تونس.. عامان على الإجراءات الاستثنائية، هل تعود تونس إلى ما قبل عام 2011؟
2023-07-251331 مشاهدة
امتلكت تونس أهمية ورمزية خاصة في عموم المنطقة العربية باعتبارها المكان الذي اشتعلت فيه شرارة الربيع العربي في عام 2011، والتي ألهمت انفجار الثورات الأخرى في عدد من البلدان العربية، وحتى ما قبل الإجراءات الاستثنائية التي بدأها الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 تموز/ يوليو 2021، كانت تونس تُصنَّف على أنها الأفضل حالاً من ناحية الحقوق والحريات، وعلى الأقل الحالة الأقل سوءاً بين بلدان الربيع العربي عموماً، مُقارَنةً مع ما آلَتْ إليه الأوضاع المؤلمة في بلدان الربيع العربي الأخرى.
مرت سنتان منذ أن قام الرئيس التونسي قيس سعيد بتنفيذ تلك الإجراءات الاستثنائية التي تم بموجبها حل الحكومة والبرلمان، وقد ترتب على ذلك تأثيرات وانعكاسات جوهرية سلبية على المجتمع التونسي فيما يتعلق بقضايا الحقوق والحريات خاصة، حيث مثلت تلك الإجراءات ارتكاساً للتحول الديمقراطي، وقد شهدت تونس تحدِّيَات كبيرة وانقسامات داخلية على مستوى مختلف الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني وعموم الشعب التونسي بشأن هذه الإجراءات، فبينما اعتبرها البعض انقلاباً على الديمقراطية ومسار التحول الانتقالي إليها، أيّدها البعض الآخر ابتداءً كإجراءات إسعافية باعتبارها سبيلاً للخلاص من الفوضى والأزمات التي تسببت بها الخلافات المحتدمة بين الطبقة السياسية وسط المصاعب الاقتصادية التي رافقت أزمة كورونا وما بعدها، وبعد سنتين يبدو أن البلاد لا تزال تواجه الانعكاسات السلبية لتلك الإجراءات بما يستدعي حشد الموارد والتكاتُف في سبيل تجاوُزها، ومنها الاستقطاب والجدل المستمر على أولويات البلاد بين ثنائية "الأمن والاستقرار" و"الحريات والديمقراطية"، الجدل والانقسام الذي يُعَدّ امتداداً للاستقطابات المجتمعية التي شهدها عموم بلدان الربيع العربي.
علاوةً على ذلك، ما زالت البلاد تواجه أزمات اقتصادية تعصف بها وتؤثر سلباً على معيشة المواطنين، كما تواجه تحدِّيَات أمنية ومشكلة الهجرة غير النظامية باعتبارها مشكلة متفاقمة مع زيادة أعداد المهاجرين الأفارقة الذين يتخذون من تونس معبراً باتجاه القارة الأوروبية، ليضاف هذا الموضوع إلى قائمة القضايا الجدلية بين السلطة والمنظمات الحقوقية التي بدأت استنكار السياسات ضدّ المهاجرين غير الشرعيين.
بعد مرور سنتين على تلك الإجراءات الاستثنائية لا يبدو أن تلك الإجراءات أسهمت في إخراج البلاد من النفق المظلم، بل على العكس ازدادت الأزمات التي يُفترَض أن تُسهم الإجراءات في حلها عمقاً بالتوازي مع التدهور في مناخ الحريات والتحوُّل الديمقراطي.
بناءً على ما سبق تتجه السيناريوهات المستقبلية نحو إعادة إنتاج دولة الفرد الواحد إلا إذا تمّ الوصول إلى صِيَغ مُتفَق عليها للحوار الوطني الجادّ حول مستقبل البلاد والسير نحو استعادة الديمقراطية والاستقرار معاً، مما يستدعي أن يكون هناك التزام شامل من قِبل الحكومة والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني للعمل معاً من أجل تحقيق تطلعات الشعب التونسي وبناء مستقبل أفضل، في النهاية، يُعَدّ تحقيق الاستقرار والديمقراطية في تونس مسؤولية جماعية تشمل الحكومة والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني المختلفة، ويتطلب التغلب على التحدِّيَات الحالية تضافُر جهود الجميع والتفكير بشكل إستراتيجي في بناء مستقبل مُشرِق للبلاد ولجميع المواطنين.
تقع مسؤولية القيام بهذا الحوار الوطني الجادّ على السلطة بالدرجة الأولى، من خلال تهيئة الظروف والشروط للحوار الحرّ التشارُكي الشفّاف الشامل، ولكنه لا يبدو قابلاً للتحقق من خلال استمرار ما يبدو حالياً من السير باتجاه تحويل تونس مرة أخرى إلى دولة حكم الفرد الواحد، السيناريو الذي يمكن أن يحمل مخاطر إعادة تونس إلى فترة ما قبل عام 2011، والتي حملت بذور الانفجار الكبير الذي بدأه البوعزيزي، مما يجعل الوضع في تونس أشبهَ بنار كاوية تحت الرماد، قابلاً للانفجار في أي لحظة، ينتظر شرارة جديدة.