اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.. التحدِّيات والمآلات

اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.. التحدِّيات والمآلات

2025-01-31
75 مشاهدة

تمهيد  

على النقيض من الأهداف الإسرائيلية المُعلَنة بشأن القضاء على المقاومة في قطاع غزة، واستعادة العشرات من الرهائن، وما صاحَب ذلك من تهديدات القُوى الدينية بالعودة إلى استيطان قطاع غزة، وافقت حكومة بنيامين نتنياهو في 17 كانون الثاني/ يناير 2025 على اتفاق وقف إطلاق النار، والبدء في المرحلة الأولى التي كانت بمثابة اختبار حقيقي لمراحل أخرى لاحقة.  

لكن مع دخول الاتفاق حيِّز التنفيذ يوم 19 كانون الثاني/ يناير 2025 ومضيّ الأطراف في تنفيذ المتفَق عليه في المرحلة الأولى إلا أن الانتقال إلى المرحلة الثانية وإتمامها ثم إتمام الاتفاق بشكل كامل قد يواجه العديد من المعوّقات والتحدِّيات، لأسباب مختلفة ترتبط بالمصالح الإسرائيلية المتباينة، الأمر الذي كان سبباً في تأخُّر الوصول للاتفاق سابقاً، وأدى لازدياد الأزمة الإنسانية في القطاع.  

قد يكون من المفيد العودة لفهم أسباب تأخُّر الوصول لاتفاق، حيث الأسباب ذاتها ستشكل التحدِّيات المتوقَّعة في المراحل القادمة من تنفيذ الاتفاق، بما يترك مصير القطاع واتفاق وقف الحرب فيه إلى سيناريوهات عدة تحكمها مصالح ودوافع محلية وأخرى إقليمية ودولية.   

أولاً: أزمات نتنياهو ومرونة المقاومة  

شكلت الكارثة الإنسانية التي تصاعدت في قطاع غزة بعد الحرب ضغوطاً كبيرة على مواقف المقاومة الفلسطينية، التي تراجعت عن مطالبها المتعلقة بالانسحاب الكامل من القطاع، ثم البدء في صفقة تبادُل الأسرى، حيث أعربت حركة حماس في بيانها الصادر بتاريخ 11 آب/ أغسطس 2024 عن استعدادها للعودة إلى مقترح الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2735 الصادر في 31 أيار/ مايو 2024، وهو ما وافقت عليه الحركة حينها ورفضته حكومة اليمين في إسرائيل [1] .

لم يُقدّم وفد المقاومة الكثير من المرونة بعد ذلك التاريخ؛ لأن تفاصيل وقف إطلاق النار الذي وُقّع بعد ذلك لم تختلف كثيراً عن مقترح بايدن وقرار مجلس الأمن، بينما تراجع الموقف الإسرائيلي إلى الموافقة على هذه التفاصيل التي أُعلنت في 16 كانون الثاني/ يناير 2025.  

الحكومة الإسرائيلية كانت خلال عام 2024 قد رفضت المقترحات والحلول السلمية المقدَّمة، واستمرت في تنفيذ خطط عسكرية ميدانية، مثل الهجوم البري الواسع على مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، وما أعقب ذلك من خطة الجنرالات شمال القطاع.  

ما سبق زاد من تعقيد الوضع الميداني في غزة آنذاك، وانعكس سلباً على جولات التفاوُض المتجدِّدة، وعليه ثَمّة ما يدعو إلى الاعتقاد أن لتهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمنطقة عموماً، وللمقاومة في غزة على وجه الخصوص، دوراً حاسماً في الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار [2] .

على الجانب الآخر، فإنَّ الوضع الميداني في غزة كان مؤثراً أيضاً على قرار الحكومة الإسرائيلية، ودفعها نحو الموافقة على وقف إطلاق النار، فقد تكبد الجيش الإسرائيلي في شمال القطاع خسائر كبيرة على مستوى الأفراد والمُعَدّات، وهو ما زاد من موجة الاعتراضات الداخلية على مستوى المؤسسة العسكرية.   

كما أن الدمار الكبير شمال القطاع، وما يوازيه من استمرار هجمات المقاومة، وسعي هذه الأخيرة لاستعادة قدراتها العسكرية؛ عقَّد من مهمة الجيش الإسرائيلي الذي فشل في تنفيذ خطة الجنرالات، وأصبح يتلقى المزيد من الضربات اليومية، وهو ما صعَّد الاحتجاجات الداخلية ضدّ حكومة نتنياهو، سواءً على مستوى عائلات الرهائن، أم على مستوى الرأي العامّ الإسرائيلي [3] .

ثانياً: مراحل تنفيذ الاتفاق وحساسيتها   

وصل اتفاق وقف إطلاق النار نهاية كانون الثاني/ يناير 2025 إلى نقطة التفاوض على تفاصيل المرحلة الثانية [4] ، وهي لا تقلّ من حيث الخطورة والحساسية عن سابقتها، خصوصاً فيما يتعلق بتبادُل الأسرى، واستكمال الانسحاب العسكري، إضافة لتفاصيل أخرى حول التسهيلات الإنسانية، وإعادة الإعمار وغيرها، حيث يسعى اليمين الإسرائيلي إلى تعطيل هذه الأمور، بالاستفادة من أنَّ التفاوض في هذه المرحلة لن يكون تحت ضغط الحرب بالنسبة لطرفَي الصراع، وهو ما تُوظِّفه حكومة نتنياهو من خلال وجود جيشها في محورَيْ نتساريم وفيلادلفيا، وسط القطاع وجنوبه، وعليه فإن استمرار وجود الجيش الإسرائيلي يهدف إلى ممارسة الضغط على المقاومة؛ لأنه يؤدي إلى منع عودة سكان القطاع من جنوبه لشماله.   

كانت الغالبية العظمى من الحكومة الإسرائيلية قد وافقت على قرار وقف إطلاق النار باستثناء قُوى اليمين الديني الأكثر تطرُّفاً، لكن التصويت الواسع لصالح الاتفاق لا يزال مرتبطاً بتنفيذ المرحلة الأولى منه فقط، حيث إنَّ انسحاب وزراء "عظمة يهودية" برئاسة إيتمار بن غفير، وربط وزراء آخرين موافقتهم بالمرحلة الأولى فقط، وعدم الذهاب نحو المراحل الثانية والثالثة، سيشكل المزيد من الضغط على الائتلاف الحكومي من قُوى اليمين، ويجعل حكومة نتنياهو عرضة للانهيار، خاصةً أن الائتلاف الحاكم بات يمتلك 62 مقعداً بدلاً من 68 مقعداً كان يمتلكها قبل توقيع الاتفاق.  

تزداد المخاوف من انهيار حكومة نتنياهو قبل الوصول إلى تنفيذ كافة المراحل الثلاث للاتفاق، وهذا ما استدعى إعلان يائير لبيد، زعيم المعارضة الإسرائيلية عن توفير شبكة أمان للائتلاف الحكومي بهدف مساندة حكومة نتنياهو، وبقاء استمرارها لحين الانتهاء من كافة مراحل الصفقة، وضمان إطلاق سراح كافة الرهائن الإسرائيليين من قطاع غزة [5] .

ثالثاً: فرص العودة إلى الحرب   

تبقى فرص تعثُّر اتفاق وقف إطلاق النار والعودة إلى الحرب قائمة، وهذا ما يستدعي الإشارة إلى 3 سيناريوهات متوقَّعة:  

1. سيناريو نجاح الاتفاق بكافة مراحله، وهو سيناريو الوضع القائم المتوقَّف على تنفيذ طرفَي الصراع لتفاصيل كل مرحلة، وبالتزامن مع ذلك نجاحهما في الوصول إلى تفاهُم مسبق على كافة تفاصيل المرحلتين الثانية والثالثة. 

2. سيناريو التمديد لمراحل الاتفاق، أيْ أنّ كل مرحلة من الممكن أن تأخذ مدى زمنياً أكبر لتنفيذها وهذا يعني مفاوضات أطول ومماطلة أكبر، وقد يترافق مع تحرُّكات عسكرية محدودة، وقد يكون هذا الخيار مناسباً لحكومة نتنياهو؛ لأنه يضمن لها البقاء السياسي، خاصةً أنها اعتمدت على استمرار الحرب لأكثر من 15 شهراً باعتبار ذلك ضامناً لبقاء الائتلاف الحكومي.  

وإذا كان خيار العودة إلى الحرب مرفوضاً أمريكياً، إضافة إلى افتقاد إسرائيل للمبرِّرات السياسية والأمنية للعودة إلى الحرب، فإن الوزن النسبي لهذا السيناريو هو الأكثر ترجيحاً؛ لأن تمديد المراحل من شأنه أن يضيف المزيد من الضغوط الإنسانية على المقاومة في غزة.  

3. سيناريو العودة إلى الحرب، يُعَدّ الأقل ترجيحاً، لكن ما قدَّمه الرئيس الأمريكي ترامب للجانب الإسرائيلي من ضمان العودة إلى الحرب في حال عدم إتمام المقاومة لشروط الاتفاق، واستعداد حكومة نتنياهو الواضح لتفعيل العمليات العسكرية مجدَّداً في أيّ مرحلة من مراحل الاتفاق، يزيد من مخاوف انهيار الاتفاق بأيّ لحظة والعودة إلى نقطة الصفر .  

الخُلاصة  

لا تزال هناك العديد من العوائق للانتقال من المرحلة الأولى للثانية ضِمن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بل قد تكون هذه التحدِّيات معوّقة لتنفيذ الاتفاق بشكل عامّ، وقد ترقى لتكون تهديدات لأصل الاتفاق، يُسبّب ذلك الكثير من التفاصيل الكامنة بين سطور نصّ الاتفاق، إضافة لوجود مصالح متباينة لفاعلين آخرين، في مقدِّمتهم اليمين الإسرائيلي الذي أثَّر في تأخير الوصول للاتفاق، ومن المتوقَّع أن يزداد تأثيره الضاغط لإعاقة الانتقال من مرحلة لأخرى.  

إنَّ مصير قطاع غزة بعد تنفيذ الاتفاق غير واضح، وهناك الكثير من التكهُّنات حول مرحلة إعادة الإعمار والسلطة التي ستحكم غزة، ودور السلطة الفلسطينية؛ وعليه فإن كل هذه العوامل من الممكن أن تخلق ديناميكيات سياسية جديدة قد تؤدي إلى إحداث تغييرات في الاتفاق ذاته وتغيُّر مضامينه في كل مرحلة منه.  

ليس من المتوقع أن يمضي تنفيذ الاتفاق بسلاسة والتزام كامل من جميع الأطراف، خاصة أن الإخلال الإسرائيلي قد يُواجَه بردة فعل من المقاومة الفلسطينية وإنْ كانت رمزية، وفي الوقت نفسه من المستبعَد انهيار الاتفاق بشكل كامل بعد عودة ترامب للبيت الأبيض وموقفه الحازم بتوقُّف الحرب، ليبقى السيناريو الأرجح أن يستمر الاتفاق وإجراءات تنفيذه لكن في مدة زمنية أطول مما تمّ الاتفاق عليه.  


 


[1]    ما هو مقترح بايدن الذي تطالب حماس بالعودة إليه بدلاً من جولة مفاوضات جديدة؟ موقع  BBC عربي، 11/08/2025.  الرابط

[2]    "تحذير".. هذا ما قاله مبعوث ترامب لنتنياهو لإتمام اتفاق غزة، موقع سكاي نيوز عربية، 18/01/2025.  الرابط   

[3]    استطلاع: 62% من الإسرائيليين يؤيدون استقالة نتنياهو، موقع الجزيرة نت، 24/01/2025.  الرابط

[4]    محادثات أولية للمرحلة الثانية من اتفاق غزة ومبعوث ترامب يتوجه إلى المنطقة، موقع الجزيرة نت،28/01/2025.  الرابط

[5]    هل يفكك اتفاق وقف إطلاق النار الحكومة الإسرائيلية؟ موقع الجزيرة نت، 18/1/2025.  الرابط