انهيار حلم إيران في الوصول للبحر الأبيض المتوسط
2024-12-10125 مشاهدة
شكل طموح الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط غاية إستراتيجية عُليا للمشروع الإيراني، ولتحقيق هذه الغاية ضغطت إيران على الجانب العراقي من أجل إكمال مشروع الربط السِّكَكيّ، والذي تطمح من خلاله إلى ربط ميناء "الخميني" على الجانب الإيراني من الخليج العربي بميناء اللاذقية السوري على البحر الأبيض المتوسط، بما يحقق بالنهاية ربط إيران والعراق وسورية عَبْر علاقات تجارية واقتصادية وأمنية.
رغم الأهمية الجيوسياسية لهذا المشروع فإن سقوط النظام السوري وهروب بشار الأسد وجَّه ضربة إستراتيجية له، بما يمكن أن يُعَدّ إنهاءً لأحلام إيران بالوصول للمتوسط، بفعل التداعي الإستراتيجي الذي تعرضت له في الجبهة السورية، وتحديداً بما سيَؤُول إليه سقوط النظام من وصول المعارضة السورية للسلطة.
مما لا شك فيه أن الأبعاد الإستراتيجية التي وقفت خلف طموح إيران للوصول للمتوسط كانت كبيرة وواسعة، وهي جزء من انفتاح طهران على الإقليم والعالم، عَبْر الربط بين وجودها العسكري في العراق وسورية، وتوظيفه في خدمة عجلتها الاقتصادية الطامحة بالوصول للأسواق الأوروبية، بضمان ممر بري آمِن بعيد عن الموانع الأمريكية في المنطقة، ومتجاوز لسياسة العقوبات المفروضة عليها.
كانت السكة الحديدية التي تعتزم إيران بناءها تنطلق من البصرة على الخليج العربي جنوبي العراق إلى منطقة البوكمال على الحدود العراقية السورية، ومن ثَمّ دير الزور وحلب وصولاً إلى اللاذقية على البحر المتوسط، ليكون هذا الطريق ممراً اقتصادياً باتِّجاه واحد من إيران إلى العراق وسورية، إضافة إلى تدفُّق الزوار الإيرانيين "الشيعة" بالملايين كلّ سنة لزيارة الأضرحة والمراقد، الأمر الذي يخلق عبئاً أمنياً واقتصادياً على سورية.
كان عدم يقين طهران بشأن مستقبل نفوذها في سورية يدفعها لإيجاد البدائل التي تضمن لها استمرار مشروعها الإستراتيجي الإقليمي بأبعاده الشاملة، والذي لا بد أن يمر من العراق وسورية، وتحديداً كانت إيران تحسب حساب تصاعُد الضغط الإسرائيلي والأمريكي في اعتراض عمليات النقل البري الإيراني عَبْر الحدود العراقية السورية، سواءً عَبْر الهجمات بالطائرات المسيرة، أم عَبْر فرض عقوبات على شركات النقل الإيرانية وأبرزها شركة ماهان، التي اتهمتها الولايات المتحدة بنقل الأسلحة والمقاتلين إلى الداخل السوري، خلافاً لأنظمة سلطة الطيران الدولية وقوانينها، لذلك بدأت إيران تفكر بحلول أكثر عملية، وفي هذا الإطار برز الإصرار على إتمام مشروع الربط السِّكَكيّ مع العراق، من أجل تدارُك هذه الحسابات الإستراتيجية المعقَّدة، إلاّ أن الذي لم تحسب إيران حسابه جيداً هو سقوط نظام الأسد، وتأثير هذا السقوط على مجمل التصوُّر الإيراني في سورية مستقبلاً.
إنَّ سقوط نظام الأسد وضع إيران أمام حسابات إستراتيجية معقَّدة في سورية الجديدة، خصوصاً مع الأدوار السلبية التي مارستها خلال العَقْد الماضي في دعم بشار الأسد بشكل كامل، فضلاً عن أن المعارضة السورية ترى أن طهران مسؤولة بشكل مباشر عن قتل المدنيين وقصف المدن وتفريغها من السكان في عمليات تغيير ديموغرافي منظمة، والاستحواذ على مقدَّرات الدولة السورية، وتسخير الساحة السورية في خدمة حزب الله اللبناني وجعل سورية ممراً إقليمياً لتمرير السلاح والمخدرات والمقاتلين، وعليه فإنه سيكون من المتعذّر على إيران العودة مرة أخرى لسورية، بالشكل ذاته الذي كانت عليه خلال حِقبة الأسد.
إن سقوط نظام الأسد جعل إيران أمام حقيقة واحدة، وهي أن مشروع الوصول للبحر الأبيض المتوسط أصبح صعباً جداً أو حتى غير ممكن، كما أنها أصبحت معزولة تماماً عن حزب الله اللبناني، إذا ما ربطنا ذلك بحركتها البرية الأخرى بالجنوب السوري، وبالتالي فإن انحسارها عند الحدود العراقية السورية أفقدها ميزة إدامة مشروعها الجيوسياسي الذي لطالما تفاخرت به، بأنه يمتدّ من أفغانستان حتى بيروت.
إلى جانب ذلك فإن الحقيقة الجغرافية التي أصبحت إيران أمامها أنها بسقوط نظام الأسد لم تخسر فقط طموح الوصول للبحر الأبيض المتوسط، بل خسرت ثلثَيْ جغرافيا محور المقاومة الذي كانت تتفاخر به، إذا ما أضفنا غزة وبيروت لهذه الخسارات، وأصبحت معزولة بشكل كبير عن مساحات التنافس الجيوسياسي التي كانت تؤمِّنها الساحة السورية مع قُوًى إقليمية مهمة، ومنها تركيا.
إن مشروع الوصول للبحر الأبيض المتوسط انتهى حتى قبل أن يُطبَّق على أرض الواقع، إذ كانت إيران تنظر لهذا المشروع على أنه استحقاق إستراتيجي نهائي لدعمها لنظام الأسد، وبالتالي فإنَّ سقوط هذا النظام أفقدها جدوى استثمار طويل، وخرجت بعد كل هذه السنوات لا تملك شيئاً في سورية، سوى ذاكرة سلبية يحملها السوريون عن إيران، ومشروعها في المنطقة.