تنظيم داعش في إسطنبول.. ماذا وراء هجوم "سانتا ماريا"؟
2024-02-01964 مشاهدة
ظُهر يوم الأحد 28 كانون الثاني/ يناير 2024 أقدم شخصان ملثّمان مسلّحان بمسدسات آليّة على اقتحام كنيسة "سانتا ماريا" المرتبطة ببابوية الكاثوليك الفاتيكان بروما، في حي ساريْيَر Sarıyer في مدينة إسطنبول، وإطلاق النار فيها أثناء إقامة قدّاس الأحد بها، مما أدى لمقتل شخص وإصابة آخر من المواطنين الأتراك، في حين فرّ مُطلِقَا النارِ.
أكّدت وزارة الداخلية التركية اعتقال 47 شخصاً مرتبطين بتنظيم الدولة إثر العملية، إلى جانب اعتقال الشخصين اللذين نفّذاها أثناء فرارهما من مكان الحادث، مؤكدة أن أحدهما طاجيكي الأصل والآخر روسي، في حين أن تنظيم الدولة أكّد في بيان التبنّي للعملية "انسحاب منفّذَي الهجوم من مكان العملية بسلام" في رفضٍ واضحٍ لما جاء في رواية الداخلية التركية، وتقديم سرديّة أخرى تُظهِر قدرة عناصر التنظيم على التملُّص من الأجهزة الأمنية.
يمكن الإشارة في هذا الإطار إلى جملة من الملاحظات الأساسية، لعل أهمها حرص التنظيم على العودة العالمية عَبْر بوابة استهداف الأهداف الدينية والمدنية في عدة دول عالمية عموماً، والدول الأوروبية خصوصاً، وربط هذه الاستهدافات بمسوّغات دينية في سبيل نصرة المسلمين في غزة- بحسب ما أكده بيان التبنِّي.
يمكن التأكيد على هذا السياق من خلال العودة للكلمة الأخيرة للناطق باسم التنظيم أبي حذيفة الأنصاري المُعَنْوَنة باسم "واقتلوهم حيث ثَقِفتموهم" حيث أشار للإستراتيجية المتَّبعة في اختيار الأهداف وآلية التعامُل معها والمسوّغ الديني لها، حين قال: "فتقصّدوا بالعمل الأهدافَ السهلةَ قبل الصعبة، والمدنيةَ قبل العسكرية، والأهدافَ الدينيةَ كالكُنس والكنائس قبل غيرها، فإن ذلك أشفى للصدر وأظهرُ لمعالم المعركة، فإن حربنا معهم حربٌ دينية، نقاتلهم أينما ثُقِفوا استجابةً لأمر الله تعالى".
تبدو نقطتان مثيرتان في عملية الاستهداف، أُولاهما: أن المواطن القتيل في هجوم داعش هو الشخص الوحيد المسلم داخل الكنيسة، مما يشير إلى أن استهدافه في هذا المكان مقصود لذاته، إلا أن ذَوِي القتيل أكّدوا إعاقته الذهنية وعدم قدرته على استيعاب محيطه بشكل واضح، أما الثانية فهي حضور القنصل البولندي مع أبنائه وزوجته القدّاس المذكور، مما يُعَدّ مؤشراً أكبر على كونه الشخص المقصود بالاستهداف، إلا أن ازدحام المكان وقدرة الأجهزة الأمنية على الاستجابة السريعة للحادثة، دفعت العنصرين للانسحاب قبل تحقيق هدفهما في اغتياله.
بالرغم من التشديد الأمني الذي فرضته السلطات التركية وأجهزتها خلال الشهور الماضية، والذي أفضى إلى اعتقال المئات من العناصر المرتبطة بتنظيم داعش، إلا أن التنظيم استطاع عَبْر استخدام إستراتيجية "الذئاب المنفردة" تنفيذ هذه الهجمة، والتي من المحتمل بشكل كبير وقوع هجمات شبيهة بها في عدة دول أوروبية، والتي كثفت حملاتها ضدّ خلايا التنظيم السرية والشخصيات المحتمَل انضمامها إليه خلال الربع الأخير من عام 2023 في مؤشّر واضحٍ على تصاعُد تهديد استهداف التنظيم لأماكن متعددة في أوروبا.
يُلاحَظ -إلى جانب ذلك- اعتماد التنظيم في عملياته الانفرادية في أوروبا منذ عام 2021 على العناصر الطاجيكية والقوقازية -غالباً- مما يُظهِر أهمية هذه العناصر من حيث انتمائها العَقَدِيّ لأفكار التنظيم من جهةٍ ووجود أعداد كبيرة منها يمكن تجنيدها للقيام بمثل هذه الهجمات لصالح التنظيم في عدة دول من جهة أخرى، إلى جانب امتلاك الكثير من هذه العناصر استعدادات بدنيّة لتنفيذ مثل هذه العمليات، مما يُعَدّ مؤشرًا على احتمال تنفيذ حملات أمنية ضد الشخصيات ذات الميول الدينية المتشددة في تجمُّعاتهم داخل أوروبا عموماً.
إلى جانب ما سبق، فإن تأكيد التنظيم على ما يناقض السردية الرسمية بخصوص تنفيذ العملية وسياقها وقدرة عناصره على التملُّص من المراقبة الأمنية قبل العملية وبعدها، يُعَدّ إنذاراً مبكّراً للدول المعنيّة حول القُدُرات المَرِنة والمتغيِّرة للتنظيم رغم التشديد الأمني عليه، مما يستوجب إحاطةً أشملَ وتدابيرَ أدقَّ تجاه إستراتيجيته وأنشطته.