي القمة بعد إعلان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين عن الإستراتيجية الأمريكية الجديدة لأفريقيا في أغسطس 2022، والتي بموجبها ستسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية في أفريقيا، منها: الانفتاح على المجتمعات، وتقديم المكاسب الديمقراطية والأمنية، والتعافي من الجائحة، والفرص الاقتصادية، ودعم الحفاظ على المناخ والتكيف معه والانتقال العادل للطاقة.
وفي إطار هذه الأهداف، ناقشت القمة الثانية، تعزيز الشراكات الاقتصادية الجديدة، وتعزيز السلام والأمن والحكم الرشيد، وتعزيز الالتزام بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني، والعمل بشكل تعاوني لتعزيز الأمن الصحي الإقليمي والعالمي، وتعزيز الأمن الغذائي، والاستجابة لظاهرة التغير المناخي.
وفي إطار هذه الاعتبارات يمكن القول: إن القمة "الأفريقية ـ الأمريكية" الثانية، لا يمكن فصلها عن التحوُّلات الدولية والإقليمية التي شهدها العالم والقارة خلال العامين الأخيرين، ومن ذلك تداعيات أزمة كورونا وخاصة الاقتصادية والاجتماعية على معظم دول العالم، وكانت دول القارة الأفريقية من أكثر الدول تضرراً من هذه التداعيات، ومن ناحية ثانية التمدد الروسي في القارة الأفريقية وخاصة في منطقة الساحل والصحراء على حساب النفوذ الفرنسي، ومن ناحية ثالثة تداعيات الأزمة الأوكرانية وحاجة الولايات المتحدة لتوحيد الصف الأفريقي خلف قراراتها في المنظمات الدولية، وكذلك حشد الطاقات والقدرات الأفريقية وخاصة الموارد الطبيعية لمواجهة تداعيات هذه الأزمة.
ومن ناحية رابعة ومهمة محاولة الولايات المتحدة احتواء التمدد الصيني الهائل في القارة، التي أصبحت فعلياً في قبضة الصين الاقتصادية، الأمر الذي من شأنه ليس فقط تهديد النفوذ الأمريكي في القارة ولكن على قمة النظام الدولي، لذا يمكن النظر إلى القارة باعتبارها إحدى ساحات الحرب الباردة "الأمريكية ـ الصينية"، وخاصة مع حرص الصين على عقد قمم دورية ثابتة وأحياناً طارئة بشكل سنوي مع دول القارة، في الوقت الذي توجد فجوة زمنية 8 سنوات بين القمة الأولى (2014) والثانية (2022) للولايات المتحدة مع دول القارة.
وفي ظل هذه المعطيات، يمكن القول: إن الولايات المتحدة فقدت جزءاً كبيراً من نفوذها في القارة، وتحتاج إلى إعادة نظر جذرية في إستراتيجياتها وسياساتها وأدواتها في التعاطي مع القارة الأفريقية وقضاياها الرئيسية.